أوروبا تندد بـ«ابتزاز الغاز» وتسارع لتعويض المتضررين

رفضت الرضوخ لشرط موسكو الدفع بالروبل

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين
TT

أوروبا تندد بـ«ابتزاز الغاز» وتسارع لتعويض المتضررين

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين
رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين

لم تتردد رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون در لاين، أمس، في الخروج عن القاموس الدبلوماسي المعهود، واستخدمت عبارة «ابتزاز» لتصف القرار الروسي بقطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي كان استعد لمثل هذا الاحتمال بوضع خطة طوارئ وطنية للبلدان المتضررة، وتعهد من الدول الأعضاء بالتضامن معها.
وقال المسؤولون في المفوضية إن قرار موسكو يؤكد تصميم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام إمدادات الطاقة كوسيلة أخرى في حربه ضد أوكرانيا والدول التي تقدم لها الدعم للدفاع عن نفسها. ويخشى المسؤولون الأوروبيون أن هذا القرار الروسي ستليه قرارات أخرى مماثلة ضد الدول الأوروبية المعنية مباشرة بأنابيب الإمدادات الروسية، وذلك بهدف شق وحدة الصف الأوروبي التي بعد تراصها في الأسابيع الأولى من الحرب بدأت تظهر عليها بوادر التشقق مع اتجاه النزاع العسكري إلى حرب على الطاقة بين روسيا وأوروبا.
وكانت الذريعة التي لجأت إليها شركة «غازبروم» لقطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا هي امتناع هذين البلدين عن سداد فاتورة الطاقة بالعملة الروسية، وذلك بهدف الالتفاف على العقوبات المالية الأوروبية التي كانت سبباً رئيسياً مباشراً في خفض قيمة الروبل ومنع موسكو من التصرف بجزء كبير من احتياطياتها بالعملات الصعبة في الخارج.

ويذكر أن بلدان الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء في مجموعة الدول الصناعية السبع كانت رفضت الرضوخ للضغوط الروسية، واستمرت في سداد فواتير الطاقة الروسية باليورو أو الدولار الأميركي كما هو ملحوظ في العقود المبرمة مع غازبروم. وكانت موسكو عرضت، كبديل، فتح حساب بالروبل في مصرف غازبروم، الذي لم يخضع للعقوبات الغربية، لإيداع المدفوعات بالروبل مقابل إمدادات الطاقة. وفيما تؤكد أوساط المفوضية أنها لا تملك معلومات عن أي دولة في الاتحاد قبلت سداد فاتورة الطاقة الروسية بالروبل، تقول مصادر الشركة الروسية إن أربعة بلدان أعضاء في الاتحاد تجاوبت مع طلب موسكو، لكنها لم تكشف عن هويتها. وكانت النمسا، التي أشارت بعض الجهات أنها واحدة من هذه البلدان الأربعة، نفت الأنباء عن قبولها المطلب الروسي في تصريحات أمس للمستشار النمساوي كارل نيهامر، قال فيها: «قبل أن تنتشر الأنباء الكاذبة التي تروج لها البروباغاندا الروسية، أود التأكيد أن شركة الطاقة النمساوية OMV ستواصل سداد إمدادات الغاز الروسي باليورو».
وتجدر الإشارة إلى أن بولندا تعتمد على صادرات الغاز الروسي لسد احتياجاتها بنسبة 50 في المائة، فيما تعتمد عليها بلغاريا بنسبة 75 في المائة. وفيما أكدت أمس رئيسة المفوضية أورسولا فون در لاين أن الدول الأوروبية ستتصرف بتضامن تام مع الدول المتضررة جراء هذا التحدي الروسي الجديد، قال نائب وزير الخارجية البولندي إن بلاده لم تفاجأ بقرار قطع إمدادات الغاز الروسي، وإنها كانت تستعد لذلك منذ أكثر من عامين. وأضاف «تعرضنا للانتقاد من شركائنا في الاتحاد بسبب خطط تنويع مصادر إمدادات الطاقة، لكن تبين اليوم أننا كنا على صواب ونحن على استعداد لتقاسم خبرتنا مع الجيران».
وبعد ساعات من إعلان القرار الروسي بقطع إمدادات الغاز عن بولندا وبلغاريا، اجتمع أمس في بروكسل «فريق تنسيق الغاز» الأوروبي الذي يضم الهيئات الناظمة لقطاع الطاقة في بلدان الاتحاد الأوروبي، وممثلين عن القطاع الصناعي وجمعيات المستهلكين، بهدف توحيد الاستجابة إزاء التهديدات الروسية وتحديد سبل مساعدة الدول المتضررة من قرار قطع الإمدادات. وأفادت مصادر المفوضية بأن آلية التضامن بين البلدان الأعضاء أصبحت نافذة بعد ساعات من إعلان القرار الروسي، وأن كمية الغاز التي تصل بولندا من ألمانيا عبر أنبوب «يمال - أوروبا» تضاعفت خمس مرات أمس الأربعاء، فيما أعلنت الحكومة البولندية أن بوسعها تعويض الغاز الروسي بالاستيراد من النرويج والولايات المتحدة وقطر.
وتجدر الإشارة إلى أن المفوضية الأوروبية كانت حددت أواخر العام الماضي مجموعات الدول المرشحة للتعرض لصعوبات يمكن أن تنجم عن وقف إمدادات الطاقة أو خفضها، وجاءت بولندا وبلغاريا في طليعتها، تلتها النمسا وألمانيا وإيطاليا واليونان ورومانيا، بحيث إن هذه الأخيرة قد تكون المستهدفة في المرحلة الثانية من القرار المتوقع بقطع إمدادات الغاز الروسي. وصرحت وزيرة البيئة البولندية آنا موسكفا أن مخزون الغاز في بلادها يقارب 80 في المائة، وأنه لا توجد حاجة في الوقت الراهن للبحث عن مصادر أخرى للإمدادات، مشيرة إلى أن بولندا لن تعاني من نقص في الغاز، وأنه بإمكانها أيضاً الحصول على كميات إضافية من الأنابيب التي تمر في الجمهورية التشيكية وليتوانيا. من جهته، قال رئيس الوزراء البلغاري كيريل بتكوف إن القرار الروسي بقطع إمدادات الغاز هو «ابتزاز غير مقبول وانتهاك للعقود الموقعة»، مؤكداً أن بلاده «لن ترضخ لهذا الابتزاز».
وكان «فريق تنسيق الغاز» الأوروبي ناقش في اجتماعه الأخير نهاية الشهر الماضي التهديدات الناشئة عن طلب موسكو سداد فواتير الغاز بالروبل، وشدد على ضرورة الاستمرار في السداد باليورو أو الدولار الأميركي، لأن الرضوخ لمطلب موسكو يوازي تعديل العقد من طرف واحد من دون موافقة الطرف الآخر. ورغم أن الفريق كان سلم يومها بحتمية قرار القطع في حال استمرار المعارك وعدم الرضوخ لشروط موسكو، فضل عدم الإيحاء بذلك منعاً لارتفاع أسعار الطاقة الذي تستفيد منه روسيا.
وبات من المؤكد إثر هذا التطور الأخير أن «حرب الطاقة» بين روسيا وأوروبا تتجه إلى المزيد من التصعيد، بعد أن كان الطرفان يكتفيان حتى الآن بتوجيه الضربات لإيقاع أكبر ضرر ممكن لدى الطرف الآخر والتخفيف قدر الإمكان من الأضرار الذاتية. ويذكر أن ألمانيا كانت قررت تجميد أنبوب الغاز «نوردستريم 2» فور بداية الاجتياح الروسي، فيما حذرت روسيا من أنها قد تلجأ إلى وقف الإمدادات عبر «نوردستريم 1»، لكنها حتى الآن لم تفعل ذلك. وفي تحذير مباشر، دعا رئيس البرلمان الروسي «دوما»، أمس، إلى «قطع إمدادات الغاز عن البلدان التي رفضت الاستفادة من العرض الذي قدمه الرئيس فلاديمير بوتين».
وكان الاتحاد الأوروبي قرر مطلع هذا الشهر وقف جميع الواردات الروسية من الفحم الحجري التي توازي قيمتها 4 مليارات يورو سنوياً، وهي تدرس منذ فترة قراراً بفرض حظر جزئي وتدريجي على صادرات النفط الروسي ضمن الحزمة السادسة من العقوبات التي ما زالت موضع تجاذبات داخل النادي الأوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن صادرات النفط تشكل المورد الرئيسي بالعملات الصعبة لروسيا بمقدار 99 مليار يورو سنوياً. وتعارض عدة بلدان أوروبية، في طليعتها ألمانيا، حظر النفط الروسي خشية لجوء موسكو إلى الانتقام بقطع الغاز الذي تعتمد عليه العديد من الصناعات الأوروبية الكبرى.
ويميل الخبراء الأوروبيون إلى الاعتقاد بأن دوامة التصعيد بين الطرفين باتت محسومة، وأن قطع أواصر الطاقة بين أوروبا وروسيا سيحصل قبل الموعد المتوقع الذي كانت المفوضية الأوروبية حددته أواخر العام 2026. ويعتبر الخبير في شؤون الطاقة، ويليام كوبولز، القرار الروسي في جوهره ليس سوى تلاعب في السوق العالمية للغاز لرفع الأسعار، إذ إن العقود الآجلة الموقعة مع روسيا مربوطة بأسعار الغاز الطبيعي في السوق الهولندية المعتمدة مرجعاً تجارياً افتراضياً لهذه المادة. وكان سعر الغاز قد سجل ارتفاعاً أمس بنسبة 10 في المائة.


مقالات ذات صلة

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أوروبا جندي أوكراني على خط المواجهة مع القوات الروسية في منطقة دونيتسك (رويترز)

روسيا تسيطر على بلدات استراتيجية في شرق أوكرانيا

أعلنت روسيا، الأحد، أن قواتها سيطرت على بلدات في منطقتين رئيسيتين تقعان على خط الجبهة في شرق أوكرانيا، بينما يتقدم جيشها باتجاه مدينتين استراتيجيتين.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا أرشيفية لأحد مباني مدينة بيلغورود الروسية عقب استهدافها بمسيرة أوكرانية (إ.ب.أ)

 روسيا تعلن تدمير 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل

قالت وزارة الدفاع الروسية، اليوم (الأحد)، إن أنظمة الدفاع الجوي الروسية دمرت 15 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أميركا اللاتينية قوات روسية بمنطقة كورسك على الحدود مع أوكرانيا (أ.ب)

زيلينسكي: هناك مزيد من الجنود الكوريين الشماليين يقاتلون في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إن الجيش الروسي بدأ في نشر المزيد من الجنود الكوريين الشماليين خلال الهجمات على كورسك بالقرب من الحدود الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناته عبر «تلغرام»)

زيلينسكي يصدر تعليمات لإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه أصدر تعليمات لحكومته بإنشاء آليات لتوريد الغذاء إلى سوريا بالتعاون مع المنظمات الدولية في أعقاب سقوط نظام الأسد.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عربة عسكرية أوكرانية تحمل أسرى يرتدون الزي العسكري الروسي بالقرب من الحدود مع روسيا (أ.ف.ب) play-circle 00:45

زيلينسكي: روسيا تنشر مزيداً من القوات الكورية الشمالية في كورسك

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، السبت، إن موسكو بدأت إشراك «عدد ملحوظ» من القوات الكورية الشمالية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
TT

14 قتيلاً على الأقل جراء إعصار في أرخبيل مايوت الفرنسي (صور)

تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)
تلة مدمَّرة في إقليم مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي (أ.ب)

سقط ما لا يقل عن 14 قتيلاً في أرخبيل مايوت الفرنسي بالمحيط الهندي الذي ضربه السبت إعصار شيدو القوي جداً، على ما أظهرت حصيلة مؤقتة حصلت عليها «وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (الأحد) من مصدر أمني.

صور التقطتها الأقمار الصناعية للمعهد التعاوني لأبحاث الغلاف الجوي (CIRA) في جامعة ولاية كولورادو ترصد الإعصار شيدو فوق مايوت غرب مدغشقر وشرق موزمبيق (أ.ف.ب)

وقال عبد الواحد سومايلا، رئيس بلدية مامودزو، كبرى مدن الأرخبيل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن 9 أشخاص أصيبوا بجروح خطرة جداً، ونقلوا إلى مركز مايوت الاستشفائي، في حين أن 246 إصابتهم متوسطة.

الأضرار التي سبَّبها الإعصار شيدو في إقليم مايوت الفرنسي (رويترز)

وترافق الإعصار مع رياح زادت سرعتها على 220 كيلومتراً في الساعة. وكان شيدو الإعصار الأعنف الذي يضرب مايوت منذ أكثر من 90 عاماً؛ حسب مصلحة الأرصاد الجوية الفرنسية (فرنس- ميتيو).

آثار الدمار التي خلفها الإعصار (أ.ف.ب)

وضربت رياح عاتية جداً الأرخبيل، ما أدى إلى اقتلاع أعمدة كهرباء وأشجار وأسقف منازل. ويقيم ثلث سكان الأرخبيل في مساكن هشة.