شهران على بدء حرب «غيّرت العالم»

روسيا تتقدم ببطء نحو أهدافها... وأوكرانيا تتسلح وتقاوم

جندي روسي يقوم بدورية بأحد شوارع ماريوبول في 12 أبريل (أ.ف.ب)
جندي روسي يقوم بدورية بأحد شوارع ماريوبول في 12 أبريل (أ.ف.ب)
TT

شهران على بدء حرب «غيّرت العالم»

جندي روسي يقوم بدورية بأحد شوارع ماريوبول في 12 أبريل (أ.ف.ب)
جندي روسي يقوم بدورية بأحد شوارع ماريوبول في 12 أبريل (أ.ف.ب)

عندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين في وقت مبكر من صباح 24 فبراير (شباط) الماضي، إطلاق «العملية العسكرية الخاصة لحماية دونباس»، بعد خطاب مطول جدا، مزج فيه بين التاريخ والحاضر وتطلعات المستقبل، لم يكن الروس يظنون أن بلادهم فتحت في تلك اللحظة أبواب حرب شاملة متعددة المستويات والأوجه، ومفتوحة في توقعات سقفها الزمني.
كان كثير من المواطنين الروس يظن أن بلاده ذهبت نحو حرب سريعة ومضمونة لتحقيق أهداف محددة، مثلما حدث مع حرب جورجيا في 2008، بينما كانت الترجيحات حتى عند المستويين العسكري والدبلوماسي، تتراوح بين نصر خاطف لا يحتاج سوى 3 أو 4 أيام، كما قال سياسي روسي في جلسة مغلقة جمعته مع دبلوماسيين أجانب في بداية الحرب، أو أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع على أبعد تقدير، وفقا لتكهنات محللين عسكريين في ذلك الوقت.
فكرة «النصر الخاطف» استندت إلى قناعة بأن معنويات الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي القادم إلى السياسة من عالم العروض الهزلية، سوف تنهار سريعا أمام ضخامة الهجوم الروسي من أربعة محاور. شمالا من بيلاروسيا ومن جهة الغرب برا، وجنوبا من شبه جزيرة القرم ومن البحر. كان يمكن لفرار زيلينسكي بعد تلقيه عروضا غربية بتوفير ممر آمن له ولأفراد عائلته، أن يوفر مجالا لانهيار أركان قيادته والدفاعات الأوكرانية كلها في المدن الكبرى. لكن هذا السيناريو لم يتحقق.
بعد ذلك، بدأت موسكو تتحدث عن استمرار العمليات العسكرية «حتى إنجاز الأهداف الموضوعة» التي تمثلت، كما أعلنها بوتين، في نزع سلاح أوكرانيا وتقويض «النازية» فيها، وضمان أمن سكان دونباس، وإجبار أوكرانيا على التزام الحياد العسكري.
هنا، بدأت أوساط عسكرية تتحدث عن فترة أسابيع معدودة لإنهاء المهمة. كانت البيانات العسكرية الرسمية بعد مرور أسبوعين على بدء الحرب تتحدث عن تقويض قدرات الدفاع الأوكرانية والسيطرة المطلقة على الجو، وتدمير كل ترسانة كييف من الصواريخ والطائرات الحربية. في هذا الوقت كانت المدن الأوكرانية الكبرى كلها في شمال ووسط وجنوب البلاد، تقع تحت حصار محكم، وبات الحديث يدور عن أن سقوط كييف غدا «مسألة وقت».
احتاجت موسكو فترة شهر كامل، لتدرك أن حصيلة العمليات الجارية جاءت مخالفة لهوى الكرملين. إذ فشل الضغط العسكري في تسهيل تقدم أرتال الدبابات نحو خاركيف، التي تكاد تكون قد دُمرت بالكامل، استعصت مدن عديدة أبرزها إيزيوم وسومي ونيكولايف وصمدت زاباروجيا برغم السيطرة على مواقع مهمة فيها مثل محطة «تشيرنوبل» النووية. كما أن كييف سرعان ما تحولت إلى شن هجمات مضادة موجعة في بعض الأحيان.
اتضح أن الجيش الروسي لم ينجح في فرض سيطرة مطلقة، إلا في مدينة واحدة هي خيرسون شمال شبه جزيرة القرم. كما أن مساحة التقدم في إقليمي لوغانسك ودونيتسك التي حملت العمليات العسكرية اسمهما بدت أقل من التوقعات، إذ نجحت روسيا في السيطرة على 90 في المائة من دونيتسك و55 في المائة فقط من لوغانسك. دفعت تلك الحصيلة الكرملين بعد ظهور «بوادر إيجابية» في مسار المفاوضات، إلى إعلان وقف نشاطه العسكري حول المدن الكبرى والانسحاب من محيطها، مُركزا جهده في مناطق الشرق والجنوب.
كانت تلك «بادرة حسن نية»، كما وصفها الوزير سيرغي لافروف لتشجيع المفاوضين الأوكرانيين على التقدم أكثر في النقاشات الجارية. بدا عند هذا المنعطف أن الكرملين أعاد ترتيب أولوياته وخططه، وأجرى تعديلات مهمة على أسلوب إدارة العمليات، وعين قائدا جديدا للعملية العسكرية هو الجنرال ألكسندر دفورنيكوف الذي راكم خبرات قتالية مهمة في سوريا سابقا. هذه الترتيبات سرعان ما اتضح مسارها بعد ذلك، مع إطلاق «المرحلة الثانية» من العملية العسكرية في 19 أبريل (نيسان) التي حملت عنوان «معركة دونباس». لم تُخف موسكو أهدافها في هذه المرحلة، فالمطلوب «إحكام السيطرة على دونباس وفقا للحدود الإدارية قبل حرب 2014»، وهذا يعني ضعفي مساحة الإقليمين اللذين اعترفت موسكو باستقلالهما قبل شن الحرب مباشرة. المطلوب أيضا حرمان أوكرانيا من مرافئها الجنوبية على بحر آزوف والبحر الأسود والسيطرة على قدرات صناعية هائلة. بعبارة أخرى، فإن هذا يعني فرض السيطرة على مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، والتحضير عمليا لتقسيم البلد إلى شطرين.
ووفقا لجنرال روسي بارز، هناك هدف آخر يتمثل في الوصول برا إلى إقليم بريدنوستروفيه الانفصالي في مولدافيا. وهذا يعني إحكام السيطرة على أوديسا المحاذية له في جنوب غربي أوكرانيا، ما يفتح على مخاوف من توسيع المعركة في وقت لاحق عبر التقدم نحو الإقليم الانفصالي الذي لا يخفي، كما دونباس، رغبته في الانضمام إلى روسيا.
ومنذ انطلاق «معركة دونباس»، بدا أن موسكو سرعت من وتائر تقدمها، خصوصا مع إعلان السيطرة على ماريوبول جنوبا بعد مرور خمسين يوما على حصارها المحكم. كما أن الضغط العسكري القوي في لوغانسك سمح بتقدم مهم في محيطها رغم استمرار المواجهات الضارية.
يستعد الروس، لإعلان نصر كبير مع حلول ذكرى النصر على النازية، في التاسع من مايو (أيار) المقبل، وهو العيد الذي يحظى بمكانة خاصة عند الروس. لذلك تدور ترجيحات حول الأهمية التي يوليها الكرملين لإنجاز المهام الموضوعة قبل حلول ذلك الموعد، مهما كان الثمن المدفوع. ومع الحرب على الأرض الأوكرانية، تبدو الحصيلة السياسية والاقتصادية للكرملين فادحة بعد مرور شهرين على انطلاق العمليات العسكرية. إذ واجهت روسيا «حربا اقتصادية» غير مسبوقة في التاريخ لجهة ضخامة العقوبات والقيود المفروضة من جانب الغرب. وانسحبت آلاف الشركات العالمية من السوق الروسية. وبدأت روسيا تستعد للتعايش مع واقع جديد قد يطول أمده كثيرا بعد وقف المعارك.
كما واجهت «حربا دبلوماسية» غير مسبوقة أيضا. وخلال شهرين، تم طرد مئات الدبلوماسيين الروس من عواصم غربية وأخرى داعمة للغرب، وتقليص قنوات الحوار مع الجزء الأكبر من العالم.
في هذه الأثناء، سرعت البلدان الغربية عمليات تعويض أوكرانيا عن قدراتها العسكرية المدمرة، وتعزيز مجالات صمودها ومحاولة تغيير معدلات الكرملين وتوقعاته من الحرب. شهران على الحرب في أوكرانيا، وما زالت الآفاق مفتوحة أمام احتمالات عدة، روسيا ما زالت تتقدم ببطء. وما زال الغرب يعد الكرملين بمحاولة حرمانه من تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية للحرب التي قلبت موازين كثيرة في العالم.


مقالات ذات صلة

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

أوروبا جندي روسي يطلق طائرة مسيرة صغيرة خلال المعارك في أوكرانيا (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

تقرير: روسيا ابتكرت مسيرة «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة

قالت صحيفة «تلغراف» البريطانية إن روسيا ابتكرت طائرة من دون طيار «غير قابلة للتشويش» تشبه الهاتف اللعبة تغير مسار الحرب في أوكرانيا.

أوروبا وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن (أ.ب)

أوستن يطالب حلفاء أوكرانيا بـ«ألّا يضعفوا»

طالب وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن الخميس التحالف الدولي الذي يقدّم دعماً عسكرياً لأوكرانيا بـ«ألّا يضعف»، في وقت تخشى فيه كييف من أن تفقد دعم بلاده الأساسي.

أوروبا جندي أوكراني يقود مركبة أرضية مسيرة إلكترونياً خلال معرض للمعدات العسكرية والأسلحة (رويترز)

بريطانيا: تحالف دولي سيرسل 30 ألف مسيّرة لأوكرانيا

أعلنت وزارة الدفاع البريطانية، الخميس، أن تحالفاً دولياً تقوده بريطانيا ولاتفيا لإمداد أوكرانيا بمسيّرات سيرسل 30 ألف مسيّرة جديدة إلى كييف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا رجال الإطفاء يعملون في موقع مبنى إداري تضرر جراء الغارات الجوية والصاروخية الروسية في زابوريجيا (رويترز) play-circle 00:36

13 قتيلاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 13 شخصاً اليوم (الأربعاء) في ضربة روسية على مدينة زابوريجيا الأوكرانية، وفق ما أعلن حاكم المنطقة، في حصيلة تعد من الأعلى منذ أسابيع لضربة جوية واحدة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الخليج الأمير محمد بن سلمان والرئيس فولوديمير زيلينسكي (الخارجية السعودية)

محمد بن سلمان وزيلينسكي يبحثان جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية

بحث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، جهود حل الأزمة الأوكرانية - الروسية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟