منافسة سينمائية في مصر بين الكوميديا والأكشن

«واحد تاني» و«العنكبوت» و«أشباح أوروبا» الأبرز

فيلم «أشباح أوروبا» من بطولة هيفاء وهبي  -  الملصق الدعائي لفيلم «العنكبوت»  -  بوستر فيلم «واحد تاني»
فيلم «أشباح أوروبا» من بطولة هيفاء وهبي - الملصق الدعائي لفيلم «العنكبوت» - بوستر فيلم «واحد تاني»
TT

منافسة سينمائية في مصر بين الكوميديا والأكشن

فيلم «أشباح أوروبا» من بطولة هيفاء وهبي  -  الملصق الدعائي لفيلم «العنكبوت»  -  بوستر فيلم «واحد تاني»
فيلم «أشباح أوروبا» من بطولة هيفاء وهبي - الملصق الدعائي لفيلم «العنكبوت» - بوستر فيلم «واحد تاني»

لم يكد موسم رمضان الدرامي ينقضي، حتى بدأت أفلام عيد الفطر في التلويح لجمهورها معلنة عن بدء موسم سينمائي جديد، بعد عامين من الركود الذي عانى منه موسم أفلام العيد، بسبب الضوابط الاحترازية لمواجهة جائحة «كورونا» التي عانت منها دور العرض في كل مكان.
وبدأت الأفيشات والمقاطع الترويجية للأفلام المنافسة خلال الموسم الجديد بالتوالي، وكان في مقدمتها فيلم «واحد تاني»، الذي يعود به الفنان أحمد حلمي إلى السينما بعد آخر أفلامه «خيال مآتة» الذي عرض في عام 2019، ويشارك حلمي في بطولة «واحد تاني» سيد رجب، وعمرو عبد الجليل، وروبي، ونسرين أمين، وأحمد مالك، وهو من تأليف هيثم دبور، وإخراج محمد شاكر خضير، وتدور أحداث الفيلم حول موظف يلتقي في حفل مع زملاء الدراسة القدامى، ويكتشف خلال الحفل أنه فشل في تحقيق أي إنجاز مقارنة بزملائه، فيعيد التفكير في حياته من جديد.
وفي إطار الكوميديا أيضاً، يبحث نجوم «مسرح مصر»، وعلى رأسهم علي ربيع وحمدي الميرغني إلى جانب شيماء سيف عن ترك بصمة في الموسم عبر فيلم «زومبي»، من تأليف أمين جمال، ووليد أبو المجد، وإخراج عمرو صلاح.
في المقابل، ينافس فيلمان «أكشن» في الموسم نفسه، أولهما «العنكبوت» للفنان أحمد السقا والفنانة منى زكي، وتدور أحداث الفيلم في قالب يجمع بين الأكشن والرومانسية، وسط عالم تسوده عصابات المافيا، ويشاركهما البطولة الفنان التونسي ظافر العابدين، وهو من تأليف محمد ناير وإخراج أحمد نادر جلال. انتهى تصوير الفيلم في نهاية عام 2020، لكن تأجل طرحه في دور العرض أكثر من مرة بسبب التداعيات السلبية للجائحة على حجم الإيرادات.
وفي إطار «الأكشن» أيضاً، تدور أحداث فيلم «أشباح أوروبا»، بطولة هيفاء وهبي، وأحمد الفيشاوي، ومصطفى خاطر، وأروى جودة، وبيومي فؤاد، وهو من تأليف كريم فاروق، وإخراج محمد عبد الرحمن حماقي، وصوّر ما بين القاهرة وبلغاريا، وتجسد خلاله هيفاء وهبي شخصيتين لشقيقتين توأم، إحداهما تعيش في دولة أوروبية، في حين تعيش الأخرى في حارة شعبية مصرية.
ووفق الناقد الفني المصري محمد عدوي، فإن «وجود موسم سينمائي يضم نجوماً مثل أحمد حلمي وأحمد السقا وهيفاء وهبي، هو حدث مهم، يدعو للتفاؤل، فخلال الأعوام الماضية عانت السينما كثيراً بسبب إجراءات (كورونا) وما تبعها من تقليل نسبة الإشغال لقاعات العرض السينمائي إلى ربع كثافتها، الأمر الذي أدى إلى ابتعاد النجوم وتخوفهم من السينما، لكن بوادر فتح دور العرض بكثافة أكبر شجع جهات الإنتاج والنجوم هذا الموسم بشكل لافت».
وشهد موسم عيد الفطر السينمائي الماضي، تراجعاً حاداً في الإيرادات، وهو ما أرجعه منتجون وموزعون إلى قرار السلطات المصرية بإغلاق المولات والمحال التجارية ودور العرض السينمائية والمسرحية خلال فترة العيد، بعد التاسعة مساءً، لمواجهة تفشي «كورونا»، مع الالتزام بنسبة إشغال لا تزيد على 50 في المائة، ما تسبب في إيقاف دور العرض بأبرز حفلين وهما حفل التاسعة، ومنتصف الليل، اللذان كانا يحصدان نحو 70 في المائة من الإيرادات.
ويعد موسم أفلام العيد في حد ذاته، واحداً من أبرز مواسم إيرادات السينما بشكل عام، وطالما كان المنتجون يراهنون عليه لهذا السبب، فقد شهد موسم عيد الفطر السينمائي عام 2019، طفرة لافتة في حجم الإيرادات، فمع الأسبوع الأول من ذلك الموسم، حقق فيلم «كازابلانكا» بطولة أمير كرارة، نحو 37 مليون جنيه، وحقق فيلم «الممر» بطولة أحمد عز، مبلغ 20 مليون جنيه، وحقق فيلم «سبع البرمبة» لرامز جلال وجميلة عوض 15 مليون جنيه.
لذلك يتوقع محمد عدوي، أن يكون المستوى الفني للعام الحالي، محل اهتمام الجمهور والنقاد، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «من المتوقع أن يكون هناك إقبال على فيلم أحمد حلمي، الذي له علامات سينمائية مؤثرة من قبل، وكذلك فيلم أحمد السقا كنجم شباك له جمهوره، وكذلك هيفاء وهبي التي هي أمام أول اختبار سينمائي حقيقي لها».
ويضيف عدوي قائلاً: «إن التوزيع الخارجي وارتفاع عدد دور العرض السينمائي خارج مصر، لا سيما في دول كالسعودية، أسهم بشكل كبير في تغيير خريطة الإنتاج، وأصبح هذا التوزيع في حد ذاته دافعاً للصناعة، في وقت يتحمل المنتجون ضغوط الإنتاج في مواجهة منصات العرض الإلكترونية التي أصبحت منافساً كبيراً للسينما في شكلها التقليدي، الذي لا يزال له بريقه»، لافتاً إلى أن «الموسم الحالي يمكن اعتباره بالون اختبار حقيقي، لقياس شغف الجمهور بالعودة إلى السينما، بعد سيطرة المنصات، وانخفاض حجم الإقبال على دخول السينما منذ أزمة (كورونا)».
من جهتها، تراهن وزارة الثقافة المصرية على اجتذاب فئات اجتماعية لمشاهدة الأفلام السينمائية، عبر مشروع «سينما الشعب» الذي تتبناه الوزارة لتحقيق العدالة الثقافية والاستفادة من قصور الثقافة المنتشرة في أنحاء الجمهورية، في ظل عدم وجود دور عرض سينمائية في الكثير من المدن المصرية.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)