«كسر عضم»... نجاح كبير لا يخلو من الهفوة

دراما سورية جريئة جميع شخصياتها في خطر

أبطال مسلسل «كسر عضم»
أبطال مسلسل «كسر عضم»
TT

«كسر عضم»... نجاح كبير لا يخلو من الهفوة

أبطال مسلسل «كسر عضم»
أبطال مسلسل «كسر عضم»

لنقل كلمة حق، «كسر عضم» واحد من أنجح مسلسلات رمضان، رغم الأخذ والرد. جريء، صادم، صفعته تترك احمراراً على الوجه. لا تخشى أظفاره فقء الجرح وتنظيف اللحم الميت حوله. نضع جانباً الجدل المتعلق بـ«سرقة النص» وبيانات التوضيح والتصويب. درامياً، هذا عمل بنبرة عالية ورأس عنيد. شخصياته محاكاة للتفكك الاجتماعي، نسخة طبق الأصل عن وطن مُستباح، والقوي فيه يأكل لحم الضعيف وعظمه.
هؤلاء أمراء الحرب بأيديهم الملطّخة وأنيابهم المشبّعة بالدم، يركلون ضحاياهم كطابة مُسددة نحو المرمى، ويحصون الجماجم قبل النوم. سلطتهم امتداد لجبروت غذّته السنوات المشتعلة، حين كانت الحياة في فم المدافع. واستبدادهم يتوغّل ليطال المذنبين والأبرياء، مع تفوّق للفبركة واللفلفة ودسّ الرشاوى. رقعة شطرنج، يفرض الكبار وزراءهم على مربعاتها ولا يجد الهواة جندياً يعوّض الهزيمة أمام الخصم.
عندما تكون الكلمة للخراب، لا تعود الأرض مكاناً يصلح للبقاء. للمسلسل قدرة على تعرية الفظاعة وتركها مفضوحة على الملأ. الليل ليس لستر العيوب، بل ليمزّق الصوت غلاف الصمت. وللشخصيات خيار وحيد هو الوقوف في الوسط. مسافاتها الآمنة مُخدرة وحيزها الفردي مسحوق. يختبئ في داخلها احتراق يُفحّم صبر البؤساء وطول بالهم. شواء على امتداد الحلقات والموت من كل صوب، كغزارة المطر.


لقطة للشباب الباحث عن مستقبل في الأوطان الخائبة

المخرجة رشا شربتجي سيدة «الطبخة»، وإن خانتها بعض مكوّناتها. شيء يشبه التيه يتربص في الزوايا، والنجاح الكبير لا يخلو من الهفوة. كأن في النص (كتابة علي الصالح) فسحة خلفية لتلهو الثغر. إخراج مريضة بالإيدز حيّة من القبر بعد زجّها في براد الموتى، سقطة سوريالية. واتجاه بعض الشخصيات من ضفة إلى أخرى من دون ركوب المركب، يترك بلبلة حيال تركيبتها. فالأخت التي تقف بلا مقدمات أمام أخيها من أبيها، ولم يحدث أن تعارفا طوال سنوات، تؤكد نزعة العمل الجدلية ورغبته في خلق نقاش حول الخلطة الرهيبة بين الواقعية وشطحات الخيال.
أهلاً بكم في سوريا ما بعد الحرب حيث التصدّع يبلغ أقصاه والوحشية تُعدِم الإنسانية. تُنتج «كلاكيت» مسلسلاً تعرضه «أبوظبي» و«LBCI» وسواهما، غيومه سوداء وغربانه تحوم فوق رؤوس مُطعميها. حتى الذين يشكلون «بهجة» العمل ولحظاته الأكثر عفوية، الثلاثي «علاء» و«إيليا» و«سومر»، (حسن خليل، ويزن الريشاني ويوشع محمود)، مع سلاسة «شمس» (نادين تحسين بيك) وطيبتها، هم أيضاً في دوائر الخطر. شباب بلا مستقبل، بعضهم انطوائي وبعضهم مستعد لبيع قرنية عينه ليهاجر إلى أوروبا. خيباتهم بالجُملة، تضيق بهم الحياة حدّ حبس النَفَس.
وبحوارات بديعة (حصان المسلسل الرابح)، تُمسّ أوجاع الناس (فقر، جوع، انقطاع الكهرباء، تنازلات أخلاقية في الجامعة، السقوط الحر باتجاه الخطأ...) وتُحكى حكايا المتألمين و«تُعرّى» الأجهزة الأمنية، البطلة الأخرى من أبطال العمل، الممددة بدورها على مشرحة.


فايز قزق بشخصية «الحكم»

إن كان أكيداً تألق فايز قزق، وكرم الشعراني بشخصيتي «الحكم» ومساعده «هيثم»، واحتلالهما ثلاثة أرباع المشهد، فإنه مستغرب تحرك كاريس بشار الضئيل في المساحة المتبقية. دور «عبلة إسماعيل» مجرّد تقريباً من مبرراته الدرامية، عدا موقفها من اغتيال زوجها. يبالغ المسلسل في مدّها بالسلطة ومنحها التوغّل في فروع الأجهزة الأمنية. تخطط وتنفذ من منزلها وباستعمال هاتفها، ومن ثم يخفت تأثير الشخصية في الأحداث الكبرى. تليق بكاريس بشار غير أدوار.
تتجلى الجرأة بإظهار القبضة الأمنية على مفاصل الحياة وتسربها إلى باطن النفس. ولها ما تقوله عن عمليات التهريب وتجارة الأعضاء والمخدرات. يتألق المسلسل في مسؤوليته حيال هذا الشق، فيأتي الشق الآخر ليضعه في موقف ملتبس. تعاطيه مع مسألة التحرش لم يكن بحجم المُنتظر من عمل يرفع السقف، ولو صحّت تبريرات المخرجة المتعلقة بذكورية المجتمع وإلقائه اللوم على الفتاة. كدخوله في قضايا الفيديوهات الجنسية، وخياره انتحار الضحية بعد رفضها فرص نجاتها، وهو الطريق السهل. تكتمل قطع البازل الاجتماعي بطرح إشكالية جرائم الشرف، وللأمانة يُظهر فظاعتها، كإظهاره، في السياق، انسداد الأفق أمام العاملات في الدعارة، وعدم تشفّع الشهادات الجامعية في تغيير مصائرهن.
يحسم «الحكم» والرجل غير الموثوق به على الإطلاق، «هيثم»، جولات إبداعية كاملة لمصلحتهما، لتشاركهما شخصيات فرادة الأداء. بحجم مفاجأة، هي دفاتر «شمس» المفتوحة والمغلقة. شابة بصندوق أسود في داخلها، يطفو على غرقها. من ماضٍ مظلم وورطة جنسية استطاعت لملمتها، تؤكد استحالة العيش «السوي» بروح مقتولة وطفولة مضرّجة بالدماء. تحتوي نادين تحسين بيك تناقضات الشخصية الخارجة أحياناً على المنطق، وتحافظ عليها من احتمال عدم تصديقها. كاحتواء خالد القيش لشخصية الضابط «مروان الحافظ»، رغم تحميلها أبعاداً «سوبرمانية»، لكنه في دور يؤديه بالتزام ويعامله بجدّية.
شهية المقبرة مفتوحة، واللعاب يسيل من تربة متعطّشة للحم الحي. لم يجف بعد الدم النازف من الجثث المكدّسة، ولم تُضمّد جراح المُصابين بطلقة. البعض على قيد الحياة حتى إشعار آخر، ولا ضمانات على جودة العمر. تمر حوارات صادقة عن الأعمار الضائعة وكذبة الصمود حين يشتد الاختناق. رخص البني آدم واحد في الأوطان المذبوحة.


مقالات ذات صلة

قنوات مصرية تكتفي بعرض مسلسلات قديمة في موسم الصيف

يوميات الشرق بوستر مسلسل «جودر» (الشركة المنتجة)

قنوات مصرية تكتفي بعرض مسلسلات قديمة في موسم الصيف

اكتفت قنوات مصرية كثيرة بإعادة عرض مسلسلات قديمة في موسم الصيف الحالي، بعضها يعود إلى عام 2002، والبعض الآخر سبق تقديمه خلال الموسم الرمضاني الماضي.

رشا أحمد (القاهرة )
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد رزق (حسابه على إنستغرام)

أسرة «ضحية نجل أحمد رزق» لقبول «الدية الشرعية»

دخلت قضية «نجل الفنان المصري أحمد رزق» منعطفاً جديداً بوفاة الشاب علاء القاضي (عامل ديلفري) الذي صدمه نجل رزق خلال قيادته «السكوتر» نهاية مايو (أيار) الماضي.

أحمد عدلي (القاهرة)
يوميات الشرق كواليس مسلسل «عودة البارون» (فيسبوك المخرج)

غموض بشأن مصير مسلسلات مصرية توقف تصويرها

تواجه مسلسلات مصرية تم البدء بتصويرها خلال الأشهر الأخيرة مستقبلاً غامضاً بعد تعثّر إنتاجها وأزمات أخرى تخص أبطالها.

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق المسلسلات القصيرة تُعيد فرض حضورها على خريطة دراما مصر

المسلسلات القصيرة تُعيد فرض حضورها على خريطة دراما مصر

تفرض المسلسلات القصيرة وجودها مجدداً على الساحة الدرامية المصرية خلال موسم الصيف، بعدما أثبتت حضورها بقوّة في موسم الدراما الرمضانية الماضي.

داليا ماهر (القاهرة )
الوتر السادس صابرين تعود للغناء بعمل فني للأطفال (حسابها على {انستغرام})

صابرين لـ«الشرق الأوسط»: أشتاق للغناء

قالت الفنانة المصرية صابرين إنها تترقب «بشغف» عرض مسلسل «إقامة جبرية» الذي تشارك في بطولته، وكذلك فيلم «الملحد» الذي عدّته خطوة مهمة في مشوارها الفني.

انتصار دردير (القاهرة)

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
TT

«للموت 3»... مسلسل كل شيء

رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل
رندة كعدي بين ماغي بوغصن ودانييلا رحمة في لقطة من المسلسل

يدرك الجزء الثالث من مسلسل «للموت» أنّ الخطأ ممنوع، ومع ذلك تلقّفته أخطاء على شكل مبالغات. حوَّل تونس أرضاً لبنانية - سورية، وأعاد بطلتيه «سحر»، ماغي بوغصن، و«ريم»، دانييلا رحمة، إلى عالم المافيا بحجّة واهية بعد توبة لم تدم. وهو كرّر المحفوظ غيباً في المسلسلات المشتركة: فتيات ومخدرات ورجال وسلاح ودولارات مُسددة بعشرات الآلاف لارتكاب جرائم. ذلك يحاكي جانب «الأكشن» ويضمن اشتعال الأحداث. جانبه الآخر أشدّ واقعية؛ إنسانه يمكن تصديقه.
على الورق أن يضمن مكاناً في المنافسة الرمضانية، فالمسلسل يطلّ بعد موسمين قالا الكثير. تُوزّع كاتبته نادين جابر سطورها بين الحقيقة والخيال. تتجرأ في الطرح وتُجدّد المقاربة، باستعمال «حيل» تصطدم أحياناً بالهشاشة. لِمَ تونس والمطاردات السوريالية في شوارعها؟ أهكذا تعود البطلتان إلى بحيرة الدم؟ ماذا عن «القوى الخارقة» و«الحاسة السادسة»، فتكشفان (خصوصاً «سحر») المستور والمعلن، ويقع جميع الرجال في غرامهما!
إنها الدراما ولا مفرّ من توابل تُنكّه الطبخة. هنا، يخرج المسلسل من كونه «واقعياً» ويسبح حيث تتكاثر الحيتان. هذا الموسم، تدخل امرأة على الخط؛ ويكاد عنصر اللعب مع الرجال يعلن خواتيمه لولا رغبة «شفيق» (اللافت كميل سلامة) بالانتقام. هذه المرأة هي «كارما» (أداء متفوق لورد الخال)، فتضرب بيد من حديد وتمسك الزمام، إلى أن يطال شرّها ابنتها فتُذعن للمصير.

ورد الخال تتألق بشخصية «كارما» (لقطة من المسلسل)

لم تعد بوغصن ورحمة تقفان أمام كاميرا فيليب أسمر بكونهما ممثلتين. تستبدلان بكيانهما الشخصيتين وتتوهّجان فيهما. تقدّمانهما على طريقة ذوبان السكر في الماء لبلوغ المحلول الواحد المُحلّى. الثلاثية مع الخال تتألق.
عوامل قوة المسلسل (إنتاج «إيغل فيلمز»، «MTV» و«شاهد») تغلب ثغراته. فالنص مشغول لحبس الأنفاس، وإن مرّت حلقات باردة. الحوارات بعيدة عن السطح. وهناك أشعار تُقال على ألسنة الشخصيات، وأوجاع وحكم حياة. يحدث ذلك أمام عين مخرج ينتشل الجمال من أقصى القهر. كادراته ناطقة واختياره لـ«اللوكيشنات» خلّاق. أمامه، يعطي الممثلون الإحساس الصائب والـ«ريأكشن» المطلوب، فلا تتكاثر الدعسات الناقصة حول الأقدام. فيليب أسمر فنان المسلسل.
خطايا «كارما» المتوارثة عن الأب تصيب العائلة بأسرها. تمتلئ الشخصية بدوافع ارتكاب الشر، من دون مبرر يمنح سلوكها أسباباً تخفيفية. لكنها إنسان، والبشر خَطَأة. فإلى جانب السوء، تستطيع الحب ولفرط كثافته يصبح مَرضياً تجاه الرجل وشبه هوسي تجاه ابنتها بعد موت ابنها ضحية الأثمان المترتّبة على الصفقات.
يحرص مهيار خضور ويامن الحجلي عن الانفعال الموزون. الأول يجيد التردد ومراجعة الحسابات، ثم الخلاص بالحب. والآخر فنان في غضبه وألم الذاكرة، يقلّب صفحات مضيئة عنوانها حب العُمر. خلطُ أوراق يعيدهما إلى المعدن الطيب قبل توحّش الظروف، فيتحالفان على الجَمعة بعد قطيعة.
ذلك العالم الفانتازيّ ظلّ شاهداً على مشاعر صادقة وعطف لا مشروط. «سحر» و«ريم» جدليتان في كل حالاتهما؛ في خصامهما وصُلحهما. وَقْعٌ فريد في الدراما العربية، غير مفهوم إلا لأمهات لم ينجبن ولأوفياء هم عملة نادرة في زمن الغدر. عنوان المسلسل «للموت»، منبعه عاطفة لا يبررها إلا القادرون على العطاء.

ثنائي البطولة من سوريا يامن الحجلي (يمين) ومهيار خضور (لقطة من المسلسل)

المقلب الواقعي يبلغ جماله الإنساني في رندة كعدي بشخصية «حنان». العطف وأمومة العالم في العيون والملامح واللسان والقلب. لم يعد الحي فقيراً وهجرت أحوال ناسه الويلات؛ مع ذلك، تعتصره المعاناة حيث المال يصطدم بمنغّصات الحياة ودورة الزمن على البشر؛ فيؤدي أحمد الزين مشهداً بديعاً لرجل بلا ذاكرة، تآكل بالألزهايمر، وتقدّم كعدي أنبل دروس مواجهة السرطان بإرادة التغلّب عليه، وسط عويل ختام اللحام البارعة وتكاتف الأسرة رغم الامتحانات القاسية.
تُلقي نادين جابر على وسام صباغ بشخصية «محمود» قيمتين إنسانيتين يؤديهما بالدمع: إسقاط النظرة الذكورية حيال المرأة المطلّقة، وإعلاء صوت المواطن الشريف. ومن باب الانتخابات النيابية، يُبيّن المسلسل مدى تجذّر الفساد اللبناني وقدرة أزلامه على سحق الأنقياء.
مرة أخرى، تؤكد الكاتبة حق الأم بحضانة أطفالها وإنْ انحازت القوانين للأب. ورغم مسحة الكآبة الطافحة على وجه دوجا حيجازي، فقد قدّمت آلام الأمهات المنسلخات عن أولادهن بالظلم والقوة. يمرّر المسلسل رسائل نبيلة بصوت صريح حيناً وبرمزية فنية حيناً آخر. لا يكتفي بالتحوّل مسرحاً لغلبة المبالغة وسطوة البطولات؛ بل يتبنّى مواقف ويُذكّر بقضايا تمسّ الصميم، تستوجب التحديث وإعادة النظر.
ينطبق على المسلسل عدُّه مسلسلَ كل شيء، ففيه خليط يخاطب الجميع. يصبح أبطاله بعضاً من الناس، الجدد منهم والقدماء. ريان حركة بشخصية «لميس»، أداء عفوي منساب، اختزالها مؤثر لثمن الزواج المبكر وتطوّر أفكار الإنسان. كارول عبود بدور «سارية» القناع الترفيهي لنفس طمّاعة تجيد إمساك تفاصيلها. فادي أبي سمرا حالة خاصة؛ ومن تونس فاطمة بن سعيدان بشخصية «جاكو» بطعم العسل.
يكتمل الأداء الجماعي مع فايز قزق ومحمد عقيل وعلي منيمنة وسحر فوزي ورانيا عيسى وساشا دحدوح وعلي سكر وروزي الخولي ومنير شليطا وسلطان ديب وأوس وفائي ومارلين نعمان... مع خليل أبو عبيد والطفلة تالين بورجيلي بشخصية «خلود» المُحمّلة عذابات الكبار.