المسنّون الأوكرانيون يعانون من نزاع مسلح لم يتوقعوه

ظن بعضهم أن الحرب العالمية الثانية ستكون الأخيرة في حياتهم

امرأة مسنة من سكان ماريوبول المدمرة (رويترز)
امرأة مسنة من سكان ماريوبول المدمرة (رويترز)
TT

المسنّون الأوكرانيون يعانون من نزاع مسلح لم يتوقعوه

امرأة مسنة من سكان ماريوبول المدمرة (رويترز)
امرأة مسنة من سكان ماريوبول المدمرة (رويترز)

يعاني المسنّون الأوكرانيون من حرب لم يكونوا يتوقعونها؛ خصوصاً أن بعضهم لا يزال يتذكر الحرب العالمية الثانية، وظنوا أنها ستكون الأخيرة في حياتهم. وأخرج فلاديمير ليغنوف ليدخّن، فسقطت قذيفة في جواره أفقدته ذراعه. لم تكن الحادثة استثنائية، إذ يجسّد الرجل البالغ من العمر 71 عاماً الواقع المرير للمسنّين الأوكرانيين.
يتنقّل الرجل ببطء شارد الذهن وقد طوي الكمّ الأيسر لقميصه الرمادي اللون تحت إبطه في رواق مركز إيواء في دنيبرو، المدينة الكبيرة في وسط أوكرانيا التي استحالت مركزاً واسعاً لتوفير المساعدات الإنسانية.
ويصعب على فلاديمير، الذي كان سابقاً سائق قطار، أن يستوعب ما حصل له. فمن ألقى القذيفة التي أصابته في أفدييفكا، القطب الصناعي في منطقة دونيتسك؟ وأي حرب هي تلك التي وقع ضحيتها؟ وهو يردّد باستمرار: «لا أستوعب ما يحدث. ففي خلال أسبوع، ينبغي لي أن أغيّر الضمّادة في مستشفى ميرنوراد (في قلب منطقة النزاع حيث بُترت ذراعه). لكن هنا يقولون إنه ينبغي لي أن أغادر بعد 3 أيّام».
ويصرّح، وهو ينظر إلى رجل أعرج مرّ أمامه يعتمر قلنسوة حمراء مخطّطة بالأزرق: «لعلّه من الأجدى أن أُنقل إلى المقبرة. فأنا لا أريد العيش على هذا النحو».
تبدو المعاناة الجسدية والنفسية جليّة على المسنّين الذين التقى بهم مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية في مركز دنيبرو، وهي عيادة توليد أعيد فتحها على عجالة في مارس (آذار) لإيواء المهجّرين داخلياً بصورة مؤقّتة. وعند وصول شاحنة صغيرة من الجبهة الشرقية، يئنّ 3 أشخاص من الألم، في حين يبذل متطوّعون قصارى جهدهم لإخراجهم من المركبة ووضعهم على كراسي متنقّلة.
وليس الركّاب الآخرون أفضل حالاً بكثير. يمسك رجل كبير في السنّ منهك القوى بسجائره لحظة خروجه من المركبة، ثمّ يجمع أغراضه بسرعة، كما لو كان عليه أن يغادر فوراً، في حين أنه وصل لتوّه إلى مركز آمن بعد أسابيع أمضاها في جحيم الحرب. تقول أولغا فولكوفا، التي تدير بشكل طوعي المركز الذي يستقبل 84 شخصاً، حيث 60 في المائة منهم هم من المسنّين: «وضع من أمضوا وقتاً طويلاً في الأقبية هو الأصعب. بقي كثيرون وحيدين. قبل الحرب، كنّا نساعدهم، لكنّهم تُركوا لحالهم بلا أي مساعدة».
وفي أغلب الأحيان، يكون الكبار في السنّ «منسيين وفي وضع جدّ هشّ» خلال النزاعات، على ما يوضح فيديريكو ديسي مدير الفرع الأوكراني من منظمة «هنديكاب إنترناشونال» غير الحكومية التي توفّر التجهيزات وتعتزم تقديم مساعدة مالية لمركز دنيبرو. ويكون المسنّون «مقطوعين عن بقيّة العائلة» عموماً و«عاجزين في الأغلب عن استخدام هاتف والتواصل مع الخارج»، وفق ديسي، الذي يشدّد على «ضيق حالهم» في أجواء الحرب.
تُعدّ أليكساندرا فاسيلشنكو، وهي روسية تعيش في أوكرانيا بلغت الثمانين قبل أسبوع، أيسر حظّاً من البقيّة. فلا يزال في وسعها المشي رغم أمراض كثيرة وقد أتى حفيدها لاصطحابها فور وصولها إلى مركز دنيبرو. وتقدّر السيّدة المتوقّدة الفرصة التي أتيحت لها، خاصة بعدما أمضت عدّة أسابيع «وحيدة في شقّة من 3 غرف» في كراماتورسك (الشرق) حيث أودت غارة روسية استهدفت المحطّة مؤخّراً بحياة 57 شخصاً على الأقلّ. وكانت السيّدة الثمانينية قد تحوّطت وخزّنت المؤن، لكن «كنتُ طوال الوقت مختبئة في الحمّام... وأنا أبكي. فقد كنت مسجونة في منزلي»، بحسب ما تخبر فاسيلشنكو، متمنّية «الموت» لـ«فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين» ولعائلته. لا تشتكي زويا تاران، المستلقية على السرير والمتمسّكة بجهازها للمشي، من واقع حالها، رغم معاناتها من السكّري وصعوبات في التنقّل وتدني البصر، وكلية واحدة لا غير ما زالت بخير.
فقد انسحب ابنها فيتالي، موسيقيّ الروك السابق، من «الأوساط الفنية»، على حدّ قولها، ليكرّس وقته لوالدته. وهي تقول: «أنا جدة مسنة وهو عيناي ويداي وساقاي».
كانت زويا تاران تريد البقاء في ديارها، لكن عندما اقتربت القنابل من سلوفيانسك، قرّرت المغادرة «لإنقاذ» ابنها. وهي تتساءل: «لماذا علينا تحمّل مآسي الحرب؟ ماذا يريدون منّا؟».
وبحسب «هنديكاب إنترناشونال» التي تستند في تقاريرها إلى أرقام السلطات الأوكرانية، انتقل نحو 13 ألف مسنّ أو معوّق إلى دنيبرو وجوارها منذ بداية الغزو الروسي، وعبر المنطقة أكثر من نصف مليون شخص. استقبل «بيت الرحمة»، وهو مستوصف سابق حوّل إلى ملجأ للمعوزين، من تمّ إجلاؤهم من ماريوبول، فضلاً عن كبار في السنّ من الشرق.
ويقول كونستانتين غورشكوف، الذي يدير المركز مع زوجته ناتاليا: «إذا ما فُتحت 10 مراكز مثل هذا، فهي ستكتظّ على الفور».
وانضمّ نحو 30 شخصاً إلى الأشخاص المائة الذي يؤويهم الملجأ، من بينهم يوليا بانفيوروفا (83 عاماً) الآتية من ليسيشانسك في منطقة لوغانسك التي تطمع روسيا بها في الشرق. وتروي أستاذة الاقتصاد السابقة كيف سقطت 3 قذائف بالقرب من منزلها وحطّمت النوافذ. وتقول: «هي الحرب الثالثة التي أعيشها»، بعد حرب 1939 - 1945 والنزاع الذي نشب في 2014 في دونباس التي تشمل لوغانسك ودونيتسك. وتستطرد: «أستذكر جيّداً كيف حرّرت ليسيشانسك من النازيين في 1943. وقد تعرّض بلدنا للاجتياح، كما هي الحال اليوم. وكانت حرّيته على المحكّ، كما اليوم. فحرّيتنا واستقلالنا هما في خطر. ولا بدّ من الكفاح لصونهما... لكن الأمر مهول بالفعل».


مقالات ذات صلة

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».