دارا «كريستيز» و«سوذبيز» تحققان أفضل مبيعات لفن ما بعد الحرب والمعاصر

مبيعاتهما وصلت لمليار دولار وشملت لوحات وألماسة وردية ولآلئ وياقوتة بلون «دم الحمام»

مزادات دار «سوذبيز» في جنيف (أ.ف.ب)  -  لوحة لروي ليكتنشتاين بعنوان «الخاتم - الخطبة» (أ.ب)  -  خاتم من الماس الوردي في معرض «سوذبيز» (أ.ب)
مزادات دار «سوذبيز» في جنيف (أ.ف.ب) - لوحة لروي ليكتنشتاين بعنوان «الخاتم - الخطبة» (أ.ب) - خاتم من الماس الوردي في معرض «سوذبيز» (أ.ب)
TT

دارا «كريستيز» و«سوذبيز» تحققان أفضل مبيعات لفن ما بعد الحرب والمعاصر

مزادات دار «سوذبيز» في جنيف (أ.ف.ب)  -  لوحة لروي ليكتنشتاين بعنوان «الخاتم - الخطبة» (أ.ب)  -  خاتم من الماس الوردي في معرض «سوذبيز» (أ.ب)
مزادات دار «سوذبيز» في جنيف (أ.ف.ب) - لوحة لروي ليكتنشتاين بعنوان «الخاتم - الخطبة» (أ.ب) - خاتم من الماس الوردي في معرض «سوذبيز» (أ.ب)

بيعت لوحة للفنان الروسي مارك روثكو مقابل 81.9 مليون دولار، أول من أمس الأربعاء، لتقود مزاد دار «كريستيز» الذي حقق مبيعات بلغت إجمالا 658.5 مليون دولار، مسجلا أرقاما قياسية لأعمال عدة فنانين. وتجاوز ثمن لوحة روثكو «رقم عشرة» تقديرات ما قبل المزاد والتي كانت وصلت إلى 45 مليون دولار، حسب «رويترز».
واقتربت مبيعات 82 عملا بالمزاد الذي خصص لفن ما بعد الحرب والفن المعاصر تقديرات سبقت المزاد، وبلغت 687 مليون دولار. ولم يتبق دون بيع سوى 12 في المائة من الأعمال المعروضة. وكانت هذه ثاني أكبر مبيعات في هذا الأسبوع لدار مزادات «كريستيز»، بعد المبيعات الخاصة يوم الاثنين والتي سجلت أرقاما قياسية لأعلى سعر مدفوع مقابل عمل فني واحد.
وحطمت لوحة للفنان الإسباني بابلو بيكاسو الرقم القياسي لمزادات الأعمال الفنية لتصبح الأغلى على الإطلاق مع بيعها مقابل 179.4 مليون دولار في مزاد «كريستيز» يوم الاثنين.
وفي مزاد يوم الأربعاء بيعت ثلاثة من أغلى الأعمال بأكثر من 50 مليون دولار لكل واحد، فيما حققت ثلاثة أعمال أخرى أكثر من 35 مليون دولار لكل واحد. وسجلت الأرقام القياسية الجديدة لروبرت ريمان وروبرت روشنبرج.
إلى ذلك، حققت دار «سوذبيز» للمزادات ثاني أفضل نتيجة لها في الفن المعاصر على الإطلاق، حيث حققت نحو 380 مليون دولار، وأرقاما قياسية لفنانين من بينهم كريستوفر وول وزيجمار بولكه، وذلك بعد يوم من بيع دار «كريستيز» للمزادات أغلى لوحة في العالم في التاريخ.
وتصدرت المبيعات لوحة زيتية من دون عنوان باللونين الأصفر والأزرق لمارك روثكو يعود تاريخها لعام 1954 بمبلغ 46.5 مليون دولار. كما شهد المزاد مزايدة لا تهدأ على أعمال روي ليكتنشتاين وجيرهارد ريشتير وجاكسون بولوك وأندي ورهول. وباعت الدار 56 عملا فنيا من إجمالي الأعمال الفنية المعروضة البالغ عددها 63 عملا فنيا على الرغم من أن أعلى سعر لعدد من الأعمال المباعة كان يقترب من أقل تقديرات سابقة.
وبلغ إجمالي المبيعات 379 مليون دولار و676 ألفا، بما في ذلك عمولة «سوذبيز» التي تتجاوز بقليل نسبة 12 في المائة، ويقترب هذا الإجمالي من تقديرات ما قبل البيع التي تراوحت ما بين 315 مليونا و411 مليونا. وأثنى مسؤولون على النتيجة ووصفوها بأنها تعد نجاحا ضخما، حيث تقل نصف مليون دولار عن أفضل إجمالي مبيعات لـ«سوذبيز» لمزادات الأعمال الفنية لفترة بعد الحرب والمعاصرة.
ومن بين الأعمال الفنية التي حققت نقاطا عالية لوحة وول «ريوت» والتي بلغت قيمتها 29.9 مليون دولار، لتحقق بذلك ضعف التقديرات وتكسر الرقم القياسي لأعماله الفنية.
كما اشترى مقتن آسيوي لوحة ليكتنشتاين التي تحمل اسم «الخاتم - الخطبة» بمبلغ 41.7 مليون دولار، فيما كانت التقديرات تشير إلى بيعها بمبلغ 50 مليون دولار. وكانت اللوحة قد بيعت في مزاد عام 1997 بمبلغ 2.2 مليون دولار.
وحققت لوحة بولكه التي تحمل اسم «غابة» رقما قياسيا، حيث بيعت بمبلغ 27.1 مليون دولار. وبيعت لوحة لريشتير بمبلغ 28.3 مليون دولار. أما لوحة ورهول «سوبرمان» فبيعت بضعف تقديرات ما قبل البيع بمبلغ 14.4 مليون دولار.
إلى ذلك، بيعت ياقوتة من بورما زنتها 25.59 قيراط بمبلغ 28.25 مليون فرنك سويسري (30.42 مليون دولار أميركي)، لتسجل بذلك رقما قياسيا جديدا في مزاد أقيم الثلاثاء شهد طلبا قويا على الأحجار الملونة واللآلئ ذات الطبيعة المتفردة.
وكان التنافس حامي الوطيس بين اثنين من المتنافسين عبر الهاتف على «ياقوتة شروق الشمس» التي تشبه النجمة وتتميز بلونها النادر وهو لون «دم الحمام» المتدرج. وكانت القيمة التقديرية للألماسة، وهي من المجموعة الخاصة لمجوهرات «كارتيه»، تتراوح بين 11.7 مليون و17.5 مليون فرنك سويسري.
وقال ديفيد بانيت، رئيس قسم المجوهرات الدولية في «سوذبيز» والذي أجرى المزاد لدى إنهائه المزايدة «رقم قياسي جديد لياقوتة»، حسب «رويترز». وكان قال قبل المزاد الذي أقيم في جنيف «على مدار أكثر من 40 عاما لا أتذكر أنني رأيت ياقوتة بورمية بهذا الحجم المتفرد ولها هذا اللون الرائع».
كما حققت ألماسة تاريخية وردية اللون وزنها 8.72 قيراط 14.8 مليون فرنك (15.94 مليون دولار). وتقول «سوذبيز» إنه من المعتقد أن هذه الألماسة كانت جزءا من مجموعة مجوهرات الأميرة ماثيلد بونابرت ابنة أخي الإمبراطور الفرنسي نابليون الأول.
وقالت «سوذبيز» إن عقدا نادرا من صفين من اللؤلؤ الطبيعي به 78 لؤلؤة بيع بمبلغ 6.5 مليون فرنك، ليسجل أيضا رقما قياسيا جديدا. وإجمالا، بيعت 453 قطعة من 484 قطعة إلى مشترين جدد، بقيمة إجمالية صافية 149.85 مليون فرنك سويسري في المزادات نصف السنوية للمجوهرات التي تقام في جنيف هذا الأسبوع، في حين تعقد المزادات الفنية في نيويورك.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».