مطالب فلسطينية بلجنة تحقيق دولية في مقتل أبو عاقلة

إدانات عربية وعالمية تحمّل إسرائيل مسؤولية مصرع الصحافية

فلسطينيون يشيعون شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية أمس (أ.ب)
فلسطينيون يشيعون شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية أمس (أ.ب)
TT

مطالب فلسطينية بلجنة تحقيق دولية في مقتل أبو عاقلة

فلسطينيون يشيعون شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية أمس (أ.ب)
فلسطينيون يشيعون شيرين أبو عاقلة في الضفة الغربية أمس (أ.ب)

طالب رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية بتحقيق دولي تشارك فيه الأمم المتحدة في جريمة قتل الصحافية الفلسطينية، شيرين أبو عاقلة، في مخيم جنين، صباح الأربعاء. فيما أدانت «جامعة الدول العربية»، و«الخارجية المصرية»، وجهات دولية، اغتيال أبو عاقلة على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم جنين بالضفة الغربية.
وتعهد أشتية بأن الحكومة ستتابع مع نقابة الصحافيين والمنظمات الحقوقية والإنسانية المختصة هذه الجريمة، تمهيداً لرفعها للمحكمة الجنائية الدولية، والمحاكم الوطنية المختصة، وصولاً إلى ملاحقة ومحاسبة ومحاكمة مجرمي الحرب، رافضاً أن تكون إسرائيل جزءاً من اللجنة لأن ذلك سيقوض مصداقيتها. جاء ذلك بعد رفض الفلسطينيين طلباً إسرائيلياً لبدء تحقيق مشترك في مقتل أبو عاقلة التي باغتتها رصاصة قاتلة أثناء تغطيتها اقتحام الجيش الإسرائيلي لمخيم جنين شمال الضفة الغربية. وقضت أبو عاقلة، وهي صحافية معروفة، وتعمل في قناة الجزيرة القطرية منذ أكثر من 20 عاماً، برصاصة مباشرة في الرأس أثناء وجودها إلى جانب صحافيين في مخيم جنين، في مشهد أثار مشاعر الحزن والغضب في الأراضي الفلسطينية والعالم العربي، وجلب انتقادات دولية واسعة لإسرائيل التي حاولت التنصل من قتلها.
وأدانت الرئاسة الفلسطينية جريمة إعدام قوات الاحتلال الإسرائيلي لأبو عاقلة، وحمّلت الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة، وشدّدت على أنها جزء من سياسة الاحتلال باستهداف الصحافيين لطمس الحقيقة وارتكاب الجرائم بصمت. ويشارك الرئيس الفلسطيني محمود عباس، اليوم (الخميس)، في مراسم تشييع جثمان أبو عاقلة، من مقر الرئاسة في مدينة رام الله، بحضور رسمي وشعبي. وإلى جانب عباس، عزى رئيس الوزراء ووزراء ومسؤولون في منظمة التحرير وقادة الفصائل الفلسطينية ونقابة الصحافيين ومؤسسات وطنية وأهلية، بوفاة أبو عاقلة، التي تحوّلت إلى الخبر الأول في الأراضي الفلسطينية ووسائل التواصل الاجتماعي.
وحاولت إسرائيل التنصل من مقتل أبو عاقلة، وأثارت شكوكاً حول الجهة التي أطلقت النار عليها، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت إن فلسطينيين مسلحين يتحمّلون على الأرجح مسؤولية مقتل أبو عاقلة، وإن «إسرائيل دعت الفلسطينيين إلى القيام بتشريح مشترك لجثتها، سيعتمد على التوثيقات كافة والمعطيات القائمة كافة». وتوجّه وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، إلى الفلسطينيين، يطالبهم بإجراء تحقيق مشترك. وقال: «يجب حماية الصحافيين في ساحات القتال، وعلينا واجب الوصول إلى الحقيقة».
وباشرت النيابة العامة في رام الله إجراءات التحقيق، وقالت إنه سيتم من خلال نيابة الجرائم الدولية المختصة بتوثيق الجرائم الداخلة باختصاص المحكمة الجنائية الدولية، تمهيداً لإحالتها لمكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. وفوراً أمر النائب العام الفلسطيني بتشريح الجثمان، ووافقت عائلة شيرين على ذلك. كما أفاد الصحافي الفلسطيني علي السمودي، الذي كان يرافق أبو عاقلة وتلقي رصاصة في الظهر، بأنهما كانا ضمن مجموعة من 7 صحافيين توجهوا لتغطية المداهمة في مخيم جنين، وكانوا جميعاً يرتدون ملابس واقية تشير بوضوح إلى أنهم صحافيون، ومرّوا بجوار القوات الإسرائيلية حتى يراهم الجنود ويعرفوا أنهم هناك. وأضاف: «أطلقوا النار علينا بشكل متعمد، لم نكن مسلحين ولم نكن مقاومين ولم يكن معنا مدنيون ولا راشقو حجارة، واخترنا منطقة للتغطية حفاظاً على حياتنا، لكنهم أطلقوا النار علينا بشكل متعمد». وبحسبه، فإن الطلقة الأولى أخطأتهم، ثم أصابته الثانية، وقتلت الثالثة شيرين، ولم يوجد هناك سوى المراسلين والجيش. وبقتل إسرائيل أبو عاقلة يكون عدد الصحافيين الفلسطينيين الذي قتلتهم إسرائيل، قد ارتفع إلى 55 منذ العام 2000. بحسب نقيب الصحافيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر.
ورداً على الاتهامات الفلسطينية، فتح الجيش الإسرائيلي تحقيقاً خاصاً، وذلك بعد مطالبة السفير الأميركي بفتح تحقيق شامل ومعمق فيما جرى. وندّد البيت الأبيض، بقوة، بمقتل مراسلة قناة تلفزيون الجزيرة شيرين أبو عاقلة، وهي فلسطينية تحمل الجنسية الأميركية. وقالت كارين جان - بيير، نائبة المتحدثة باسم البيت الأبيض للصحافيين المرافقين للرئيس جو بايدن على متن طائرة الرئاسة «إير فورس وان»، في طريقه إلى ولاية إيلينوي: «ندعو لإجراء تحقيق مستفيض في وفاتها».
من جهتها، وصفت الجامعة العربية مقتل أبو عاقلة بـ«الجريمة البشعة التي تستهدف وأد صوت الحق والحقيقة والحرية والدفاع عن قضايا العدل والعدالة الإنسانية، وذلك من خلال العدوان المستمر والاستهداف المتواصل لمحافظة جنين، وحرب الاحتلال المعلنة المتصاعدة على الشعب الفلسطيني». وحملّت الأمانة العامة للجامعة، في بيان لها أمس، حكومة الاحتلال الإسرائيلي «المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة البشعة التي تستدعي المساءلة الدولية، وملاحقة مرتكبيها أمام جهات العدالة الدولية المختصة بكل ما تمثله من أركان كجريمة حرب وانتهاك جسيم لقواعد القانون الدولي».
بدورها، أعربت وزارة الخارجية المصرية، أمس، عن «إدانتها بأشد العبارات لجريمة الاغتيال النكراء، وكذلك إصابة السمودي». وأكد السفير أحمد حافظ، المتحدث الرسمي باسم الخارجية، أن «تلك الجريمة بحق الصحافية الفلسطينية خلال تأدية عملها تُعد انتهاكاً صارخاً لقواعد ومبادئ القانون الدولي الإنساني وتعدياً سافراً على حرية الصحافة والإعلام والحق في التعبير، مُطالباً بالبدء الفوري في إجراء تحقيق شامل يُفضي إلى تحقيق العدالة الناجزة». كما أدانت قطر «بأشدّ العبارات» قتل القوات الإسرائيلية، الإعلامية شيرين أبو عاقلة مراسلة قناة الجزيرة بالقرب من مخيم جنين، وإصابة الصحافي علي السمودي منتج قناة الجزيرة، واعتبرت ذلك «جريمة شنيعة وانتهاكاً صارخاً للقانون الإنساني الدولي وتعدياً سافراً على حرية الإعلام والتعبير وحق الشعوب في الحصول على المعلومات». كذلك أعربت وزارة الخارجية الكويتية عن إدانة واستنكار دولة الكويت الشديدين للاغتيال.
هذا، وأبدت المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة «استياءها» إثر مقتل الصحافية الأميركية الفلسطينية، مطالبة بتحقيق مستقل حول ملابسات ما حصل. وقالت، في تغريدة، إن «أجهزتنا موجودة على الأرض للتحقق من الوقائع»، مطالبة بـ«وقف الإفلات من العقاب»، وبتحقيق «مستقل وشفاف حول مقتل» الصحافية.



مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
TT

مصر وأميركا في عهد ترمب: لا عقبات ثنائية... وتباين حول «مفاهيم السلام»

صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)
صورة أرشيفية من لقاء بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عام 2017 (رويترز)

جاء فوز دونالد ترمب بانتخابات الرئاسة الأميركية مُحمّلاً بتطلعات مصرية لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، والعمل معاً من أجل إحلال «سلام إقليمي»، وهو ما عبر عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في منشور له عبر حسابه الرسمي على موقع «إكس» الأربعاء، هنأ خلاله الرئيس الأميركي المنتخب.

وقال السيسي: «نتطلع لأن نصل سوياً لإحلال السلام والحفاظ على السلم والاستقرار الإقليمي، وتعزيز علاقات الشراكة الاستراتيجية بين مصر والولايات المتحدة وشعبيهما الصديقين»، وأضاف: «البلدان لطالما قدما نموذجاً للتعاون ونجحا سوياً في تحقيق المصالح المشتركة»، مؤكداً تطلعه إلى مواصلة هذا النموذج في «هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها العالم».

وأثارت أنباء فوز ترمب تفاعلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لتتصدر وسوم عدة الترند في مصر، مصحوبة بمنشورات لتهنئة للرئيس الأميركي المنتخب. وبينما عول سياسيون وإعلاميون مصريون على ترمب لوقف الحرب الدائرة في غزة منذ أكثر من عام، ووضع حد للتصعيد في المنطقة، أكدوا أن «مواقف الرئيس المنتخب غير التقليدية تجعل من الصعب التنبؤ بسياسة الإدارة الأميركية في السنوات الأربع المقبلة».

ولا يرى الإعلامي وعضو مجلس النواب المصري (البرلمان) مصطفى بكري «اختلافاً بين ترمب ومنافسته الخاسرة كامالا هاريس من القضية الفلسطينية»، لكنه أعرب في منشور له عبر «إكس» عن سعادته بفوز ترمب، وعده «هزيمة للمتواطئين في حرب الإبادة».

أما الإعلامي المصري أحمد موسى فعد فوز ترمب هزيمة لـ«الإخوان»، ومن وصفهم بـ«الراغبين في الخراب». وقال في منشور عبر «إكس» إن هاريس والرئيس الأميركي جو بايدن «كانوا شركاء في الحرب» التي تشنها إسرائيل على لبنان وغزة.

وعول موسى على ترمب في «وقف الحروب بالمنطقة وإحلال السلام وعودة الاستقرار». وكذلك أعرب الإعلامي المصري عمرو أديب عن أمله في أن «يتغير الوضع في المنطقة والعالم للأفضل بعد فوز ترمب».

مفاهيم السلام

رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية ووزير خارجية مصر الأسبق، السفير محمد العرابي، أكد أن «العلاقات بين مصر والولايات المتحدة لن تواجه عقبات أو مشكلات على المستوى الثنائي خلال عهد ترمب»، لكنه أشار إلى أن «مواقف الرئيس المنتخب من القضية الفلسطينية وأفكاره غير التقليدية بشأنها قد تكون أحد الملفات الشائكة بين القاهرة وواشنطن».

وأوضح العرابي لـ«الشرق الأوسط» أن «ترمب يتبنى مفاهيم عن السلام في الإقليم ربما تختلف عن الرؤية المصرية للحل»، مشيراً إلى أن «القضية الفلسطينية ستكون محل نقاش بين مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة».

وتبنى ترمب خلال ولايته الأولى مشروعاً لإحلال «السلام» في الشرق الأوسط عُرف باسم «صفقة القرن»، والتي يرى مراقبون أنه قد يعمل على إحيائها خلال الفترة المقبلة.

وعدّ سفير مصر الأسبق في واشنطن عبد الرؤوف الريدي وصول ترمب للبيت الأبيض «فرصة لتنشيط التعاون بين مصر والولايات المتحدة لوقف الحرب في غزة، وربما إيجاد تصور لكيفية إدارة القطاع مستقبلاً».

وقال الريدي لـ«الشرق الأوسط» إن «ترمب يسعى لتحقيق إنجازات وهو شخص منفتح على الجميع ووجوده في البيت الأبيض سيحافظ على الشراكة الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن».

تصحيح العلاقات

من جانبه، رأى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق السفير حسين هريدي أن فوز ترمب بمثابة «عودة للعلاقات الاستراتيجية القائمة على المصالح المشتركة بين القاهرة وواشنطن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: إن «فوز ترمب هو تدعيم للعلاقة بين القيادة المصرية والبيت الأبيض»، مشيراً إلى أن الرئيس المصري لم يزر البيت الأبيض طوال أربع سنوات من حكم بايدن، واصفاً ذلك بأنه «وضع غريب في العلاقات الثنائية سيتم تصحيحه في ولاية ترمب».

وأضاف هريدي أن «فوز ترمب يسدل الستار على الحقبة الأوبامية في السياسة الأميركية، والتي بدأت بتولي الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2009 واستُكملت في ولاية جو بايدن الحالية»، وهي حقبة يرى هريدي أن واشنطن «انتهجت فيها سياسات كادت تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة». ورجح أن تعمل إدارة ترمب على «وقف الحروب وحلحلة الصراعات في المنطقة».

وزار الرئيس المصري السيسي البيت الأبيض مرتين خلال فترة حكم ترمب عامي 2017 و2019. وقال ترمب، خلال استقباله السيسي عام 2019، إن «العلاقات بين القاهرة وواشنطن لم تكن يوماً جيدة أكثر مما هي عليه اليوم، وإن السيسي يقوم بعمل عظيم».

لكن السيسي لم يزر البيت الأبيض بعد ذلك، وإن التقى بايدن على هامش أحداث دولية، وكان أول لقاء جمعهما في يوليو (تموز) 2022 على هامش قمة جدة للأمن والتنمية، كما استقبل السيسي بايدن في شرم الشيخ نهاية نفس العام على هامش قمة المناخ «كوب 27».

بدوره، أكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة قناة السويس الدكتور جمال سلامة أن «مصر تتعامل مع الإدارة الأميركية أياً كان من يسكن البيت الأبيض». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «العلاقات مع واشنطن لن تتأثر بفوز ترمب، وستبقى علاقات طبيعية متوازنة قائمة على المصالح المشتركة».

وعد مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي فوز ترمب فرصة لحلحلة ملف «سد النهضة»، الذي لعبت فيه الولايات المتحدة دور الوسيط عام 2019.

وهنا أكد العرابي أنه «من السابق لأوانه معرفة الدور الذي ستلعبه إدارة ترمب في عدد من الملفات المهمة لمصر ومن بينها (سد النهضة)»، وقال: «ترمب دائماً لديه جديد، وطالما قدم أفكاراً غير تقليدية، ما يجعل التنبؤ بمواقفه أمراً صعباً».

بينما قال هريدي إن «قضية سد النهضة ستحل في إطار ثنائي مصري - إثيوبي»، دون تعويل كبير على دور لواشنطن في المسألة لا سيما أنها «لم تكمل مشوار الوساطة من قبل».