قاعة النسيج المصري في «الحضارة» تستقبل الزائرين للمرة الأولى

تضم 650 قطعة أثرية فريدة

لقطة واسعة لقاعة النسيج المصري
لقطة واسعة لقاعة النسيج المصري
TT

قاعة النسيج المصري في «الحضارة» تستقبل الزائرين للمرة الأولى

لقطة واسعة لقاعة النسيج المصري
لقطة واسعة لقاعة النسيج المصري

بات في مقدور زوار المتحف القومي للحضارة المصرية، للمرة الأولى، التعرف على تاريخ النسيج المصري عبر العصور، في جولة بقاعة النسيج، التي افتتحت، مساء أول من أمس، في إطار احتفال مصر بيوم التراث العالمي الموافق 18 أبريل (نيسان) من كل عام، حيث نظمت وزارة السياحة والآثار احتفالاً بهذه المناسبة، حضره 10 وزراء من الحكومة المصرية، وسفراء 53 دولة عربية وأجنبية.
واصطحب الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ضيوف الحفل، في جولة بقاعة النسيج، وقال إن «القاعة تعرض نحو 650 قطعة أثرية من النسيج المصري عبر العصور، بعضها كان معروضاً من قبل في متحف النسيج بشارع المعز، الذي أُغلق لسوء حالته الإنشائية». مشيراً إلى «أن القاعة جهزت بأحدث أساليب العرض، وأُثريت المعروضات بقطع أثرية نقلت من المتاحف والمخازن المصرية لتحكي تاريخ النسيج المصري عبر العصور».
وأوضح وزيري: «نقلت أكثر من 250 قطعة أثرية من المتحف المصري في التحرير، ومتحف الفن الإسلامي في باب الخلق، وقصر محمد علي في المنيل، والمتحف الزراعي في الدقي، ومخازن المتحف القومي للحضارة المصرية، لإثراء العرض المتحفي».
وأشار وزيري، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى «أن المعروضات تظهر براعة المصري في صناعة النسيج، وحياكة الملابس، حتى إن بعض القطع كان بها خياطة دقيقة جداً، لحماية النسيج وقطع الملابس من التمزق»، لافتاً إلى «أن المعروضات وطرق العرض لقيت استحساناً كبيراً من جانب السفراء والوزراء الذين حضروا حفل الافتتاح».
وأغلقت مصر متحف النسيج في شارع المعز، وسط القاهرة التاريخية، نهاية عام 2020، بعد عشر سنوات من افتتاحه في عام 2010، بموجب قرار من اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية، نتيجة «سوء الحالة الإنشائية لمبنى المتحف الأثري في سبيل محمد علي»، ونقلت مقتنياته إلى المتحف القومي للحضارة.
بدوره، قال الدكتور أحمد غنيم، الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية: «إن قاعة العرض المؤقت في المتحف خُصصت، لتكون قاعة للنسيج المصري، التي تعرض مجموعة فريدة من النسيج على مساحة ألف متر مربع، باستخدام أحدث أساليب العرض المتحفي وتقنياته». مشيراً إلى أنه «استعين بالتكنولوجيا المستحدثة داخل قاعة العرض من خلال وسائط الغرافيك، وشاشات لعرض مجموعة من الأفلام الوثائقية، التي تحكي تاريخ النسيج المصري».
ويروي سيناريو العرض المتحفي، قصة النسيج المصري عبر العصور، بدءاً من عصور ما قبل التاريخ، ومروراً بالعصور الفرعونية واليونانية الرومانية والقبطية والإسلامية، وصولاً للعصر الحديث والمعاصر، إضافة إلى عرض مجموعة من القطع، التي توارثها المصريون من الملابس التقليدية التراثية، أو ما يعرف بالموروث الشعبي المصري من البيئات والمحافظات المصرية المختلفة، خصوصاً المرأة، والفلاحة المصرية.
ومن بين أهم القطع المعروضة مجموعة من الأردية المصنوعة من الصوف ترجع إلى عصر العمارنة، التي تعرض لأول مرة، كدليل على استخدام المصري القديم للصوف على عكس ما هو شائع، حسب الدكتور محمود مبروك، مستشار وزير السياحة والآثار للعرض المتحفي، الذي يشير إلى أن من «بين المعروضات أردية من الكتان ترجع للعصور القديمة المختلفة منها العصر البطلمي، من منطقة البجوات، والعصر القبطي والإسلامي والحديث، إضافة إلى مجموعة من النسيج الوبري والحرير والأقطان والأقمشة المختلفة والخيامية، التي اشتهرت بها مصر، ونماذج من القمصان والجلاليب التي ترجع إلى العصر اليوناني الروماني».
وقال مبروك: «إن القاعة تضم مجموعة من أدوات الغزل والنسج القديم، ونموذجاً لورشة نسيج من عصر الدولة الوسطى، وتمثالاً لرئيس النساجين في الدولة القديمة، بالإضافة إلى مجموعة من التماثيل واللوحات، التي تؤرخ الأزياء في مصر القديمة وعبر العصور».
وقاعة النسيج مقسمة إلى مستويين، حيث تبدأ الزيارة من المستوى الأرضي باستعراض مقتنيات النسيج المصري، بداية من عصر الدولة القديمة، مروراً بالعصر اليوناني الروماني، والعصر القبطي، والإسلامي، مع استعراض معروضات مختلفة من العصر الأموي، والعباسي، والطولوني، والفاطمي، والمملوكي، والعثماني، إضافة إلى الأدوات التي كانت تستخدم في صناعة النسيج في تلك الفترات، ومجموعة من الحلي التي كانت تتزين بها النساء، ويتوسط المستوى الأرضي منصة عرض يعرض عليها مجموعة من الملابس التراثية من البيئات والمحافظات المصرية المختلفة، وكسوة للكعبة المشرفة ترجع إلى عهد الملك فاروق الأول.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».