تأجيل جديد لمحكمة البشير في انقلاب 1989

«المؤتمر الشعبي» يشدد على حكومة كفاءات مدنية ويرفض نموذج الشراكة مع العسكريين

البشير في إحدى جلسات محاكمته (أ.ف.ب)
البشير في إحدى جلسات محاكمته (أ.ف.ب)
TT

تأجيل جديد لمحكمة البشير في انقلاب 1989

البشير في إحدى جلسات محاكمته (أ.ف.ب)
البشير في إحدى جلسات محاكمته (أ.ف.ب)

قررت المحكمة الخاصة بمحاكمة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير، و27 من رموز الإسلاميين من العسكريين والمدنيين المتهمين بتدبير وتنفيذ الانقلاب العسكري في 1989، تأجيل جلستها إلى الثلاثاء المقبل، وفي غضون ذلك، أجرت الآلية الثلاثية المشتركة الأممية الأفريقية مشاورات مع حزب المؤتمر الشعبي حول العملية السياسية للانتقال الديمقراطي.
وتقدمت هيئة الدفاع خلال الجلسة التي انعقدت بمباني معهد الشرطة للعلوم القضائية بالخرطوم أمس، بالتماس للمحكمة بأن يتم إطلاق سراح من بلغ 70 من عمره من المتهمين، ومنح ضمانة خاصة لكل من كانت مادة الاتهام لديه لا تصل إلى حد الإعدام، وذلك أسوة ببعض المتهمين الذين أطلق سراحهم من قبل المحكمة في فترات سابقة.
ويعاقب القانون الجنائي السوداني لعام 1991 كل من يرتكب أو يشارك في تقويض النظام الدستوري البلاد، بالإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة جميع أمواله.
وقبلت المحكمة الأسبوع الماضي، مستندات اتهام في مواجهة البشير وآخرين، تكشف تورطهم في التخطيط وتنفيذ الانقلاب العسكري. واستولى البشير على السلطة بانقلاب عسكري في 30 يونيو (حزيران) 1989 خطط ودبر له زعيم الحركة الإسلامية حسن الترابي، وشارك في تنفيذه العشرات من منسوبي الحركة من العسكريين والمدنيين، وتولى البشير منصب رئيس مجلس قيادة ما عُرف بـ«ثورة الإنقاذ الوطني»، وخلال العام ذاته أصبح رئيساً للبلاد.
وأودع البشير و27 من قادة نظامه سجن كوبر المركزي بالخرطوم بحري بعد عزله من الحكم بثورة شعبية في 11 أبريل (نيسان) 2019. ويواجه المتهمون قضايا أخرى بالاشتراك الجنائي والإرهاب وقتل المتظاهرين، إبان الحراك الشعبي.
وفي غضون ذلك، أجرت آلية التنسيق الثلاثية المشتركة للأمم المتّحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيقاد)، مشاورات مع وفد من حزب المؤتمر الشعبي، برئاسة نائب الأمين العام المكلف نوال الخضر وآخرين، حول الأزمة في البلاد.
وقال الشعبي في بيان، إن ممثلي الآلية طرحوا في اللقاء المحاور الرئيسية التي قامت بها البعثة الأممية مع الأطراف السياسية السودانية، وهي الترتيبات الدستورية الانتقالية ومعايير اختيار رئيس الوزراء ووزراء حكومته، وأولويات الحكومة الملحة لفترة الانتقال، إلى جانب الخطة الزمنية والإجرائية لتنظيم انتخابات حرة ونزيهة.
وأكد الشعبي أن أي ترتيبات لما بعد 25 أكتوبر (تشرين الأول)، يجب أن تكون شاملة لجميع السودانيين في إطار مدني كامل ولا عودة لإطار الثنائية (عسكر - مدنيين).
وشدد البيان على موقف الحزب الثابت من ضرورة أن تدار الفترة الانتقالية بحكومة كفاءات مدنية على رأسها مجلس سيادة مدني، ورئيس وزراء مدني مستقل يرأس الجهاز التنفيذي، وأن تكون لمجلس السيادة مهام محددة بمصفوفة زمنية، أهمها تشكيل المحكمة الدستورية، ومجلس القضاء، ومجلس النيابة.
وأمن على أن يكون التشريع سلطة ثنائية استثنائية بين المجلس السيادي والوزراء لأغراض الانتقال الديمقراطي، يتم عبر المراسيم الدستورية، مع التأكيد على عدم تشكيل مجلس تشريعي لما تبقى من الفترة الانتقالية.
وأكد الشعبي ضرورة أن تظل القوات المسلحة مؤسسة مهنية تحت قيادة موحدة تخضع للسلطة المدنية المتوافق عليها بين كل السودانيين خلال فترة الانتقال التي تنتهي بالانتخابات في 2023.
وأوضح أن انخراطه في هذه المشاورات ينبني على رغبته في المساهمة في الوصول إلى حل سياسي توافقي للأزمة السودانية، وأن تعاونه مع الآلية الثلاثية والبعثة الأممية ينحصر في كونه ميسرة للحوار السوداني - السوداني الذي يجب ألا يستثني أحداً دون تدخلات خارجية.
ودعا حزب المؤتمر الشعبي إلى الشروع الفوري في ترتيبات تسريح وإعادة دمج الحركات المسلحة الموقعة على اتفاقية «جوبا» للسلام لتنخرط في العملية السياسية كقوى سياسية لا كقوى مسلحة.
وأكد الوفد بحسب البيان، ضرورة أن يستصحب الحوار المزمع التركيز على قضايا الشباب والمرأة ومعالجتها في إطار تحاوري، وإشراكهم بصورة عادلة في المشاورات والترتيبات المرتبطة بالانتقال. واتفق الطرفان على أن يستمر التواصل بين البعثة الأممية والآلية المشتركة مع المُؤتمر الشعبي في الفترة المقبلة، وأن يسهم المؤتمر الشعبي في الحوار بفاعلية في كل المحاور المطروحة.
وأسس حزب المؤتمر الشعبي بعد المفاصلة الشهيرة بين الإسلاميين في 1999، وإطاحة الرئيس المعزول، عمر البشير، بعراب الإسلاميين وحكومة الإنقاذ الوطني، حسن الترابي، من مركز صناعة القرار.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.