كيف حافظت شارة «العاصوف» على وهجها لتلامس وجدان السعوديين؟

ناصر الصالح لـ «الشرق الأوسط» : لحنها كان أنجح أعمالي بعد «الأماكن»

«العاصوف» يحظى باهتمام السعوديين في رمضان
«العاصوف» يحظى باهتمام السعوديين في رمضان
TT

كيف حافظت شارة «العاصوف» على وهجها لتلامس وجدان السعوديين؟

«العاصوف» يحظى باهتمام السعوديين في رمضان
«العاصوف» يحظى باهتمام السعوديين في رمضان

يندر أن تحظى شارة مسلسل خليجي على اهتمام جماهيري. بيد أن تتر مسلسل «العاصوف» تمكن من خلق حالة فريدة من نوعها، فرغم أن المسلسل يُعرض حالياً في جزئه الثالث، فإن الجمهور لا يزال يحتفي ويردد الشارة التي غناها الفنان راشد الماجد وكأنه يسمعها للمرة الأولى، لترتبط بوجدان الكثير من السعوديين، الذين لامسهم ضربها بخفة على وتر الحنين إلى الماضي.
وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، يقول الملحن ناصر الصالح، الذي صاغ لحن الشارة، كاشفاً أن تلحينها تم في البداية من قبل ملحن آخر، إلا أن اللحن لم يكُن على المستوى المطلوب، ليرشحه الفنان ناصر القصبي ومعه الشاعر خلف الحربي، وهي قصة لم يعلم بها الصالح إلا عندما فرِغ من العمل، ولقي نجاحاً كبيراً، قائلاً: «أحمد الله أنهم لم يخبروني بذلك منذ البداية، وإلا لكنت عشت مرارة التحدي».

                                                                                         الملحن ناصر الصالح
حكاية الشارة
بتفاصيل أكثر، يروي الصالح الحالة التي دخلها قبل التلحين، بالقول: «أرسلوا لي السيناريو وقصة المسلسل كاملة، فاطلعت عليها. وأرسلوا لي أيضاً لقطات أولى من التصوير، لأني كنت مكلفاً أيضاً بعمل الموسيقى التصويرية، إلا أنني لم أعملها، بل ركزت على أغنية التتر بشكل مختلف عما هو موجود في مقدمات المسلسلات التي قدمتها، لأنها تحكي قصة قديمة جداً من الثمانينات والتسعينات وما قبل».
ويردف الصالح قائلاً: «اطّلعت على القصة وكأني أمثّل معهم، فعشت الفترة وتخيلت الزمن». ويشير إلى أنه عمد في مقدمة الشارة إلى إدخال صوته في راديو كان يتخيله، برفقة العود، ليكون هناك جانب تصويري للكلمات، حسب رأيه، ويتابع: «غنيت المقدمة بصوتي ليسمعها راشد الماجد. ودائماً عندما ألحن لحناً ما، أغنيه للفنان بصوتي أولاً، فأُعجب الماجد به، وأصر أن يكون المقدمة ومن ثَم يدخل هو للغناء بعدي، وكان لذلك وقع جميل».
يؤكد الصالح أنه لا يرى العمل مجرد تتر لمسلسل، بل أغنية للناس. ويرى أن شارة العاصوف، هي أكثر أعماله تأثيراً بعد أغنية «الأماكن»، التي لحنها هو وغناها الفنان محمد عبده، وحققت نجاحاً كاسحاً. ويتابع: «من المستحيل أن يقف راشد الماجد على المسرح ليغني ولا يطلب منه الجمهور أغنية العاصوف، وأنا أيضاً في أي مكان أذهب إليه، يُطلب مني غناؤها. هذه الأغنية لامست الناس بشكل مذهل».
«راحة الأرواح»
وكم استغرق تلحين الشارة؟ يجيب الصالح: «نحو أسبوعين»، واصفاً ذلك بالتحدي الجميل، مضيفاً: «إن أي عمل يصلني أعيش خلاله تحدياً مع نفسي، ليكون مختلفاً عما هو موجود». ويتابع موضحاً، أنه ذهب في الشارة لمقام السيكا، وتحديداً الهزام (من مقامات السيكا)، الذي يُعرف باسم «راحة الأرواح»، ويتابع: «أعتقد أن هذا المقام مؤثر على أي إنسان، ولكِ أن تتخيلي أن لحن أنشودة (طلع البدر علينا) هي من هذا المقام نفسه، وهذا سر الحميمية ووصول العمل إلى قلوب الناس بشكل بسيط وجميل».
ولكن، كيف وقع اختيار الصالح على هذا المقام تحديداً؟ يقول: «عندما أفكر كيف ومتى خرج معي اللحن، لا أجد إجابة. لأني لا أخطط له، ولا أحدد المقام، لأن حسّي الموسيقي هو من يأخذني تجاه المقام، بعد أن أضع الكلمات أمامي، لدرجة أن أسأل نفسي بعد الانتهاء من العمل: ما الذي دفعني لاختيار هذا المقام؟».
ركائز النجاح
عن الأسرار الأخرى لنجاح الأغنية، يشير الصالح لاختياره الموزع الكويتي الدكتور عامر جعفر، قائلاً: «لأول مرة، أقوم بعمل خليجي بحت، بنسبة 100 في المائة، ففي أعمالي السابقة كان التوزيع من ملحنين مصريين، أكنّ لهم كامل التقدير والاحترام، لكن في هذا العمل اخترت خبرة وتجارب الدكتور عامر الموسيقية»، ويتابع: «جلست معه، ورأينا المسلسل معاً، فأحسسنا بالزمن وبكل تفاصيل المسلسل».
ويتناول الصالح كاتب كلمات الشارة خلف الحربي، بالقول: «كنت سعيداً جداً في لقاء هذا الشاعر الجميل عبر العمل، واكتشفت أن لديه موهبة شعر غير طبيعية». ويضيف: «إنه يمتلك إحساساً غير عادي، ولا أعلم لماذا لا يُظهر نفسه للناس شاعراً، لأنه يستحق أن يكون من الشعراء المؤثرين في الساحة».
تكمن حلاوة الشارة، في انسجامها مع الحالة التي يحاول مسلسل «العاصوف» خلقها لدى المشاهد، في العودة إلى الماضي، وفتح صفحاته، واسترجاع أهم محطات هذا التاريخ، الذي عاشه السعوديون في العقود الماضية، بتدرج زمني يبدأ من فترة السبعينات من القرن الماضي وصولاً إلى منتصف عقد التسعينات، وعبر عمل سعودي ضخم من بطولة: ناصر القصبي، وعبد الإله السناني، وريم عبد الله، وحبيب الحبيب، وعبد العزيز السكيرين، وحشد كبير من الممثلين.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».