افتتاح باذخ لمهرجان «كناوة».. ومزج موسيقي بين فنانين من 3 قارات

الدورة 18.. برمجة حفلات موسيقية ومنتدى للنقاش وسط حضور جماهيري متنوع

جانب من العروض التي ميزت افتتاح الدورة 18 لـ«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» («الشرق الأوسط»)
جانب من العروض التي ميزت افتتاح الدورة 18 لـ«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» («الشرق الأوسط»)
TT

افتتاح باذخ لمهرجان «كناوة».. ومزج موسيقي بين فنانين من 3 قارات

جانب من العروض التي ميزت افتتاح الدورة 18 لـ«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» («الشرق الأوسط»)
جانب من العروض التي ميزت افتتاح الدورة 18 لـ«مهرجان كناوة وموسيقى العالم» («الشرق الأوسط»)

أكد برنامج اليوم الأول من فعاليات الدورة 18 لمهرجان كناوة وموسيقى العالم»، الذي تحتضنه مدينة الصويرة منذ 1998، أهمية المزج الموسيقي والإقامات الفنية بين فنانين قادمين من مختلف قارات العالم تحت سماء المدينة المغربية.
وانطلقت الفرجة الفنية الافتتاحية للتظاهرة، أول من أمس، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، لتتواصل على مدى أربعة أيام، من منصة مولاي الحسن، بحفل موسيقي على شكل إقامة فنية بين المعلم المغربي حميد القصري والفنان الأفغاني هومايون خان، تلتها ثلاث حفلات، مع كل من المعلم المغربي مختار غينيا، والمعلم المغربي مصطفى باقبو والفنان الدنماركي ميكيل نوردسو باند، والمعلم المغربي عبد الكبير مرشان، قبل أن تتواصل السهرة بـدار الصويري مع «عيساوة الصويرة» والمعلم عبد النبي الكداري.
وتحدث أندري أزولاي، مستشار العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس المؤسس لـ«جمعية الصويرة موكادور»، في سياق تعليقه على هذا المزج الموسيقي بين فنانين قادمين من أطراف متباعدة من العالم، عن «جمال وسحر وقوة ونبل الموسيقى، التي تبقى تمرينا بأبعاد متعددة تحيلنا على ما يجري في عدد من مناطق العالم، كما أن هذا الجمع بين فنانين من الدنمارك وأفغانستان والمغرب تحت سماء الصويرة، خلال حفل الافتتاح، يبقى شيئا رائعا، ويؤكد أن الكونية هي مواطنتنا الحقة».
وكما هي العادة، جاب الموكب الاستعراضي، الذي سبق حفل الافتتاح الرسمي والفني للتظاهرة، مختلف أرجاء المدينة العتيقة، منطلقا من باب دكالة، وصولا إلى ساحة مولاي الحسن، وسط متابعة جماهيرية لافتة، ضمت حضورا من مختلف الأعمار واللغات، من سكان المدينة ومن زوارها المغاربة والأجانب، تقدمته شخصيات من عوالم السياسة والاقتصاد والمال والأعمال والثقافة والفن، بينهم أزولاي، وسفراء الولايات المتحدة وفنلندا والدنمارك وبولندا وباكستان، فضلا عن عدد من المسؤولين المحليين والمنتخبين، ومن ضيوف التظاهرة.
وغصت ساحة مولاي الحسن، خلال أول أيام المهرجان، بجمهور أكد وفاءه لروح المهرجان وتعلقه بموسيقى «كناوة». ويحسب لـمهرجان «كناوة»، تفرده في الجمع بين جمهور متعدد الطبقات واللغات والأعراق والديانات والاختيارات السياسية، حيث يتماهى مع أجوائه الوزراء والسفراء ورجال المال والأعمال والعاطلون عن العمل والطلبة والأطفال والآباء والأمهات، فيما تبقى غالبية هذا الجمهور من الشباب الحالم، الذي يتميز بلباسه وتسريحة شعره الخاصة، وفي أغلب الأحيان بضفائر طويلة وحقائب صغيرة، كما لو أنها بيوت متنقلة، يضعونها على ظهورهم، معطين الانطباع، وهم يذرعون الأزقة والساحات، كما لو أنهم في رحلة لا تنتهي للبحث عن شيء ما في مكان ما. وأكد برنامج الدورة نجاح المنظمين في جمع متعة موسيقى «كناوة»، التي تتوزعها خمسة فضاءات للعرض، بفضيلة النقاش والحوار الثقافي من خلال منتدى المهرجان.
وتعرف الدورة مشاركة 300 فنان و24 مثقفا من 9 دول، بـ4 قارات، تتوزعهم فقرات البرنامج الموسيقي وفعاليات المنتدى، فضلا عن «شجرة الكلمات»، التي انطلقت في 2006. وتهدف إلى التعريف بالتقاليد «الكناوية»، وإبراز المواهب الجديدة في هذه الموسيقى؛ علاوة على معارض الفنون التشكيلية والفوتوغرافية المبرمجة بعدد من أروقة العرض بالمدينة.
ولأن التظاهرة اختارت أن تقترح نفسها فضاء للنقاش والتداول بشأن عدد من القضايا التي تهم المحيط الإقليمي والقاري والدولي، فقد انطلقت، أمس، فعاليات منتدى المهرجان، الذي يتمحور، في دورته الرابعة، حول موضوع «أفريقيا المستقبل.. نساء أفريقيا: الإبداع والاستثمار»، وذلك بتنسيق مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بمشاركة أكاديميين وأنثروبولوجيين وسياسيين وفاعلين جمعويين وفنانين وصحافيين وكتاباً مغاربة وأجانب، يناقشون أربعة محاور: «الأسرة في تطور» و«النساء والإبداع» خلال اليوم الأول، على أن يخصص اليوم الثاني لمحوري «البروز المهني الجديد للنساء» و«النساء والسياسة».
وتهدف دورة هذه السنة من المنتدى، حسب نائلة التازي، مديرة ومنتجة التظاهرة، إلى تقديم توضيحات عن الدور الرئيسي الذي تضطلع به النساء في تحول القارة الأفريقية.
يشار إلى أن مهرجان «كناوة» تطور كثيراً، على مدى دوراته السابقة، ليصير موروثا وطنيا، مبرهناً على حيوية موسيقى «كناوة»، ضمن المشهد الثقافي المغربي والدولي، الشيء الذي مكنه من أن يرتقي إلى مستوى أكبر مهرجانات الموسيقى عبر العالم، حيث يعتبر المهرجان المغاربي والأفريقي الأول الذي انضم إلى الشبكة الدولية للمهرجانات الموسيقية، التي تضم 24 مهرجانا تحظى باستقلالية فنية، وتمثل 7 دول من أوروبا وأفريقيا وأميركا الشمالية، وهي شبكة تسعى إلى تعزيز المبادلات وتبادل الخبرات في مجال التنظيم والإبداع الفني والتنمية، ودراسة تطور قطاع المهرجانات وتمثيله داخل الهيئات المهنية.
وترى التازي أن «رد الاعتبار لتاريخ «كناوة»، وتسليط الضوء على مهاراتهم الفنية، يبقى من الأسباب الرئيسية لوجود هذا المهرجان»، الذي يساهم في «التنمية الاقتصادية للصويرة والإدماج الاجتماعي عبر الثقافة»، فضلا عن «تحقيق تواصل قوي يحمل رسائل السلام والتعايش والانفتاح على الآخر».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».