القضاء اللبناني يبرئ ميشال مكتّف بعد وفاته

TT

القضاء اللبناني يبرئ ميشال مكتّف بعد وفاته

أبطل قاضي الأمور المستعجلة في منطقة المتن (جبل لبنان) رالف كركبي، قرار المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون، الذي أقفلت بموجبه شركة «مكتّف للصيرفة» بالشمع الأحمر، وأمر برفع الأختام عن أبواب الشركة بعد مرور عام كامل على إغلاقها. وعدّ «استمرار إقفال أبواب هذه الشركة يشكل تعدياً واضحاً على حقوقها المشروعة لممارسة نشاطها التجاري». وتحظى شركة مكتّف للصيرفة بترخيص من وزارة الخزانة الأميركية لشحن الأموال النقدية من الخارج إلى لبنان وبالعكس، وقد اتهمتها القاضية عون بتهريب مئات ملايين الدولارات لسياسيين ونافذين إلى خارج لبنان إثر انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019 رغم نفي صاحب الشركة ميشال مكتّف هذا الاتهام مراراً، وقد توفي الأخير إثر أزمة قلبية أصابته في 18 مارس (آذار) الماضي. ورأى وكيله القانوني يومها أن الوفاة ناتجة عن «حالة إحباط ويأس انتابت مكتّف، جراء الظلم الذي لحق به وإقفال شركته والشروع بملاحقته لأسباب سياسية». وعزز القاضي كركبي حكمه الذي أصدره أمس، بقرار النائب العام المالي القاضي علي إبراهيم، الذي سبق له وحفظ ملف الدعوى التي أقيمت أمامه ضدّ مكتّف وشركته «لعدم توفّر عناصر جرم جزائي»، وإلى قرار النائب العام التمييزي الذي سبق له وفض الأختام أيضاً، سنداً إلى مبدأ تسلسل النيابة العامة كوحدة لا تتجزأ تحت رقابة النائب العام التمييزي.
ويأتي هذا القرار كجواب على مذكرة قانونية تقدّم بها الوكيل القانوني لشركة مكتّف المحامي مارك حبقة في 21 مارس الماضي، وطلب فيها فضّ الأختام التي أمرت القاضية غادة عون بوضعها، وأثار فيها حبقة مسألة تمرّد هذه القاضية على قرار النائب العام التمييزي الذي صدر في 15 أبريل (نيسان) 2021، حيث كفّ يدها عن التحقيق بالدعاوى المالية وإعطاء أي إشارات بشأنها، وأناط صلاحية النظر في الجرائم المالية بالمحامي العام الاستئنافي القاضي سامر ليشع. وطلب حبقة اتخاذ قرار معجل التنفيذ نافذ على أصله بفضّ الأختام بالشمع الأحمر عن مركز الشركة المستدعاة، شركة مكتف في عوكر، لتتمكّن هذه الأخيرة من معاودة عملها. ونفّذت القاضية غادة عون خلال شهر أبريل 2021، عمليات مداهمة لشركة مكتّف، وقامت بخلع أبوابها بالقوة مستعينة بمناصرين لـ«التيار الوطني الحرّ»، والدخول إلى مكاتب الشركة ومصادرة أجهزة الكومبيوتر من داخلها ومستندات ووثائق خاصة بها، ثم عمدت إلى إقفالها بالشمع الأحمر، ولم تمتثل القاضية المذكورة المحسوبة على رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، لقرار النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي عزلها عن التحقيق بالملفات المالية وأوكل هذه المهمة إلى المحامي العام الاستئنافي في حبل لبنان القاضي سامر ليشع.
ورأى المحامي مارك حبقة أن إقفال شركة مكتف «اتُّخذ بقرار سياسي وليس بخلفية قضائية»، وأوضح في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن قرار قاضي الأمور المستعجلة «أنصف ميشال مكتّف بعد وفاته، وشكل انتصاراً للعدالة خصوصاً أنه ينطوي على بُعد إنساني، فهو تطرّق إلى مأساة إيقاف الموظفين عن العمل بسبب إقفال الشركة ما تسبب بقطع مورد رزقهم». وشدد حبقة على أن «مضمون القرار يؤكد أن إقفال الشركة لم يكن قانونياً إنما اتخذ سياسة انتقامية، خصوصاً أن النيابة المالية كانت قد حفظت هذه الدعوى ولم تدّع فيها». وكشف أنه «تسلّم كل الحواسيب التي كانت القاضية عون قد صادرتها من الشركة، بالإضافة إلى باقي الوثائق والأقراص المدمجة».
وقال حبقة: «أهدي هذا القرار إلى روح ميشال مكتّف». وعلّق المحامي الدكتور بيتر جرمانوس على هذا القرار، فذكّر بأن القانون «وضع مهلاً محددة لتحقيقات النيابة العامة، بخلاف قاضي التحقيق الذي أعطاه مهلة مفتوحة». وأشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «النائب العام الاستئنافي أياً كان يتخطى صلاحياته الوظيفية عندما يحقق بجرائم مالية، سواء بما يخصّ ملف شركة (مكتّف) أو الادعاء على حاكم مصرف لبنان (رياض سلامة) والمصارف، وحتى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بقضية القروض المدعومة، كون الجرائم المالية تقع ضمن الاختصاص الحصري للنائب العام المالي».
ورأى القاضي جرمانوس (قاضٍ سابق وكان يشغل منصب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية)، أن «النائب العام الذي لا يضع سقفاً زمنياً لتحقيقاته وراح يفتح ملفاً تلو الآخر يمارس مخالفة فاضحة لأحكام قانون أصول المحاكمات الجزائية، وتعدياً على الاختصاص الوظيفي والمكاني للنيابات العامة الأخرى». وسأل: «إذا لم يحترم القاضي القانون فمن يحترمه؟». ولفت جرمانوس إلى أن «قرار قاضي الأمور المستعجلة كركبي وضع حدّاً لحالة التعسّف باستخدام القانون وأعاد الأمور إلى سكتها الصحيحة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».