إسرائيل تبقي «التأهب» وعينها على الأسبوع الأخير من رمضان

أوساط الجيش توصي بإعادة فتح معبر بيت حانون مع غزة

رئيس الوزراء محمد أشتية خلال لقائه جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين (وفا)
رئيس الوزراء محمد أشتية خلال لقائه جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين (وفا)
TT

إسرائيل تبقي «التأهب» وعينها على الأسبوع الأخير من رمضان

رئيس الوزراء محمد أشتية خلال لقائه جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين (وفا)
رئيس الوزراء محمد أشتية خلال لقائه جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين (وفا)

قررت إسرائيل مواصلة العمل في حالة التأهب التي كانت أعلنتها بعد سلسلة عمليات في الداخل، بما في ذلك استمرار انتشار القوات داخل إسرائيل، ومواصلة العمل على طول خط التماس الذي يفصل إسرائيل عن الضفة الغربية، والإبقاء على حالة التأهب الدفاعي، ومراقبة التطورات من جانب قطاع غزة.
وجاء القرار الإسرائيلي رغم حالة الهدوء النسبي التي تشهدها الأراضي الفلسطينية هذه الأيام، لكن مع وجود تقديرات بأن الأسبوع الأخير في رمضان سيكون حاسماً لجهة التصعيد أو هدوء آخر طويل. وقال مسؤول أمني إسرائيلي، إنه «ليس في الوارد تسريح القوات التعزيزية قبل نهاية شهر رمضان. وبعد ذلك سيكون هناك تقييم للوضع». وأضاف: «منذ العملية الهجومية التي وقعت في تل أبيب، تعمل الفرق الهندسية العاملة تحت القيادة المركزية على سد المزيد من الثغرات في الجدار الفاصل التي استغلها أبناء الضفة للعبور إلى داخل إسرائيل، بعضهم للعمل والبعض لتنفيذ عمليات عدائية خطيرة، كما تمت إضافة عوامل أمنية مساعدة على خط التماس، بالإضافة إلى إقامة عوائق أمام مرور السيارات».
وحتى الأمس، نشر الجيش الإسرائيلي 1400 جندي في جميع أنحاء إسرائيل في مهمات مساعدة للشرطة وشرطة حرس الحدود، كما تم تعزيز 12 كتيبة للفرقة المعينة في مناطق الضفة الغربية وخط التماس، فيما من المتوقع تجنيد وحدات احتياط لاستبدال جنود الخدمة الإلزامية الذين يقومون بنشاطات الحراسة. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤولين، أن التأهب سيستمر غالباً لما بعد رمضان، مع قرب إحياء إسرائيل ذكرى قيامها، وهو اليوم الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى النكبة منتصف الشهر المقبل.
وتأمل إسرائيل بالمحافظة على مستوى الهدوء الذي شهدته الأراضي الفلسطينية، أمس، إذ مر اليوم بلا أي اشتباكات في القدس أو الضفة وفي غزة، ولذلك أوصى الجيش الإسرائيلي بإعادة فتح معبر بين حانون (إيرز) مع غزة الذي أغلقته إسرائيل رداً على استمرار «تنقيط» الصواريخ. وقالت صحيفة «هآرتس» العبرية، الأحد، إن أوساط الجيش تؤيد إعادة فتح معبر بيت حانون (إيرز) في أسرع وقت ممكن خشية من تصاعد التوتر الأمني. وأوصى الجيش بذلك للمستوى السياسي الذي بيده القرار الآن.
وكانت إسرائيل أغلقت المعبر الوحيد المفتوح لمرور العمال والتجار الغزيين إلى إسرائيل، كعقاب اقتصادي بدل العسكري رداً على استمرار إطلاق الصواريخ من غزة.
وإعادة العمال الغزيين للعمل في إسرائيل، خطوة ترى الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنها تشتري من خلالها الهدوء إلى جانب إدخال المنحة المالية القطرية إلى القطاع. وقال مسؤول أمني إسرائيلي لـ«هآرتس»، إن «الفلسطينيين الذين يعملون في إسرائيل يتقاضون أجراً مرتفعاً نسبياً قياساً بالأجور في القطاع، وهذا يشكل عامل استقرار، وهو أمر ذو مغزى كبير بالنسبة للهدوء». وأضاف المسؤول، أن الأسبوع الحالي سيكون حاسماً فما يتعلق بالوضع الأمني، استناداً على تقديرات بأن «حماس» ستحاول في الأسبوع الأخير من شهر رمضان، دفع الفلسطينيين في الضفة والقدس إلى المواجهة، في الوقت الذي تقول فيه إنها ليست معنية بتصعيد من القطاع.
وتلقت إسرائيل في الأسابيع القليلة الماضية، عدة رسائل من «حماس» بوسائل مختلفة بأنها ليست معنية بالتصعيد، وأنها تعمل من أجل وقف إطلاق القذائف الصاروخية من قطاع غزة باتجاه إسرائيل. وحسب تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي، فإنه في حال مر الأسبوع الحالي بهدوء، خصوصاً في الحرم القدسي، فإنه بالإمكان تهدئة الوضع الأمني.
لكن في الوقت الذي تقول فيه إسرائيل إن إجراءاتها تتعلق بالوضع الأمني فقط، يقول الفلسطينيون إنها تلجأ للتصعيد لأنها لا تريد حلاً سياسياً. وقال رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتية، إن الإجراءات الإسرائيلية على الأرض والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية والتوسع الاستيطاني وتفتيت الجغرافيا والتقسيمات الجائرة، هي بهدف حجب ومنع وتعطيل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وضرب حل الدولتين. وأضاف خلال كلمته في لقاء مع جمعية رجال الأعمال الفلسطينيين في رام الله: «الحكومة في إسرائيل لا تريد حل الدولتين ولا حل الدولة الواحدة، الذي تريده هو الحفاظ على الأمر الواقع الذي هو متدهور بشكل يومي من كافة الإجراءات الإسرائيلية».
كان أشتية يرد على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بنيت الأخيرة، التي قال فيها إن فلسطين ليست أرضاً محتلة، وإنما أرض متنازع عليها. وقال «ردنا عليه بأن فلسطين للفلسطينيين، وهذه الأرض المحتلة سوف تتحرر، فالحق التاريخي هو لنا والقدس هي لنا وفلسطين لنا». وأردف أن «العالم يكيل بمكيالين، فهو يرى في أوكرانيا بطولة وفي فلسطين إرهاباً، لا يجيز احتلال أوكرانيا ولكنه يجيز احتلال فلسطين منذ 74 عاماً، هذا العالم لا يرى إلا لغة المصالح ولغة الأقوياء».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.