بالتاج الذي زين رأسها وزيها الأنيق من دار «شانيل» الباريسية، والذي لم تتقيد فيه بتعليماتها بأن يختار الضيوف أزياء مستوحاة من التاريخ الأميركي، أكدت آنا وينتور، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» الأميركية والمسؤولة عن محتوى الطبعات العالمية، أنها ملكة الفعالية بلا منازع... فهي، وبكل بساطة، حولت «حفل الميتروبوليتان» السنوي؛ الذي انطلق في عام 1948 مقتصراً على الطبقات الثرية في نيويورك، إلى ملتقى للنجوم يتكيف مع عصر الشبكات الاجتماعية. الآن؛ وما إن يذكر اسم الحفل حتى يقفز اسمها إلى الأذهان... هي التي تختار الضيوف، وتفرض الشروط، وتسن القوانين، وتختار العناوين.
هي أيضاً من حولت هذه الفعالية؛ التي بدأت منذ أكثر من نصف قرن، من مجرد حفل خيري لجمع التبرعات لصالح «متحف الميتروبوليتان للفنون» في نيويورك، إلى عرض أزياء بأهمية «السوبر بول». هذه السنة اختارت «غيلدد غلامور» عنواناً للحفل؛ وكأنها تريد أن تنتقم من أناقة الراحة والأسلوب العملي الذي فرضته فترة الحجر والتباعد خلال جائحة «كوفيد19»؛ لا سيما أن العنوان كان الإشارة لكي يختار الضيوف أزياءهم من العصر الذهبي لأميركا في أواخر القرن التاسع عشر بكل فخامته وبريقه. لم يكن الاختيار موفقاً بالنسبة للبعض ممن رأوا أنه لا يتناسب مع الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه العالم عموماً؛ والولايات المتحدة الأميركية خصوصاً.
بيد أن هذا التناقض أو التجرد من الواقع لم يثن مئات النجوم عن المشاركة واستعراض أفكارهم وترجماتهم لهذه الفترة من خلال أزياء تلعب على الفخامة المبالغ فيها، من أجل إثارة الأنظار حيناً؛ وعلى رسائل سياسية حيناً آخر. جيل بايدن؛ زوجة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي افتتحت الحفل هذه السنة، صرحت بأن الحدث يشكل «احتفالاً بالمصممين الذين صاغوا هوية أميركا الحقيقية». أما هيلاري كلينتون التي حضرت المناسبة بعد غياب 21 عاماً، فلم تستطع أن تقاوم الجني السياسي الساكن بداخلها، واختارت فستاناً من تصميم جوزيف ألتازورا طُرّز بخيوط من لون الفستان النبيذي نفسه بأسماء 60 امرأة ألهمنها طوال حياتها، مثل والدتها، وليدي بيرد جونسون، وإليانور روزفلت، وهارييت توبمان المؤيدة لإلغاء العبودية، ووزيرة الخارجية الراحلة مادلين أولبرايت... وهلم جرا.
رسالة رأت أنها مناسبة لهذه الفترة التي تحتفل بالتنوع وبالحركات النسوية الجديدة. الممثلة سارة جيسيكا باركر اختارت هي أيضاً أن تحتفل بامرأة، وسوداء، هي إليزابيث هوبز كيكلي، التي كانت أول سوداء تدخل البيت الأبيض في عام 1860 بصفتها مصممة أزياء لماري تود لينكولن، وكانت النتيجة فستاناً بالأبيض والأسود صممه لها الشاب كريستوفر جونز ردوجرز. أما إيريك آدمز، رئيس بلدية نيويورك، فارتدى سترة سهرة عليها رموز نظام مترو الأنفاق في نيويورك، كُتب على ظهرها عبارة: «أوقفوا عنف السلاح». كما انتهز الفرصة ليكون واقعياً ويُنوه بأن الفترة لم تكن ذهبية بالكامل ملقياً الضوء على الصعوبات الاقتصادية التي عانى منها العديد من الناس خلال العصر المذهب المزدهر في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. قال: «رغم وجود بعض الاختراعات العظيمة وبعض الهندسة المعمارية الرائعة... فإنها كانت أيضاً فترة مظلمة؛ ويجب ألا ننسى ذلك». أما الممثل ريز أحمد؛ فظهر بزي عُمال أنيق، فسّره قائلاً إنه كان مناسباً لكي يُعطي المهاجرين حقهم «فقد كان لهم فضل كبير في جعل هذه الفترة ذهبية ومزدهرة».
كان رجل الأعمال إيلون ماسك أيضاً ضمن قائمة مكونة من 400 شخص من نجوم الموضة والموسيقى والسينما والشبكات الاجتماعية والسياسة والأعمال حضروا الحدث هذا العام لتقديم دعمهم من جهة؛ وترسيخ مكانتهم بوصفهم مؤثرين من جهة ثانية. وبما أن الحفل أصبح أكبر عرض أزياء مفتوح في العالم، فإن التقليد الذي يحضر فيه المصمم مع النجمة التي اختارته أو اختارها لارتداء تصميمه لم يختف تماماً، حيث رافق بييرباولو بكيولي، مصمم دار «فالنتينو» النجمة غلين غلوز وهي تستعرض زياً لافتاً باللون الوردي بدرجة اخترعها المصمم هذا العام بالتعاون مع شركة «بانتون». الممثلة بلايك لايفلي؛ التي تشارك في رئاسة الحدث مع زوجها الممثل رايان رينولدز، تخايلت بفستان من تصميم «فيرساتشي» بذيل طويل رُسمت عليه محطة «غراند سنترال» المركزية في نيويورك و«تمثال الحرية» و«مبنى إمباير».
بدورها؛ احتفلت المغنية أليشيا كيز بنيويورك، واختارت فستاناً من رالف لورين مرصعاً بمائتي ألف قطعة من الكريستال في نقاط معينة جعلتها تبدو كأنها خط أفق المدينة.
أما كيم كارداشيان، فاختارت الفستان الذي ظهرت به نجمة الإغراء الراحلة مارلين مونرو خلال حفل عيد ميلاد الرئيس الأسبق جون كنيدي وأثناء أداء أغنيتها الشهيرة «عيد ميلاد سعيد سيدي الرئيس». الفستان الذي صممه جون لوي في عام 1962 واشترته شركة «ريبلي» في عام 2016 بـ5 ملايين دولار تقريباً، أعارته لها لمدة دقائق فقط قبل أن تغيره إلى فستان تقليد.
يذكر أنا وينتور حولت الحفل إلى فني وتجاري في الوقت ذاته. قبلها لم يكن وارداً أن تحضره كيم كارداشيان ومثيلاتها؟ لكن وينتور؛ وبحسها التسويقي، شعرت بأن ثقافة المجتمع، ومعها بوصلة المال، تغيرت. عندما حضرت كيم كارداشيان الحفل أول مرة أثار الأمر كثيراً من الاستغراب والاستهجان. الآن يبدو الأمر عادياً؛ بل وقد يفتقد حضورها البعض في حال غيابها لما تثيره من جدل وإثارة. هذا إضافة إلى أن عائلة كارداشيان من المليارديرات حالياً، والفكرة من الحفل هو جمع أكبر قدر من التبرعات لصالح «متحف الميتروبوليتان للفنون».
فثمن تذكرة الحفل الواحدة يقدر بـ35 ألف دولار ونحو 300 ألف دولار طاولة، غالباً ما يدفع ثمنها أحد الرعاة، بحسب أرقام غير رسمية لعام 2021. الهدف الثاني من الحفل هو تحفيز المشاهدين على زيارة المعرض السنوي الذي يقام في قسم الموضة في «متحف متروبوليتان» («ذي كوستوم إنستيتيوت»). يأتي عرض هذه السنة تحت عنوان: «في أميركا: مختارات من الأزياء الأميركية». ويسلط الضوء على الموضة الأميركية في القرنين التاسع عشر والعشرين بشكل كلي وليس على جزئها الذهبي فقط.