نيكاراغوا: بعد 4 سنوات على الانتفاضة... أسر الضحايا تريد العدالة

الفارو كونرادو يشير إلى صورة أبنه الفارو كونرادو الذي قتل في أبريل 2018 ، خلال الاحتجاجات ضد حكومة  أورتيغا ( أ ف ب )
الفارو كونرادو يشير إلى صورة أبنه الفارو كونرادو الذي قتل في أبريل 2018 ، خلال الاحتجاجات ضد حكومة أورتيغا ( أ ف ب )
TT

نيكاراغوا: بعد 4 سنوات على الانتفاضة... أسر الضحايا تريد العدالة

الفارو كونرادو يشير إلى صورة أبنه الفارو كونرادو الذي قتل في أبريل 2018 ، خلال الاحتجاجات ضد حكومة  أورتيغا ( أ ف ب )
الفارو كونرادو يشير إلى صورة أبنه الفارو كونرادو الذي قتل في أبريل 2018 ، خلال الاحتجاجات ضد حكومة أورتيغا ( أ ف ب )

«أعاني صعوبة في التنفس»... هذه كانت الكلمات الأخيرة لألفارو كونرادو (15 عاما) الذي أصيب برصاصة عام 2018 في ماناغوا، فيما كان يجلب ماء لطلاب تجمعوا للاحتجاج على حكومة رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا. توقفت حياته وحياة عائلته أيضا.
ويبدو أن المراهق قتل برصاص قناص. وكانت المظاهرات الأولى ضد السلطة اندلعت قبل ذلك بيومين في 18 أبريل (نيسان) في البداية ضد مشروع إصلاح الضمان الاجتماعي، لكنها سرعان ما تحولت إلى احتجاج على سلطة رئيس البلاد المتهم بالفساد والمحسوبية.
أصيبت البلاد بالشلل لمدة خمسة أشهر تخللتها مظاهرات وإقامة حواجز واشتباكات مع الشرطة، وقمع الاحتجاج المطالب باستقالة دانيال أورتيغا بالدم ما أسفر عن مقتل 355 شخصا ونفي أكثر من 100 ألف آخرين وفقا للجنة الدول الأميركية لحقوق الإنسان.
وقال ألفارو كونرادو والد المراهق، من منزله في ماناغوا لوكالة الصحافة الفرنسية: «العدالة والحقيقة. هذا ما نريده، أن يقولوا لنا ماذا حدث. بعد أربع سنوات لم يتم توقيف أحد». في غضون أربع سنوات، غرقت البلاد أكثر في الأزمة السياسية. حظرت الحكومة، التي تعتبر أن مظاهرات العام 2018 «الإرهابية» كان هدفها محاولة انقلاب، العديد من أحزاب المعارضة والمنظمات غير الحكومية. وقد أَغلَقت جامعات خاصة وصحفا مستقلة قبل أن تتبنى ترسانة قوانين تهدف إلى مواجهة المعارضة. أما الحزب الحاكم «الجبهة الساندينية للتحرير الوطني»، فيسيطر على الدولة على كل المستويات. في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي أعيد انتخاب دانيال أورتيغا، وهو متمرد سابق يبلغ من العمر 76 عاما ويتولى السلطة منذ 2007 لولاية رابعة على التوالي، فيما سجن أقوى منافسيه والعديد من المعارضين بتهمة التآمر ضد حكومته بدعم من واشنطن.
قبل أيام قليلة من الذكرى الرابعة للانتفاضة، نددت روزاريو موريو نائبة الرئيس وزوجة أورتيغا بما اعتبرته «انفجارا جهنميا خبيثا وشريرا». وقالت: «لن يكون هناك عفو أو نسيان» مؤكدة أن التاريخ سيتذكر «الانتصار على الشر».
روى ألفارو كونرادو «ظُهر 20 أبريل عندما تلقيت مكالمة تخبرني بأن ابني ألفارو أصيب، لم أصدق ذلك. لن أنسى تلك اللحظة أبدا».
ومنذ ذلك الحين، فقد خبير الكومبيوتر البالغ 53 عاما وظيفته كموظف حكومي. أما زوجته التي تعيش في إسبانيا، فتخشى العودة إلى نيكاراغوا بعدما تظاهرت للتنديد بمقتل ابنها مع جمعية «أسوثياثيون مادريس دي أبريل» (أمهات أبريل).
في بلدة استيلي في شمال البلاد، تبكي فرانسيسكا ماتشادو (48 عاما) ابنها فرانكو فالديفيا، وهو طالب حقوق يبلغ 23 عاما قتل أيضا خلال الاحتجاجات.
تعيش ماتشادو شهر أبريل من كل عام مع «الكثير من الألم والعجز». وقالت: «أريد العدالة، مهما كلف الأمر».
في جنوب نيكاراغوا في جزيرة أوميتيبي، قبض على خوستو رودريغيث، وهو مزارع يبلغ 69 عاما في 2020 بتهمة المشاركة في إحياء الذكرى الثانية للاحتجاجات، وهو أمر ينفيه.
أمضى ثمانية أشهر في السجن حيث مرض. ومنذ إطلاق سراحه، بقي طريح الفراش ويعاني صعوبة في التحدث. وقال: «بعدما أخذوني إلى هناك» إلى السجن «أعادوني في حال صحية سيئة».
وأوضحت فيلما نونييث، رئيسة مركز نيكاراغوا لحقوق الإنسان، وهي إحدى المنظمات المستقلة القليلة التي ما زالت نشطة في البلاد، لا يزال 177 من المعارضين محتجزين، وقد حكم على بعضهم بالسجن لمدة تصل إلى 13 عاما.
وقالت نونييث لوكالة الصحافة الفرنسية إن القمع لم يتوقف، مشيرة إلى «موجة جديدة من الاضطهاد مع عمليات تفتيش وتهديدات وتوقيفات». وأشارت إلى أن ستة موسيقيين ومنتجين موسيقيين على الأقل ينتقدون الحكومة، احتجزوا أخيرا.
أضافت: «هناك شكل آخر من أشكال القمع هو تجريد الأشخاص من جوازات سفرهم حتى لا يتمكنوا من السفر، وإذا كانوا خارج البلاد لا يمكنهم تجديدها، ما يجعلهم في وضع غير قانوني».



أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
TT

أورتيغا وزوجته يشددان قبضتهما على نيكاراغوا

دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)
دانيال أورتيغا يحيي أنصاره في الذكرى الـ43 للثورة الساندينستا في 19 يوليو الماضي (رويترز)

في إطار سعيهما لتعزيز قبضتهما على السلطة، يهاجم رئيس نيكاراغوا دانيال أورتيغا ونائبته وزوجته روزاريو موريو الكنيسة الكاثوليكية، بعدما عملا على سجن أو نفي شخصيات معارضة.
بدأ المقاتل السابق في جبهة التحرير الوطني الساندينية، بدعم قوي من زوجته، بالتأسيس لاستمرارية في السلطة منذ عودته إليها في عام 2007. وسمحت تعديلات دستورية في العامين 2011 و2014 برفع الحظر المفروض على إعادة انتخاب الرئيس، الذي كان منصوصاً عليه سابقاً في الدستور، حسبما تقول عالمة الاجتماع إلفيرا كوادرا التي تعيش في المنفى في كوستاريكا.
وتشير كودارا لوكالة «الصحافة الفرنسية» إلى أن أورتيغا (76 عاماً) «حوّل بذلك شكل الحكومة التي نصّ عليها الدستور» من أجل الانتقال إلى نظام «استبدادي» يضع «صنع القرار المطلق في أيدي الثنائي الرئاسي».
ومنذ القمع الدامي لاحتجاجات عام 2018 التي كانت تُطالب باستقالة الزوجيْن، تمرّ نيكاراغاوا بـ«أزمة مطوّلة لا يمكن تخطّيها» لأن أورتيغا وزوجته «أكّدا استمراريتهما في السلطة خلال انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2021. ومن خلال مأسسة الدولة البوليسية».
وأُعيد انتخاب أورتيغا لولاية رابعة على التوالي خلال انتخابات غاب عنها جميع منافسيه الأقوياء المحتملين، بسبب اعتقالهم أو إرغامهم على العيش في المنفى.
ولطالما دان المجتمع الدولي أفعال النظام في نيكاراغوا. وطالبت منظمة الدول الأميركية، أول من أمس الجمعة، الحكومة في نيكاراغوا بوقف «المضايقات والقيود التعسّفية» بحق المنظمات غير الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات الدينية والمعارضين. وطالبت أيضاً بـ«الإفراج الفوري عن السجناء السياسيين الذين يُقدّر عددهم بنحو 190».
ويعتبر المحلل والنائب السابق في نيكاراغوا إيليسيو نونييز، الذي يعيش هو أيضاً في المنفى، أن جبهة التحرير الوطني الساندينية «تنتقل من موقع الحزب المهيمن إلى موقع الحزب الواحد (...) مع خلق عبادة شخصية لا مثيل لها حالياً في أميركا اللاتينية».
ومنذ عام، تمّ اعتقال 46 معارضاً أو مجرد منتقد للحكومة وحُكم عليهم بالسجن لفترات تصل إلى 13 عاماً. وكان سبعة منهم يريدون الترشّح إلى الرئاسة.
- قمع الإعلام
وكانت وسائل الإعلام أيضاً من الأهداف الأولى للسلطة.
لم تعد صحيفة «لا برينسا» La Prensa، التي كانت تنشر نسخة ورقية، موجودة إلّا على الإنترنت، بعدما اختار صحافيوها المنفى خوفاً من الاعتقال، وذلك عقب مصادرة مقرّها وزجّ مديرها لورينزو هولمان بالسجن.
وأغلقت السلطات أيضاً المحطة التلفزيونية التابعة للكنيسة الكاثوليكية في نيكاراغوا، بالإضافة إلى عدة إذاعات في أبرشيات مختلفة، وعشرات وسائل الإعلام المستقلة.
في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2020. أصدرت نيكاراغوا تشريعاً يستهدف الذين يتلقون أموالاً من الخارج ويفرض تسجيلهم لدى السلطات بصفة «عملاء أجانب». وأثار هذا القانون انتقادات المجتمع الدولي لما يشكله من خطر على الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان.
وبموجب هذا القانون، اعتبرت أكثر من ألف مؤسسة ومنظمة غير حكومية كان بعضها يكرّس عمله للدفاع عن حقوق الإنسان، غير قانونية. وأغلقت جامعات خاصة ومنظمات ثقافية بين عشية وضحاها.
في يوليو (تموز) اضطرت راهبات مجمّع الإرساليات الخيرية الذي أسسته الأم تيريزا، إلى الرحيل من نيكاراغوا، وطُردن كأنّهن «منبوذات»، حسبما قال مركز نيكاراغوا للدفاع عن حقوق الإنسان.
- «كنيسة صامتة»
وتُظهر الكنيسة الكاثوليكية نفسها على أنها آخر معقل يحمي من الإجراءات التعسّفية. لكن الموالين للحكومة يعتبرون الكهنة والأساقفة الذين ينتقدون النظام «أنبياء مزيّفين».
ومنعت الشرطة أسقف ماتاغالبا (شمال شرق) المونسنيور رولاندو ألفاريز من التنقّل، منذ 4 أغسطس (آب)، مما يعكس ذروة الأزمة مع نظام يسعى إلى إسكات رجال الدين في الكنيسة الكاثوليكية المحلية لقمع أصوات المعارضة.
وقال ألفاريز في إحدى عظاته: «لطالما أرادت الحكومة كنيسة صامتة، لا تريدنا أن نتكلّم وأن نندّد بالظلم».