شظايا الحرب الأوكرانيّة

رجل ينظّف الحطام المتناثر قرب محل تجاري تعرض للقصف الروسي في أوديسا 13 مايو (أ.ب)
رجل ينظّف الحطام المتناثر قرب محل تجاري تعرض للقصف الروسي في أوديسا 13 مايو (أ.ب)
TT

شظايا الحرب الأوكرانيّة

رجل ينظّف الحطام المتناثر قرب محل تجاري تعرض للقصف الروسي في أوديسا 13 مايو (أ.ب)
رجل ينظّف الحطام المتناثر قرب محل تجاري تعرض للقصف الروسي في أوديسا 13 مايو (أ.ب)

كثر الحديث عن الحرب العالميّة الثالثة، وذلك استمراراً للحربين السابقتين، الأولى والثانية. وحلّل البعض قائلين إن هذه الحرب الثالثة ستكون بين أميركا والصين. فالصين قوّة صاعدة تريد ضرب «الستاتيكو» (statu quo) القائم، في المقابل تريد أميركا أن تحافظ على هذا الوضع الراهن.
لذلك، هناك فرق بين تعديل «الستاتيكو» في تركيبته القائمة، ليتأقلم مع التحوّلات الكبرى، وبين ضرب «الستاتيكو» واستئصاله من جذروه لبناء واقع جديد مختلف كلّياً عن الواقع الذي سبقه، أي نظام عالمي جديد.
لكن التغيير الجذري، وحسب ما علمّتنا تراكمات التاريخ، لا يحصل إلا بعد وقوع أحداث كبيرة جداً، أهمّها الحروب العالميّة.
فهل نحن أمام حرب عالميّة ثالثة؟
يقول المفكّر الأميركي جورج مودلسكي، إن ديناميّة التغيير الجذري في النظام العالمي تحصل على أربع فترات من الزمن، كلّ فترة منها هي عبارة عن 25 سنة، ليكون الحاصل العام قرناً من الزمن، وذلك على الشكل التالي:
* أوّل 25 سنة هي فترة الحرب الكونيّة والفوضى.
* ثاني 25 سنة، تتظهّر فيها قوّة مهيمنة.
* ثالث 25 سنة، يبدأ فيها تآكل شرعيّة القوة المهيمنة.
* رابع 25 سنة، هي فترة تشتّت موازين القوّة من المركز إلى الأطراف، وبذلك نعود إلى المرحلة الأولى من نموذج مودلسكي
أين العالم اليوم من هذا النموذج؟
قد يمكن القول إنه، وبعد انتهاء الحرب العالميّة الثانية، بدأت ديناميّة التحضير للحرب العالميّة الثالثة. ألم يقل الجنرال الأميركي جورج باتون إبّان الحرب على ألمانيا، بعد إنزال النورماندي، وبعد تصادمه مع الجيش السوفياتي الآتي من الشرق: «عاجلاً أم آجلاً سنقاتلهم، لماذا ليس الآن»؟
سنذهب مباشرة في هذه العجالة إلى الربع الثالث من نموذج مودلسكي لتحليل واقع اليوم من منظار الأمس، أي تآكل شرعيّة المهيمن. كان النظام العالمي ثنائي القطب بعد الحرب الثانية. لكن هذا النظام، وبسبب الردع النوويّ، انتقل من الحرب المباشرة بين القوى العظمى إلى الحرب بالواسطة. وبدأ هذا النظام يتآكل بدءاً من الحرب الكوريّة في عام 1950. تلتها حرب فيتنام، لتزيد من هشاشة النظام العالمي.
وتلا هذه الحروب، تقريباً، خمس حروب عربيّة إسرائيليّة، تخلّلتها الأزمة الأخطر، ألا وهي الأزمة الكوبيّة في الستينات.
وكلّ هذه الحروب كانت من أهمّ عوامل تآكل النظام العالمي الثنائي الأقطاب. لكن أغلبها حصل في مناطق بعيدة جغرافياً عن حدود القوى العظمى، أميركا والاتحاد السوفياتي، باستثناء الأزمة الكوبيّة التي دخل فيها العامل النووي، والذي شكّل مسألة حياة أو موت للولايات المتحدة الأميركيّة.
لكن الجدير ذكره، أن القوى العظمى استطاعت أن تجد حلولاً لكلّ الأزمات والحروب المذكورة آنفاً، دون الاضطرار إلى تغيير تركيبة النظام العالمي القائم.
يقول البعض إن سقوط الاتحاد السوفياتي كان تثبيتاً لشرعيّة الولايات المتحدة الأميركيّة في حكم العالم أحادياً. وفي ذلك كتب المفكر الأميركي فرنسيس فوكوياما كتابه الشهير: «نهاية التاريخ».
ويقول البعض الآخر إن سقوط الاتحاد السوفياتي أعطى فترة سماح للولايات المتحدة الأميركيّة لتهيمن أحادياً، حتى وقوع كارثة 11 سبتمبر (أيلول) 2001.
وعليه، بدأ التآكل السريع للقوّة الأميركيّة بعد إعلانها الحرب العالميّة على الإرهاب.
أين حرب أوكرانيا من الماضي والمستقبل؟
تختلف حرب أوكرانيا عن غيرها من الحروب السابقة بالأمور التالية:
* هي تحصل من ضمن نظام قديم مهترئ، والدليل على ذلك هو غياب دور الأمم المتحدة، خصوصاً مجلس الأمن، في الحرب الأوكرانيّة.
* هي تحصل جغرافياً في قلب أوروبا، كون البعض يعتبر أن أوكرانيا هي «باب أوروبا».
* إذا خسر بوتين أوكرانيا ترتفع نسبة هشاشة الأمن القومي الروسي، كون أوكرانيا تشكّل خطراً وجودياً على روسيا.
* وإذا ربح بوتين الحرب الأوكرانيّة، سيكون له تأثير مباشر على منظومة الأمن القومي الأوروبيّ، هذا عدا عن أمن الطاقة والغذاء.
* يعتبر البعض أن الحرب الأوكرانيّة هي نقطة الذروة للنظام القديم، وبدء البحث عن نظام جديد
* لكن السؤال يبقى: هل البحث عن نظام عالمي جديد سيكون سلميّاً، أم عنفيّاً عبر حرب تقلب كلّ المقاييس؟ أي الانتقال إلى آخر ربع من نموذج مودلسكي؟
* وماذا عن عودة أميركا إلى أوروبا، بكلّ ثقلها، بعد غزوة بوتين؟ وماذا عن دور «الناتو» المستقبلي؟
* ماذا عن منطقة «الإندو - باسفيك» والخطر الصيني على أميركا؟
في الختام، تبقى الحسابات الخاطئة جزءاً أساسياً من قرارات الحرب عبر التاريخ. لكن يبدو أن التواصل الأخير بين وزيري الدفاع الأميركي والروسي هو عنصر إيجابي يفتح قنوات خفض التوتّر. فعلى حساب من ستكون التسويات؟


مقالات ذات صلة

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا رجال إنقاذ أوكرانيون في موقع هجوم مسيّرة روسية بكييف (إ.ب.أ)

مقتل 5 أشخاص على الأقل بهجمات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا

أسفرت هجمات روسية بمسيّرات وصواريخ على أوكرانيا، يوم الجمعة، عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقلّ، في حين قُتل شخصان في ضربات أوكرانية طالت مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا ترمب وزيلينسكي (أ.ف.ب)

زيلينسكي: ترمب قادر على وقف بوتين

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمس الخميس إن بمقدور الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب أن يحسم نتيجة الحرب المستعرة منذ 34 شهرا مع روسيا،

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناة تلغرام)

زيلينسكي: عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب قد يساعد في إنهاء حرب أوكرانيا

اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الخميس أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قد يساعد على إنهاء الحرب مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف )
أوروبا صورة من مقطع فيديو نشرته وزارة الدفاع الروسية 7 نوفمبر 2024 يُظهر جنوداً من الجيش الروسي خلال قتالهم في سودجانسكي بمنطقة كورسك (أ.ب)

روسيا: كبّدنا القوات الأوكرانية خسائر جسيمة على محور كورسك

أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في بيان، اليوم الخميس، أن الجيش الروسي استهدف القوات المسلحة الأوكرانية بمقاطعة كورسك، وكبّدها خسائر فادحة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
TT

الصين تفرض عقوبات على شركات دفاع أميركية رداً على بيع أسلحة لتايوان

علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)
علما الولايات المتحدة والصين في منتزه جنتنغ الثلجي 2 فبراير 2022 في تشانغجياكو بالصين (أ.ب)

فرضت الصين عقوبات على 10 شركات دفاعية أميركية، اليوم (الخميس)، على خلفية بيع أسلحة إلى تايوان، في ثاني حزمة من نوعها في أقل من أسبوع تستهدف شركات أميركية.

وأعلنت وزارة التجارة الصينية، الخميس، أن فروعاً لـ«لوكهيد مارتن» و«جنرال داينامكس» و«رايثيون» شاركت في بيع أسلحة إلى تايوان، وأُدرجت على «قائمة الكيانات التي لا يمكن الوثوق بها».

وستُمنع من القيام بأنشطة استيراد وتصدير أو القيام باستثمارات جديدة في الصين، بينما سيحظر على كبار مديريها دخول البلاد، بحسب الوزارة.

أعلنت الصين، الجمعة، عن عقوبات على سبع شركات أميركية للصناعات العسكرية، من بينها «إنستيو» وهي فرع لـ«بوينغ»، على خلفية المساعدات العسكرية الأميركية لتايوان أيضاً، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

مركبات عسكرية تايوانية مجهزة بصواريخ «TOW 2A» أميركية الصنع خلال تدريب على إطلاق النار الحي في بينغتونغ بتايوان 3 يوليو 2023 (رويترز)

وتعد الجزيرة مصدر خلافات رئيسي بين بكين وواشنطن. حيث تعد الصين أن تايوان جزء من أراضيها، وقالت إنها لن تستبعد استخدام القوة للسيطرة عليها. ورغم أن واشنطن لا تعترف بالجزيرة الديمقراطية دبلوماسياً فإنها حليفتها الاستراتيجية وأكبر مزود لها بالسلاح.

وفي ديسمبر (كانون الأول)، وافق الرئيس الأميركي، جو بايدن، على تقديم مبلغ (571.3) مليون دولار، مساعدات عسكرية لتايوان.

وعدَّت الخارجية الصينية أن هذه الخطوات تمثّل «تدخلاً في شؤون الصين الداخلية وتقوض سيادة الصين وسلامة أراضيها».

كثفت الصين الضغوط على تايوان في السنوات الأخيرة، وأجرت مناورات عسكرية كبيرة ثلاث مرات منذ وصل الرئيس لاي تشينغ تي إلى السلطة في مايو (أيار).

سفينة تابعة لخفر السواحل الصيني تبحر بالقرب من جزيرة بينغتان بمقاطعة فوجيان الصينية 5 أغسطس 2022 (رويترز)

وأضافت وزارة التجارة الصينية، الخميس، 28 كياناً أميركياً آخر، معظمها شركات دفاع، إلى «قائمة الضوابط على التصدير» التابعة لها، ما يعني حظر تصدير المعدات ذات الاستخدام المزدوج إلى هذه الجهات.

وكانت شركات «جنرال داينامكس» و«شركة لوكهيد مارتن» و«بيونغ للدفاع والفضاء والأمن» من بين الكيانات المدرجة على تلك القائمة بهدف «حماية الأمن والمصالح القومية والإيفاء بالتزامات دولية على غرار عدم انتشار الأسلحة»، بحسب الوزارة.