«فارس القمر»... يُمهد للمخرجين والفنانين المصريين نحو العالمية

لقطة من «فارس القمر»
لقطة من «فارس القمر»
TT

«فارس القمر»... يُمهد للمخرجين والفنانين المصريين نحو العالمية

لقطة من «فارس القمر»
لقطة من «فارس القمر»

تجربة عالمية خاضها المخرج محمد دياب من خلال حلقات مسلسل «Moon Knight - فارس القمر»، التي تبث حالياً على منصة «ديزني بلاس»، وحظيت بإشادات واسعة في مختلف أنحاء العالم، ما جعل شبكة «ناشيونال جيوغرافيك»، تكتب عبر حسابها على «فيسبوك»، «أن العمل سافر بالزمن إلى الوراء، بينما نستكشف من خلاله الطرق التي ألهمت بها مصر القديمة (استديوهات مارفل)».
لاقى المسلسل استحساناً كبيراً بالصورة والأجواء المصرية، التي قدمها دياب، بداية بالتتر على أنغام أغنية «بتونس بيك» لوردة، وحضور النيل والمركب والمزمار الصعيدي وصوت بائع العرقسوس، وأغاني نجاة الصغيرة وعبد الحليم حافظ، وصولاً إلى مطربي «المهرجانات»، واستقبلت الحلقة الثالثة التي عرضت الأسبوع الماضي، بحفاوة وتدور أحداثها بالكامل في مصر، وعلق مشاهدون أجانب على إعجابهم برؤية صورة جديدة ومختلفة لمصر، بعيداً عن الصورة النمطية التي اعتادت أن تصدرها الأفلام الأميركية.

المخرج المصري محمد دياب (حسابه على «فيسبوك»)

وشهدت الحلقات التي حملت توقيع المخرج محمد دياب، ظهوراً قوياً للموسيقى والأغاني المصرية، وعلق دياب على ذلك قائلاً: «من المهم أن نظهر كل أشكال فننا والحمد لله، العالم أحب الغناء المصري».
وكانت الحلقة الأولى من المسلسل، التي عرضت في 30 مارس (آذار) الماضي، قد نالت تقييماً مرتفعاً من قبل الجمهور على موقعي «روتن توماتوز»، و«أي إم دي بي»، ليصبح المسلسل هو الأعلى تقييماً بين جميع أعمال «مارفل».
ردود فعل عربية وعالمية تلقاها المخرج المصري، كونه أول مخرج مصري وعربي يقدم عملاً لـ«مارفل» من إنتاج «ديزني»، ما اعتبره البعض إشارة إلى فتح الباب أمام صناع السينما المصرية والعربية للمشاركة في أعمال أخرى مقبلة، ووصف سينمائيون هذه الخطوة غير المسبوقة، بأنها إنجاز كبير حققه.
واستعان دياب بفريق عمل مصري، ضم 11 فناناً، في مقدمتهم المونتير أحمد حافظ، الذي أنتج الحلقتين الثالثة والرابعة. وأكد دياب عبر صفحته على «فيسبوك»، أن «(مارفل) انبهرت بما أنجزه حافظ، وأن كيفن فايجي، رئيس (مارفل)، شكره على هذا الاختيار، وضم فريق العمل كذلك الموسيقار هشام نزيه، إلى جانب مهندس الديكور علي حسام، ومصممة الملابس ريم العدل، إضافة لبعض الممثلين المصريين».
المسلسل الذي يتكون من ست حلقات، ويعرض بواقع حلقة كل أسبوع (مدة كل حلقة من 40 إلى 50 دقيقة)، من إخراج جاستن بنسون، وأرون موهيد، وجورج كلوني، فيما يخرج محمد دياب أربع حلقات منه.
ووصفت مواقع عالمية «فارس القمر» بالمشروع الأكثر رعباً في تاريخ أعمال «مارفل»، إذ تظهر من خلاله شخصية جديدة لأول مرة هي شخصية البطل الخارق «فارس القمر»، وتدور الأحداث حول أحد جنود المشاة البحرية الأميركية السابق، الذي يبدو كأنه يعاني من بعض الاضطرابات، ومن ثَم يكتسب بعض القوى الخارقة من إله القمر المصري.

لقطة من مسلسل «فارس القمر»

وعبّر المخرج عمرو سلامة عن سعادته بهذه الخطوة، التي يحققها محمد دياب، ووصفها بأنها تماثل تجربة النجم عمر الشريف في السينما العالمية، مؤكداً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «بعد أكثر من مائة سنة سينما، لأول مرة مخرج مصري يشارك في مشروع عالمي بهذا الحجم، أمر يعد نقلة مهمة للسينما المصرية، وبداية لاكتشاف مواهب مصرية عالمياً، وقد سعدت بالحلقات التي شاهدتها، والتي تتمتع بحرفية عالية ومستوى عال من الجودة، لا يقل بأي حال عن أي مخرج أميركي. وشعرت بفخر كبير ليس فقط لدياب والعناصر المشاركة، بل أيضاً لتفوقهم بشكل شهد له الجمهور الأجنبي».
وأشار سلامة إلى أنه يحسب لدياب عدم ذهابه بمفرده في هذه التجربة، بل استعان بأكبر عدد من الموهوبين المصريين، وحقق لمصر تمثيلاً مشرفاً في مشروع عالمي بهذا الحجم، منوهاً بأن تأخر التراخيص تسبب في عدم التصوير داخل مصر، متمنياً أن نستغل هذا الإنجاز في الدفع بمواهب مماثلة إلى هوليوود.
وقبل تجربته الأهم في المسلسل الأميركي، أخرج محمد دياب المولود في مكة، بالمملكة العربية السعودية، عام 1977، عدداً من الأفلام المصرية التي لفتت الانتباه وكانت مختلفة، بدءاً من فيلمه الأول «678»، ثم «أحلام حقيقية»، و«الجزيرة»، و«بدل فاقد»، و«ألف مبروك»،
و«اشتباك» الذي عرض بمسابقة «نظرة ما» في مهرجان كان 2016. وعقب هذا الفيلم أصبح لدياب وكيلة لأعماله في هوليوود، حيث تلقى عرضاً لإخراج فيلم من بطولة توم هانكس، غير أنه لم يتحمس لموضوعه، وبعد ذلك جاء فيلمه الأخير «أميرة»، الذي أثار جدلاً كبيراً، وتوقف عرضه بسبب اعتراضات فلسطينية.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».