أوروبا تُعدّ لـ«أكبر عملية إعمار» في أوكرانيا

قد تتجاوز تكلفتها 500 مليار يورو

منزل تعرض للقصف في إربين بالقرب من كييف في 3 مايو (أ.ب)
منزل تعرض للقصف في إربين بالقرب من كييف في 3 مايو (أ.ب)
TT

أوروبا تُعدّ لـ«أكبر عملية إعمار» في أوكرانيا

منزل تعرض للقصف في إربين بالقرب من كييف في 3 مايو (أ.ب)
منزل تعرض للقصف في إربين بالقرب من كييف في 3 مايو (أ.ب)

بعد «مؤتمر المانحين» الذي دعت إليه بولندا والسويد في وارسو، الخميس، وجمع ستة مليارات يورو لمساعدة أوكرانيا على النهوض من الحرب المستعرة التي لا يلوح أي حل لها في الأفق المنظور، يعكف الاتحاد الأوروبي، بالتعاون مع عدد كبار الخبراء الاقتصاديين الدوليين، على وضع إطار أوّلي لما اصطلح خبراء المفوضية على تسميته بـ«مخطط لإعمار أوكرانيا» ينتظر أن يكون أكبر عملية إعمار في التاريخ من المقدّر أن تتراوح تكاليفها بين 500 مليار وألف مليار يورو.
وتشير المعلومات الأولية إلى أنه بقدر ما تطول الحرب، بقدر ما تقترب الكلفة من الرقم الثاني، علماً بأن الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي كان أعلن في مؤتمر وارسو أن تكلفة الحرب على بلاده تتجاوز 600 مليار يورو. وتجدر الإشارة أن تكلفة خطة مارشال الأميركية بعد الحرب العالمية الثانية لمساعدة أوروبا على النهوض من آثار الحرب بلغت 12,5 مليار دولار، أي ما يعادل 2% من إجمالي الناتج القومي الأميركي آنذاك، فيما تشكّل تكلفة الإعمار في أوكرانيا 3% من إجمالي الناتج القومي للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة معاً. ويذكر أن تكلفة إعمار العراق بعد الحرب بلغت 220 مليار دولار، فيما بلغت تكلفة إعمار أفغانستان 145 مليار دولار، وبلغت تكلفة توحيد الألمانيتين 300 مليار دولار.
ويستفاد من المخطط الذي يشرف على وضعه مركز بحوث السياسات الاقتصادية التابع للاتحاد الأوروبي، أن الإعداد له قبل نهاية الحرب أو معرفة الآجال المحتملة لنهايتها ضروري خاصة بالنسبة لملايين السكان الذين سيضطرون للعيش فترة قد لا تقل عن السنة في اليأس والعراء ومن غير أي خدمات أساسية. ويدعو المخطط إلى الإسراع في تكليف وكالة واحدة مخصصة لجمع التبرعات من البلدان والمؤسسات الدولية وتنسيق المساعدات الأولية تمهيداً لمرحلة الإعمار.
ويعرض المخطط مراحل الإعمار، من تحديد الأضرار إلى شروط إبرام العقود وتنفيذها، ويشدّد على أهمية استعادة تأهيل الشباب ووقف ما يسمّيه «هجرة الأدمغة الأوكرانية» بحيث تكون البلاد جاهزة لاستقبالها منذ اليوم الأول بعد نهاية الحرب، لأن الإعمار يجب أن يبدأ برأس المال البشري، قبل البنى التحتية المادية. ومن الاقتراحات العملية التي يتضمنها المخطط، التخلّي عن فكرة إعمار الأحياء السكنية على الطراز المعماري السوفياتي لصالح مشاريع بناء حديث يتماشى مع معايير الاستدامة والحفاظ على البيئة، بحيث تكون هذه «فرصة مأساوية أمام أوكرانيا للارتقاء نحو نموذج مثالي في التخطيط العمراني على غرار سنغافورة».
ويعتبر الخبراء الاقتصاديون المشاركون في وضع هذا المخطط أن الدول الغربية تملك القدرة المالية الكافية لدعم تنفيذه، «لكن القدرة وحدها لا تكفي، إذ لا بد من أن تتوفر الإرادة السياسية اللازمة لتفعيلها في الآجال المطلوبة»، كما جاء في مقدمة التقرير المرفق بالمخطط. إلى جانب ذلك، تبقى هناك علامات استفهام حول المدن التي ستبقى تحت الإدارة الأوكرانية بعد نهاية الحرب، وتلك التي ستنتقل إلى الإدارة الروسية. وهل أن الدول الغربية ستكون على استعداد لتمويل إعمار هذه الأخيرة؟
ويتوقع الخبراء أنه سيكون من الصعب جداً، بل من شبه المستحيل، إلزام روسيا بالتعويض عن الأضرار التي تسبب بها اجتياحها لأوكرانيا، ويذكرون بتداعيات السابقة الخطرة التي نشأت عن إجبار ألمانيا على تغطية تكاليف الأضرار التي نجمت عن الحرب العالمية الأولى بعد مؤتمر فرساي في العام 1919، «خصوصاً أن الغرب يبذل جهوداً منذ سنوات لدمج روسيا في دائرة الاقتصاد الليبرالي وصلت حد ضمّها إلى مجموعة الدول الصناعية، وإدخال الروبل الروسي في سلّة العملات الصعبة».
وليس من باب الصدفة أن يتزامن الكشف عن هذا المخطط الأوروبي مع بداية عودة المياه إلى مجاريها بين ألمانيا وأوكرانيا إثر المكالمة الهاتفية التي تمّت أمس بين الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلنسكي والمستشار الألماني أولاف شولتس الذي كان رفض الذهاب إلى أوكرانيا، بعد أن رفضت كييف زيارة رئيس الجمهورية الألمانية فرانك ولتر شتاينماير لاعتبارها أن موقف برلين كان متساهلا مع موسكو. ويرى المراقبون أنه من المستحيل تأمين التمويل الكافي لهذا المخطط الضخم لإعمار أوكرانيا من غير موافقة ألمانيا ومساهمتها، لا سيّما أنها المصدر الرئيسي للمساعدات المالية والاقتصادية المقدمة لأوكرانيا قبل الحرب وبعدها.
ويذكر أن شولتس كان اعترف مؤخراً أن رفض كييف لزيارة الرئيس الألماني كان السبب في قراره عدم زيارة العاصمة الأوكرانية التي زارها معظم الرؤساء وكبار المسؤولين الأوروبيين، واشتكى من تصرّف زيلنسكي تجاه الرئيس الألماني. وتجدر الإشارة إلى أن شتاينماير، الذي كان عضواً في الحزب الاجتماعي الديمقراطي الذي ينتمي إليه المستشار الألماني قبل أن يستقيل منه عند وصوله إلى الرئاسة في العام 2018، يعتبر من مهندسي اعتماد ألمانيا المفرط على صادرات الغاز والنفط الروسية، إلى جانب المستشار الأسبق غيرهارد شرودير الذي يتعرّض منذ فترة لانتقادات شديدة بسبب إصراره على رفض إدانة الحرب وعدم الاستقالة من المناصب التي يتولاها في عدد من الشركات الروسية الكبرى. لكن شرودير اعتذر مؤخراً عن موقفه المتساهل سابقاً إزاء روسيا، واعترف بأنه كان على خطأ.


مقالات ذات صلة

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

أوروبا رجال الإطفاء يظهرون في موقع تعرض لهجوم صاروخي روسي على كييف (أ.ب)

روسيا: قصف كييف يأتي رداً على هجوم بصواريخ أميركية

ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن هجوماً صاروخياً أسفر عن مقتل أربعة أشخاص في كييف، خلال الليل، جاء رداً على هجوم أوكراني في وقت سابق من الأسبوع.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ الاستعدادات جارية لحفل تنصيب ترمب أمام مبنى الكابيتول في 12 يناير 2025 (أ.ف.ب)

ترمب في عهده الثاني: نسخة جديدة أم تكرار لولايته الأولى؟

يأمل كبار السياسيين بواشنطن في أن تكون إدارة دونالد ترمب الثانية مختلفة عن الأولى، وأن يسعى لتحقيق توازن في الحكم ومدّ غصن زيتون للديمقراطيين.

رنا أبتر (واشنطن)
أوروبا أفراد من القوات العسكرية البولندية خلال العرض العسكري لإحياء ذكرى انتصار بولندا على الجيش الأحمر السوفياتي عام 1920 في وارسو 15 أغسطس 2023 (رويترز)

كيف تستعد بولندا لإعادة التسلح الأوروبي؟

بوصفها «أفضل طالب» في حلف الناتو، تحاول بولندا إشراك شركائها في مواجهة تحدي زيادة الإنفاق الدفاعي ومواجهة التهديد الروسي، حسب تقرير لصحيفة «لوفيغارو».

«الشرق الأوسط» (وارسو)
أوروبا خلال إطلاق صاروخ «أتاكمز» الأميركي الصنع نحو مياه البحر الشرقي قبالة كوريا الجنوبية في 5 يوليو 2017 (رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا باستخدام صواريخ «أتاكمز» الأميركية مجدداً وتتوعد بالرد

قالت وزارة الدفاع الروسية، الجمعة، إن أوكرانيا شنت هجوماً على منطقة بيلغورود بـ6 صواريخ «أتاكمز» أميركية الصنع، الخميس.

«الشرق الأوسط» (موسكو )
أوروبا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس الوزراء الهندي ماريندرا مودي (رويترز)

تقرير: مقتل هندي في حرب أوكرانيا يجدد التوترات بين نيودلهي وموسكو

سلطت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية الضوء على قضية الهنود الذين يقتلون خلال قتالهم مع الجيش الروسي في حربه ضد أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)
عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)
TT

360 صحافياً مسجونون في العالم... والصين وإسرائيل في صدارة القائمة السوداء

عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)
عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024 (أرشيفية)

أعلنت لجنة حماية الصحافيين، اليوم الخميس، أنّ عدد الصحافيين السجناء في العالم بلغ 361 في نهاية عام 2024، مشيرة إلى أنّ إسرائيل احتلّت، للمرة الأولى في تاريخها، المرتبة الثانية في قائمة الدول التي تسجن أكبر عدد من الصحافيين، بعد الصين.

وقالت جودي غينسبيرغ رئيسة هذه المنظمة غير الحكومية الأميركية المتخصصة في الدفاع عن حرية الصحافة، في بيان، إن هذا التقدير لعدد الصحافيين المسجونين هو الأعلى منذ عام 2022 الذي بلغ فيه عدد الصحافيين المسجونين في العالم 370 صحافياً. وأضافت أنّ هذا الأمر «ينبغي أن يكون بمثابة جرس إنذار».

وفي الأول من ديسمبر (كانون الأول)، كانت الصين تحتجز في سجونها 50 صحافياً، بينما كانت إسرائيل تحتجز 43 صحافياً، وميانمار 35 صحافياً، وفقاً للمنظمة التي عدّت هذه «الدول الثلاث هي الأكثر انتهاكاً لحقوق الصحافيين في العالم».

وأشارت لجنة حماية الصحافيين إلى أنّ «الرقابة الواسعة النطاق» في الصين تجعل من الصعب تقدير الأعداد بدقة في هذا البلد، لافتة إلى ارتفاع في عدد الصحافيين المسجونين في هونغ كونغ، وفق ما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

أمّا إسرائيل التي تعتمد نظام حكم ديمقراطياً يضمّ أحزاباً متعدّدة، فزادت فيها بقوة أعداد الصحافيين المسجونين منذ بدأت الحرب بينها وبين حركة «حماس» في قطاع غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأكّدت المنظمة غير الحكومية ومقرها في نيويورك أنّ «إسرائيل حلّت في المرتبة الثانية بسبب استهدافها التغطية الإعلامية للأراضي الفلسطينية المحتلّة».

وأضافت اللجنة أنّ هذا الاستهداف «يشمل منع المراسلين الأجانب من دخول (غزة) ومنع شبكة الجزيرة القطرية من العمل في إسرائيل والضفة الغربية المحتلة».

وتضاعف عدد الصحافيين المعتقلين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية خلال عام واحد. وأفادت المنظمة بأنّ إسرائيل التي تعتقل حالياً 43 صحافياً جميعهم من الفلسطينيين تجاوزت عدداً من الدول في هذا التصنيف؛ أبرزها ميانمار (35)، وبيلاروسيا (31)، وروسيا (30). وتضمّ قارة آسيا أكبر عدد من الدول التي تتصدّر القائمة.

وأعربت جودي غينسبيرغ عن قلقها، قائلة إن «ارتفاع عدد الاعتداءات على الصحافيين يسبق دائماً الاعتداء على حريات أخرى: حرية النشر والوصول إلى المعلومات، وحرية التنقل والتجمع، وحرية التظاهر...».