تحذيرات مستجدة من الإطاحة بقانون استقلالية القضاء في لبنان

TT

تحذيرات مستجدة من الإطاحة بقانون استقلالية القضاء في لبنان

يتخوف معنيون بالملف القضائي من التوجه للإطاحة بقانون استقلالية القضاء بعدما فشل البرلمان اللبناني في إقراره في الجلسة التشريعية في شهر فبراير (شباط) الماضي، إثر طلب وزير العدل هنري خوري استعادته لدراسته ووضع الملاحظات عليه.
وحذر النائب في «اللقاء الديمقراطي» بلال عبد الله عبر حسابه على «تويتر» من أن «قانون استقلالية القضاء الذي أنجزته لجنة الإدارة والعدل، بالتعاون مع وزارة العدل وقضاتها، ومجلس القضاء الأعلى، ونقابتي المحامين، تم سحبه من الهيئة العامة لمجلس النواب، وطلب مهلة شهر لإعادة الدراسة. انقضى الشهر، والمشروع ذهب ولم يعد... ربما يزعج الكثيرين إصرارنا على الاستقلالية الكاملة».
وينطلق عبد الله من مخاوفه من «قناعة باتت راسخة لدى الجميع، وهي أن السلطة السياسية وأن جاهرت بدعمها استقلالية القضاء ونصت البيانات الوزارية عليه، فهي لا تريده، وبالتالي ستعيق أي محاولة في هذا الاتجاه». ويوضح عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: «منذ حوالي ثلاث سنوات ونحن نعمل في لجنة الإدارة والعدل على مشروع القانون، وقد حضرت الجلسات وزيرة العدل السابقة ماري كلود نجم وعدد من القضاة ونقابة المحامين، وسبق لمجلس القضاء الأعلى أن وضع ملاحظاته عليه ليأتي وزير العدل الحالي هنري خوري في الجلسة التشريعية ويسحب القانون بحجة وضع مجلس القضاء ملاحظاته عليه محددا مهلة شهر لهذا الأمر، لكن مر شهر ونصف الشهر ولم يطرح القانون ما يؤكد أن السلطة السياسية والمراجع الطائفية لا تريد القانون، بل همها أن تبقى ممسكة بالقضاء». ويقول: «في مشروع القانون الجديد تم حصر التشكيلات القضائية بيد مجلس القضاء الأعلى على أن يتم تبديل المواقع فيما بين القضاة، وبقيت نقطة عالقة لم يتم التوافق عليها وهي حول كيفية اختيار أعضاء المجلس الأعلى بين انتخابهم جميعا أو تعيين عدد منهم وانتخاب الآخرين»، مع تأكيد عبد الله أن التعيين ولو الجزئي يعني بقاء الأمور على حالها أي المحاصصة السياسية والطائفية وهو ما سينسحب على تعيينات أخرى».
وفيما يرى عبد الله أن البحث في «استقلالية القضاء» بات من المؤكد أنه سيرحل إلى البرلمان الجديد، يلفت إلى أن «المشكلة تكمن أيضا في أن بعض القضاة أنفسهم ولا سيما القدامى منهم يتهيبون هذا القانون وهو ما يطرح علامة استفهام».
ويتضمن مشروع قانون استقلالية القضاء المقدم ثلاثة بنود أساسية، هي إضافة إلى تشكيل مجلس القضاء الأعلى وحصر إصدار التشكيلة القضائية بهذا المجلس من خلال اعتماد معايير موضوعية، حصر تعيين القضاة بالمباراة التي يجريها مجلس القضاء بعيداً عن تدخل السلطة السياسية.
ولا تختلف وجهة نظر الخبير الدستوري، رئيس «مؤسسة جوستيسيا» الحقوقية بول مرقص عن النائب عبد الله مع تأكيده على أن رأي وزير العدل غير ملزم ويمكن للبرلمان تجاوزه إذا اتخذ قرار بإقرار القانون. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «ليست هناك مصلحة للسلطة السياسية المتمثلة بمجلس النواب أن تعطي القضاء استقلاليته على اعتبار أن هناك تضاربا في المصالح، أي أن من مصلحة النواب وهم سياسيون أن يتدخلوا بعمل القضاء فلا ننتظر منهم أن يمنحوا مجانا وتلقائيا أي استقلالية للقضاء، بل هذا يجب أن ينتزع، وأن يكون محل مدونات وشروعات وسلوك داخل القضاء بحيث يفرض القضاء استقلاليته ويحمي المنتسبين إليه وأن يحصنهم من أي إغراءات سياسية».
ويعطي مثالا عن هذه الإغراءات باقتراح «أن يتعهد أعضاء مجلس القضاء والقضاة الرفيعون بعدم تقلد أي منصب سياسي أو إداري في الدولة اللبنانية بعد تركهم القضاء لأي سبب كان».وحول مشروع القانون يرى مرقص أن المسودة كانت معقدة ولا تتلاءم مع روحية النظام القضائي اللبناني مما صعب أو ربما أعطى حجة تقنية للبرلمانيين للاطالة، إضافة إلى انتفاء المصلحة لديهم في قضاء مستقل وممانع لضغوطاتهم، ويتوقف في الوقت عينه عند دور وزير العدل، موضحا «كان يمكن للبرلمان تجاوز رأي وزير العدل الذي لا يحق له تعطيل عمل السلطة التشريعية ولا تزال الفرصة أمامه لذلك إذا قرر ذلك».
وتبرز تداعيات تدخل السلطة السياسية في التشكيلات القضائية بوضوح في الفترة الأخيرة في لبنان، حيث تنعكس تعطيلا في قضايا عدة، أبرزها رفض رئيس الجمهورية منذ عامين التوقيع على التشكيلات القضائية ما أدى إلى فراغ في مراكز قضائية حساسة، والأمر نفسه انسحب على التشكيلات الجزائية التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى قبل حوالي شهر وشملت رؤساء محاكم التمييز، ويرفض وزير المال يوسف خليل المحسوب على الثنائي الشيعي «حزب الله» و«حركة أمل» التوقيع على المرسوم لأسباب سياسية ويربطها البعض باستمرار تعطيل التحقيق بانفجار مرفأ بيروت ومنع ملاحقة الوزراء والنواب المحسوبين بشكل أساسي على «حزب الله» و«أمل».



إسرائيل تضرب الحوثيين للمرة الخامسة بالتوزاي مع غارات غربية

TT

إسرائيل تضرب الحوثيين للمرة الخامسة بالتوزاي مع غارات غربية

القادة الإسرائيليون هددوا الحوثيين بمصير مشابه لـ«حماس» و«حزب الله» اللبناني (الجيش الإسرائيلي)
القادة الإسرائيليون هددوا الحوثيين بمصير مشابه لـ«حماس» و«حزب الله» اللبناني (الجيش الإسرائيلي)

شنت إسرائيل خامس موجة من ضرباتها الجوية والأولى في السنة الجديدة، رداً على الهجمات الحوثية المتصاعدة، واستهدفت الضربات منشآت ومواقع عسكرية في صنعاء وعمران، الجمعة، كما استهدفت ميناءي الحديدة ورأس عيسى على البحر الأحمر، وذلك بالتوازي و«التنسيق» مع ضربات أميركية وبريطانية.

وإذ أكد الجيش الإسرائيلي شن الضربات على صنعاء والحديدة، قالت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران إن 12 غارة استهدفت مواقعها في مديرية حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران (50 كيلومتراً شمال صنعاء).

كما استهدفت الغارات مواقع خاضعة للحوثيين في محيط القصر الرئاسي بصنعاء، حيث معسكرات «النهدين والحفا»، إلى جانب محطة توليد كهرباء جنوب المدينة (محطة حزيز)، بالتزامن مع سلسلة غارات ضربت ميناءَي الحديدة ورأس عيسى النفطي على البحر الأحمر.

وأوضح مسؤول أميركي أن الضربات تم التنسيق بشأنها لكنها ليست مشتركة طبقا لما أورد موقع «أكسيوس» الأميركي، في حين تحدثت تقارير حوثية عن مقتل شخص وإصابة 9 آخرين.

وبحسب بيان الجيش الإسرائيلي، شملت الأهداف التي ضربها مواقع للبنية التحتية العسكرية في محطة كهرباء حزيز في صنعاء والبنية التحتية العسكرية في ميناءَي الحديدة ورأس عيسى على الساحل الغربي، وفق البيان.

وعقب الضربات، نقلت «رويترز» عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله إن الحوثيين «يدفعون وسيستمرون في دفع ثمن باهظ لعدوانهم علينا».

من جهته، وصف وزير الدفاع الإسرائيلي الضربات الجديدة بأنها رسالة واضحة للحوثيين بأن إسرائيل ستواصل العمل بقوة ضد كل من يشكل تهديداً لأمنها، وتوعد بالقول: «يد إسرائيل الطويلة ستلاحق قادة الحوثيين في أي مكان».

ولم تتحدث الجماعة الحوثية عن أثر هذه الضربات، من حيث الخسائر المادية أو البشرية على الفور، وسط مخاوف من أن تؤدي الضربات الجديدة إلى شل مواني الحديدة بشكل نهائي، بعد الأضرار التي كانت تسببت بها الضربات السابقة، ما يعني مزيداً من المعاناة الإنسانية في مناطق سيطرة الجماعة.

مقاتلة إسرائيلية قبل انطلاقها لشن هجوم ضد الحوثيين (الجيش الإسرائيلي)

وبالتزامن مع حشد الجماعة أنصارها في التجمع الأسبوعي كل يوم جمعة، زعم المتحدث العسكري باسمها يحيى سريع مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» والقطع العسكرية المصاحبة لها، بالصواريخ والمسيَّرات، كما تبنَّى مهاجمة تل أبيب في إسرائيل بثلاث طائرات مسيّرة، وهي المسيّرات التي قال الجيش الإسرائيلي في بيان إن سلاح الجو قام باعتراضها، مساء الخميس.

الضربات السابقة

رداً على تصعيد الحوثيين الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيّرة باتجاه إسرائيل، كانت الأخيرة ردت بأربع موجات من الضربات الانتقامية قبل هذه الضربة الخامسة، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقُّع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

وتضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

إسرائيل ردت على هجمات الحوثيين بموجة خامسة من الضربات الجوية (الجيش الإسرائيلي)

واستدعت الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو (تموز) الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.

تصعيد مستمر

أقرت الجماعة الحوثية يوم الخميس بتلقي 5 غارات وصفتها بـ«الأميركية والبريطانية»، استهدفت مواقع في صنعاء والحديدة وعمران، غداة ضربات تبناها الجيش الأميركي ضد منشأتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض خاضعتين للجماعة في عمران وصنعاء.

ولم يتحدث الجيش الأميركي على الفور بخصوص هذه الغارات، في حين لم تكشف الجماعة المدعومة من إيران عن الآثار الناجمة عنها، وسط تقديرات بأنها ضربت مستودعات للأسلحة.

مقاتلة من طراز «إف 15» تعمل ضمن منطقة القيادة المركزية الأميركية (الجيش الأميركي)

ووفق ما أورده إعلام الجماعة، ضربت غارتان منطقة جربان التابعة لمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، فيما ضربت 3 غارات مواقع في مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران (50 كيلومتراً شمال صنعاء)، إلى جانب غارة قالت الجماعة إنها استهدفت موقعاً في مديرية اللحية الساحلية التابعة لمحافظة الحديدة غرباً.

ويوم الأربعاء، كان الجيش الأميركي أعلن استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً، بعد يوم من مزاعم الحوثيين حول مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية، وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر.

واعترفت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، بواقع اثنتين في منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، و4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، ويضم الموقعان معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة، تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، استخدم الحوثيون تلك المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

مقاتلة أميركية من طراز «إف 16» (الجيش الأميركي)

وتشن الجماعة منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، بينما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

ورداً على هذا التصعيد استقبلت الجماعة نحو ألف غارة جوية وقصف بحري، خلال عام من التدخل الأميركي، وأدى ذلك إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة أنشأت، في ديسمبر (كانون الأول) 2023 تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في عدد من المرات.

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين كان من نصيب الحديدة الساحلية أغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.