بعد 21 يوماً من العمل على مدار الساعة، افتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أمس (الأربعاء)، مسجد الإمام الحسين في وسط القاهرة، بعد الانتهاء من ترميمه وتطويره بتكلفة بلغت 150 مليون جنيه، (الدولار الأميركي يعادل 18.5 جنيه مصري)، ليستعيد المسجد الكائن في وسط القاهرة بريقه كأحد المزارات الدينية والسياحية في مصر.
وتفقد الرئيس المصري، يرافقه السلطان مفضل سيف الدين، سلطان طائفة البهرة في الهند، أعمال التجديد الشاملة للمسجد، بما في ذلك المقصورة الجديدة للضريح الشريف للإمام الحسين. وقال السفير بسام راضي، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، في بيان صحافي، إن «تطوير مسجد سيدنا الحسين يأتي في إطار توجيهات الرئيس بترميم وتجديد مقامات وأضرحة آل البيت، خصوصاً أضرحة سيدنا الحسين، والسيدة نفيسة، والسيدة زينب، وذلك بشكل متكامل يشمل الصالات الداخلية في المساجد وما بها من زخارف معمارية، وعلى نحو يتناغم مع الطابع التاريخي والروحاني للأضرحة والمقامات، وذلك جنباً إلى جنب مع التطوير الشامل للخدمات والمرافق المحيطة بمواقع الأضرحة، بما في ذلك الطرق والميادين والمداخل المؤدية لها، لتتكامل مع جهود الدولة في تطوير المواقع الأثرية بالقاهرة الفاطمية والتاريخية».
وبدأت أعمال تطوير مسجد الحسين في منتصف مارس (آذار) الماضي، حين أغلق المسجد، لبدء مشروع الترميم بموجب بروتوكول تعاون وقعه في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، مع وزارة الأوقاف، ونقابة الأشراف، ومشيخة الطرق الصوفية، ومؤسسة «مودة» لتطوير وتجميل مسجد الحسين، ينص على أن تسهم مؤسسة «مساجد»، بمبلغ 150 مليون جنيه في عملية التطوير.
وبدأ الرئيس المصري زيارته للمسجد أمس، بأداء ركعتي صلاة تحية للمسجد، ومن ثم تفقد والوفد المرافق له، ضريح الإمام الحسين، حيث قرأ الفاتحة، قبل أن يزور حجرة المقتنيات النبوية التي تضم خصلات من شعر النبي، ومكحلة الرسول عليه الصلاة والسلام وسيفه وعصاه، إضافة إلى مصحف كتبه الإمام علي بن أبي طالب بالخط الكوفي على جلد غزال، يتكون من 501 صفحة، ويزن 4.5 كيلوغرام، وهو مصحف غير منقوط وغير مشكل.
واستمع الرئيس إلى شرح من المسؤول عن ترميم المسجد جرى فيه التأكيد على أن «أعمال التطوير تمت في وقت قياسي، إذ استغرقت 21 يوماً، وشارك فيها 300 مرمم كانوا يعملون على مدار الساعة، وشملت أعمال ترميم الجدران، وتغيير الأجزاء التالفة، واختيار ألوان تتماشى مع الأعمدة الأثرية، وعمل دهانات للأسقف بإجمالي مساحة 4 آلاف متر، وتغيير شبكة الكهرباء ورفع كفاءتها، وتزويد المسجد بتكييف مركزي، وتنفيذ أعمال عزل حراري للأسطح، وتغيير الإضاءة وأنظمة الصوت، وتوسيع مصلى السيدات ليتسع إلى 450 سيدة بدلاً من 85 سيدة، وإضافة مساحة خارجية للمسجد تتسع لنحو3 آلاف مصلٍّ، مع بناء سور به 6 بوابات أفراد، و4 بوابات سيارات، وعمل قبلة للساحة الخارجية ومنبر لصلاة العيد أو المناسبات».
وأكد الرئيس السيسي أنه «لم يُمس بالأثر خلال أعمال التطوير»، وشدد على أن «جميع الأعمال تمت بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار»، وهو ما أكد عليه المشرف على أعمال التطوير في المسجد بقوله «لم ننفذ أي عمل إلا بالتنسيق مع الآثار، حتى القبة التي أثارت الجدل، فقد كان بها تكييف قديم بالفعل، ورفعت كفاءته، ورممت الأخشاب الموجودة في الضريح».
وأثار مشروع تطوير مسجد الحسين وترميمه جدلاً على مدار الأسابيع الماضية، وتداول آثاريون ومدافعون عن التراث صوراً من المشروع، على مواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبة بانتقادات لوضع تكييف في القبة، أو بناء سور حول المسجد، ومخاوف من أن «تمسّ هوية المسجد التاريخية»، إضافة إلى انتقادات لإغلاق المسجد قبيل شهر رمضان، لتتخذ وزارة الأوقاف قراراً بفتحه للصلاة مع بداية شهر رمضان الحالي.
وحول تاريخ مسجد الحسين، يقول الدكتور عبد الله كامل، أستاذ الآثار الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط»: «يشير التاريخ إلى أن رأس الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، نقلت من عسقلان إلى القاهرة في يوم 8 جمادى الآخرة سنة 548 هجرياً، 1153 ميلادياً، إذ حمل في سرداب إلى قصر الزمرد، ومن ثم دفن في قبة المشهد التي شيدت خصيصاً له سنة 549 هجرياً (1154 ميلادياً)، ولما ولي ملك مصر السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة 1171 م، أنشأ مدرسة بجوار هذا المشهد، وعهد بالإشراف عليها إلى الفقيه البهائي الدمشقي، وقد حل المسجد الحالي الذي يعرف بمسجد سيدنا الحسين محل تلك المدرسة، وقد عاين المشهد والمدرسة الأيوبية في بداية العصر الأيوبي الرحالة ابن جبير سنة (587هـ / 1182م) ووصفه وصفاً رائعاً».
ويضيف كامل قائلاً: «في عام 1235 بدأ أبو القاسم بن يحيى بن ناصر السكري، المعروف بالزرزور، بناء مئذنة على باب المشهد، أتمها ابنه سنة 1236، وهي المنارة الحافلة بالزخارف الجصية فوق الباب المعروف بالباب الأخضر، الذي يرجع إلى العصر الفاطمي»، مشيراً إلى أن «المسجد تم تجديده والعناية به على مدار التاريخ، ففي عهد الخديوي إسماعيل، بُني المسجد الحالي، واستغرق الأمر عشر سنوات، لينتهي العمل به عام 1873»، لافتاً إلى أنه «تمت زيادة مساحة المسجد في الخمسينات من القرن الماضي من 1550 متراً، إلى 1840 متراً».
وأشار المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية المصرية إلى «جهود سلطان البهرة المقدرة في ترميم وتجديد مقامات آل البيت وعدد من المساجد المصرية التاريخية، منها أضرحة السيدة نفيسة، والسيدة زينب، وسيدنا الحسين، وذلك فضلاً عن الأنشطة الخيرية الأخرى المتنوعة لطائفة البهرة في مصر، بالإضافة إلى دعم صندوق (تحيا مصر)».
وترتبط مصر بعلاقات تاريخية مع طائفة البهرة، وعلى مدار السنوات الماضية التقى الرئيس السيسي وسلطان البهرة أكثر من مرة، كان أولها في أغسطس (آب) 2014، حيث تبرع سلطان البهرة وقتها بمبلغ 10 ملايين جنيه لصندوق «تحيا مصر»، ثم في يوليو (تموز) 2019، حيث تبرع بمبلغ عشرة ملايين أخرى لصندوق «تحيا مصر»، وتكرر الأمر في العام التالي 2018، ليصبح إجمالي المبلغ الذي أسهمت الطائفة به في صندوق «تحيا مصر» نحو 30 مليون جنيه، حسب بيانات رئاسة الجمهورية.
مسجد الحسين التاريخي في حلة جديدة بعد ترميمات موسعة
ضمن مشروع شهد تطوير المنطقة المحيطة به
مسجد الحسين التاريخي في حلة جديدة بعد ترميمات موسعة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة