«النووي» في المعادلة الأوكرانيّة

عربة عسكرية روسية تحمل صاروخاً باليستياً في وسط موسكو ضمن استعدادات العرض العسكري في «يوم النصر» (أ.ف.ب)
عربة عسكرية روسية تحمل صاروخاً باليستياً في وسط موسكو ضمن استعدادات العرض العسكري في «يوم النصر» (أ.ف.ب)
TT

«النووي» في المعادلة الأوكرانيّة

عربة عسكرية روسية تحمل صاروخاً باليستياً في وسط موسكو ضمن استعدادات العرض العسكري في «يوم النصر» (أ.ف.ب)
عربة عسكرية روسية تحمل صاروخاً باليستياً في وسط موسكو ضمن استعدادات العرض العسكري في «يوم النصر» (أ.ف.ب)

ترتكز منظومة الردع في جوهرها على عامل المصداقيّة. وهذا يعني: استعمال وسائل الردع من قبل الرادع ضدّ المردوع الذي لم يلتزم بالخطوط الحمر. على هذه الوسائل أن تُنزِل بالمردوع ثمناً يساوي -في حدّه الأدنى- الأرباح التي حقّقها. لكن من المفُضّل أن تكون الأثمان أكبر بكثير من الأرباح. وتعتمد منظومة الردع على الوضوح الاستراتيجي، أي أن على الرادع أن يُرسل إلى خصمه، من وقت إلى آخر، إشارات ورسائل بطرق متعدّدة، لإظهار الجديّة والعزم. وقد تبدأ الإشارات من الخطاب الشفهي، إلى الدبلوماسيّة، وحتى إلى تجربة بعضٍ من وسائل الردع العسكريّة، من مناورات عسكريّة أو تجربة أسلحة جديدة، وغيرها.

الردع على المسرح الأوكراني
يعتمد الرئيس بوتين منظومة ردع تقوم على التالي: استعمال كلّ ما أوتي من قوّة تقليديّة في حربه على أوكرانيا؛ خصوصاً أن موازين القوى هي لصالحه في كلّ الأبعاد. ولكي يستفرد بالمسرح الأوكراني، وعدم إتاحة الفرصة للغرب، وخصوصاً أميركا، لانتهاز هذه الفرصة الاستراتيجيّة لإغراقه في الوحل الأوكراني، أدخل الرئيس بوتين البُعد النووي كدرع غير تقليدية، تهدف إلى حماية البُعد التقليدي.
هذا من جهة الرئيس بوتين. أما من جهة الولايات المتحدة الأميركيّة، فقد اعتمد الرئيس بايدن الوضوح الاستراتيجيّ الذي يرتكز على الأبعاد التالية:
1. لا عسكر أميركياً أو من «الناتو» على المسرح الأوكراني.
2. لا مناطق حظر جوّي.
3. لا تجارب لصواريخ باليستيّة عابرة للقارات لعدم إحراج الرئيس بوتين.
4. عدم السماح للرئيس بوتين بنصر سريع وشامل في أوكرانيا؛ لا بل السعي إلى استنزاف الجيش الروسي في أوكرانيا إلى أقصى درجات الاستنزاف، لمنعه من استكمال طريقه إلى أبعد من أوكرانيا. فأوكرانيا، حسب المؤرّخ الأميركي- الأوكراني سيرهي بلوخي، هي الباب والمدخل إلى أوروبا كلها. لكن بعد الزيارات الأميركيّة من مستوى عالٍ جدّاً إلى كييف، وكذلك حجم المساعدات العسكريّة التي انتقلت من الصفة الدفاعيّة إلى أسلحة ذات طابع هجومي مع حرب إقليم دونباس، يبدو أنه أصبحت للرئيس بايدن سياسة واضحة وعلنيّة، تستهدف روسيا ومكانتها العالميّة، كما تستهدف الرئيس بوتين شخصياً. وحسب الهواجس الروسيّة، قد يعني هذا الأمر تفتّت وتقسيم روسيا.
إذن، حتى الآن، فشل الردع الروسي– النووي في حماية التقليديّ. وفي الوقت نفسه، يبدو أن الردع الأميركي التراكمي يسير بخطى واثقة، وذلك عبر الاستنزاف المستمرّ للجيش الروسي، والذي أظهر هشاشة عالية في كلّ الأبعاد العسكريّة. وهنا تظهر معضلة بوتين في ردعه النووي للغرب و«الناتو»؛ لكن كيف؟
> هو غير قادر على إرسال تحذيرات حسيّة حول إمكانيّة استعمال «النووي» وصعوبة التفجير النووي كرسالة، وذلك بعكس التقليديّ.
> هو اكتفى بخطاب تحذيري على كل المستويات، منه شخصياً، عدّة مرّات، وكذلك من الرئيس السابق ديمتري مدفيديف، ومن وزير الخارجيّة سيرغي لافروف.
لكن المفاجأة أتت من على شاشة تلفزيون روسي، وضمن البرنامج الأكثر شعبيّة في روسيا (60 دقيقة). في هذا البرنامج، تمّت محاكاة قصف 3 دول أوروبيّة بواسطة الصاروخ النووي «سارمات»، وهي: بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا. في هذه المحاكاة، يتمّ تدمير هذه الدول عن بكرة أبيها، وخلال دقائق معدودة. فكيف يمكن تحليل هذه المحاكاة أو الرسالة؟
> إن بث المحاكاة ضمن البرنامج الأكثر شعبيّة في روسيا، إنما يعني أن هذه الرسالة موجّهة للداخل الروسي أكثر منها إلى الخارج.
> اثنتان من الدول المستهدفة هما الأكبر في الاتحاد الأوروبيّ، وهي عادة تعاند بعض السياسات الأميركيّة؛ خصوصاً المتعلّقة بروسيا وموضوع توسيع حلف «الناتو»، وهما فرنسا وألمانيا، أما بريطانيا فهي العدو الدائم لروسيا.
> اثنتان من الدول المستهدفة هما دولتان نوويّتان، وعضوان في مجلس الأمن (فرنسا وبريطانيا)، ولديهما ترسانة نوويّة ليست بقليلة (فرنسا 290 رأساً نوويّاً، وبريطانيا 225). وهما دولتان لديهما إمكانيّة تنفيذ الضربة الثانية. والمقصود بالضربة الثانية هو أن هذه الدول لديها القدرة على إطلاق السلاح النووي من أبعاد ثلاثة، من البرّ والبحر والجوّ، وهذا يعني أنها رغم قصفها من البرّ بصاروخ «سارمات»، فهي لا تزال قادرة على إطلاق قنابل نوويّة من أي غواصة مثلاً باتجاه موسكو، وهذا بحدّ ذاته يعتبر رادعاً لبوتين.


مقالات ذات صلة

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا جنود أوكرانيون يستعدون لتحميل قذيفة في مدفع هاوتزر ذاتي الحركة عيار 122 ملم في دونيتسك أول من أمس (إ.ب.أ)

مسيّرات أوكرانية تهاجم منشأة لتخزين الوقود في وسط روسيا

هاجمت طائرات مسيرة أوكرانية منشأة للبنية التحتية لتخزين الوقود في منطقة أوريول بوسط روسيا.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

اتهام لرجل عرض علم «حزب الله» خلال مظاهرة مؤيدة لفلسطين

عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من «كتائب حزب الله» العراقية خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وجهت الشرطة الفيدرالية الأسترالية اتهاماً لرجل يبلغ من العمر 36 عاماً بعرض رمز منظمة مصنفة «إرهابية» علناً، وذلك خلال مظاهرة في منطقة الأعمال المركزية بمدينة ملبورن في سبتمبر (أيلول) الماضي.

الرجل، المقيم في منطقة فيرنتري غولي، سيمثل أمام محكمة ملبورن الابتدائية في 6 مارس (آذار) المقبل؛ حيث يواجه عقوبة قد تصل إلى 12 شهراً من السجن إذا ثبتت إدانته، وفقاً لصحيفة «الغارديان».

جاءت المظاهرة ضمن فعاليات يوم وطني للعمل من أجل قطاع غزة، الذي نظمته شبكة الدعوة الفلسطينية الأسترالية في 29 سبتمبر الماضي، وشهد تنظيم مسيرات مماثلة في مختلف أنحاء البلاد احتجاجاً على التصعيد المتزايد للعنف في الشرق الأوسط.

وأطلقت الشرطة الفيدرالية الأسترالية بولاية فيكتوريا عملية تحقيق تحت اسم «أردفارنا»، عقب احتجاج ملبورن؛ حيث تلقت 9 شكاوى تتعلق بعرض رموز محظورة خلال المظاهرة.

ووفقاً للشرطة، تم التحقيق مع 13 شخصاً آخرين، مع توقع توجيه اتهامات إضافية قريباً. وصرح نيك ريد، قائد مكافحة الإرهاب، بأن أكثر من 1100 ساعة قُضيت في التحقيق، شملت مراجعة أدلة من كاميرات المراقبة وكاميرات الشرطة المحمولة، إضافة إلى مصادرة هواتف محمولة وقطعة ملابس تحتوي على رمز المنظمة المحظورة.

تأتي هذه الإجراءات بعد قرار الحكومة الفيدرالية الأسترالية في ديسمبر (كانون الأول) 2021 بتصنيف «حزب الله» منظمة إرهابية، ومع التشريعات الفيدرالية الجديدة التي دخلت حيز التنفيذ في يناير (كانون الثاني) 2024، التي تحظر عرض رموز النازيين وبعض المنظمات.

وقالت نائبة مفوض الأمن القومي، كريسي باريت، إن الادعاء يحتاج إلى إثبات أن الرمز المعروض مرتبط بمنظمة إرهابية وأنه قد يحرض على العنف أو الترهيب.

المظاهرة، التي استمرت في معظمها سلمية، جاءت بعد إعلان مقتل قائد «حزب الله» حسن نصر الله في غارة جوية إسرائيلية، وهو ما اعتبره العديد تصعيداً كبيراً في الصراع المستمر في الشرق الأوسط.

وفي وقت لاحق، نُظمت مظاهرات أخرى في سيدني وملبورن وبريزبين، وسط تحذيرات للمتظاهرين بعدم عرض رموز محظورة.