باعة موسميون يكسبون الذهب من زنابق الوادي ومعهم الحزب الشيوعي

الفرنسيون تبادلوا أزهار «عيد العمال» بـ 100 مليون يورو

زهرة عيد العمال
زهرة عيد العمال
TT

باعة موسميون يكسبون الذهب من زنابق الوادي ومعهم الحزب الشيوعي

زهرة عيد العمال
زهرة عيد العمال

اعتاد الفرنسيون تبادل باقات صغيرة من زهرة زنبقة الوادي في الأول من مايو (أيار)، بمناسبة عيد العمال. ويستعد المزارعون وتجار الأزهار لهذا الموسم، مسبقاً، لأنه يشكل، إلى جانب عيد الحب، «سان فالانتاين»، الموعد الأهم للبيع وتحقيق الأرباح. وتشير الأرقام إلى أن حصيلة مبيعات هذه الزهرة سنوياً تتجاوز المائة مليون يورو. ملايين دفعها الفرنسيون نهار أمس (الأحد)، على أزهار هشة تذبل اليوم.
وتنزل إضمامات الزهور إلى الأسواق اعتباراً من الأسبوع السابق للعيد، ويستمر البيع بعده بأيام، مع تخفيضات في السعر. وحسب منتجي هذه الزهرة البيضاء الرقيقة في مدينة نانت، غرب فرنسا، فإن ما يباع من هذه الباقات يصل إلى 60 مليون باقة في غضون أيام قلائل. أي باقة لكل فرنسي. ويأتي 85 في المائة من هذه الأزهار من مزارع نانت ذات الطقس الرطب. أما الباقي فتأتي من حقول مدينة بوردو وما يحيط بها. وعادة ما تقطف هذه الأزهار باليد مع أغصانها. ونظراً لمردودها المادي فإن لها مساحات مخصصة لها موسمياً. لكن سكان الأرياف يفضلون ما ينمو منها بشكل عشوائي في الغابات الكثيفة، وعلى حافات السواقي والغدران. وهي من عائلة أزهار الليلك ويلاحظ منها عدة أنواع، منها «الألوسترياتا» و«الفلور بلينو».
وإذا كانت الأرقام الرسمية لمحلات بيع الأزهار تسجل ما مجموعه 25 مليون يورو من حصيلة زهرة عيد العمال، فإن الخبراء يقدرون الرقم الحقيقي بنحو من 100 مليون يورو، سنوياً، نظراً لأن آلاف الباعة الصغار يقفون على الأرصفة وفي تقاطعات المرور مستغلين المناسبة للتكسب بمبالغ لا يستهان بها. واستثناء من كل التعليمات والقوانين، فإن في مقدور أي فرد أن يقطف ويبيع هذه الأزهار وتكون حصيلة البيع معفاة من الضرائب. مع هذا فإن القانون لا يسمح للأفراد بقطف الأزهار من الغابات إلا بحدود معينة وبعدد لا يتجاوز أصابع اليدين. إنها تجارة تقوم على سواعد 4 آلاف مزارع موسمي ينتظر الربيع لقطاف زنابق الوادي، التي تنمو في الظل والرطوبة ولا تحتاج لكثير من الشمس.
شهدت السنوات الأخيرة، ارتفاعاً في أسعار زهرة عيد العمال. وكان سعر الغصين المقتطع منها لا يتجاوز اليورو. على الرصيف، فإن الباقة المفردة المؤلفة من غصين واحد أو غصينين تباع اليوم بما معدله 5 يوروات. أما الأصص المغروسة في التربة، فتباع بمبلغ يصل إلى 30 يورو. وعلى سبيل المثال فإن الحزب الشيوعي الفرنسي يستغل المناسبة لبيع باقات زنابق الوادي، في المسيرة التقليدية لعيد العمال في باريس وكبريات المدن الفرنسية، ويحقق منها إيراداً لخزينته يبلغ 600 ألف يورو.
يعود تقليد الاحتفاء بزهرة زنبقة الوادي والتفاؤل بها إلى القرن الرابع عشر. فقد كان الفرنسيون يخرجون إلى الغابات مع حلول الربيع للبحث تحت الأشجار عن تلك الزهيرات بالغة الرقة التي تشبه الأجراس الصغيرة المتدلية. وفي الأول من مايو 1560. قدم المزارعون باقة منها للملك شارل التاسع الذي أعجب بها وراح يقدم باقات منها لعشيقاته. ومن قصر الملك انتشر التقليد بين العامة. وهو تقليد اعتمدته النقابات الفرنسية تيمناً بإعلان الأول من الشهر الخامس، عيداً للعمال في شيكاغو عام 1886. وبعد ثلاث سنوات تقرر أن يكون هذا اليوم عطلة رسمية مدفوعة الأجر في فرنسا، باسم «عيد العمال».
عند قيام الثورة الفرنسية، استبدلت بزهرة برية حمراء زنبقة الوادي. وغابت هذه الأخيرة من التداول لحين عودتها إلى المشهد الاجتماعي مع أواخر القرن التاسع عشر. وفي عام 1941. عند الاحتلال الألماني لفرنسا، قرر الجنرال بيتان أن تكون هذه الزهرة رمزاً لعيد العمال. وفي 2013. احتفل مزارعو غرب فرنسا بمرور 500 عام على استنبات هذه الأزهار التي تهدى للأهل والأصدقاء حاملة أمنيات السعادة واستمرار النشاط. ونظراً لأن الفرنسيين يتفاءلون بالرقم 13، خلافاً لباقي الشعوب، فإن هناك من يفضل اقتناء غصن يحتوي على 13 زهرة بالعدد. وإذا كان الشباب دون الأربعين هم عماد القوة العاملة، فإن دراسة فرنسية أكدت أن ثلاثة أرباع من يتهادون زنبقة الوادي، هم ممن تجاوزوا الخمسين.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».