توصيل البضائع عبر الفضاء... حلم يقترب من التحقيق

عبوات تحمل رزماً بريدية إلى مختلف بقاع الأرض

مهندس في شركة «إنفرجن سبيس» يهبط بالمظلة مراقباً هبوط العبوة بمظلتها إلى الأرض
مهندس في شركة «إنفرجن سبيس» يهبط بالمظلة مراقباً هبوط العبوة بمظلتها إلى الأرض
TT

توصيل البضائع عبر الفضاء... حلم يقترب من التحقيق

مهندس في شركة «إنفرجن سبيس» يهبط بالمظلة مراقباً هبوط العبوة بمظلتها إلى الأرض
مهندس في شركة «إنفرجن سبيس» يهبط بالمظلة مراقباً هبوط العبوة بمظلتها إلى الأرض

أعلنت طائرة مروحية متواضعة حلقت فوق ممر جوي ناءٍ خلف جبال سانتا آنا انطلاق مهمة تحويل الفضاء إلى الممر التالي للتوصيلات السريعة.
وبعد شروق الشمس في يوم سبت غير بعيد، رمى مهندسٌ من شركة «إنفرجن سبيس» الناشئة التي تأسست قبل أقل من عام، عبوة تشبه صحناً صغيراً من باب طائرة تحلق على ارتفاع ثلاثة آلاف قدم. تقلبت العبوة (قطرها 20 بوصة) لبضع ثوانٍ في الهواء قبل أن تنفتح مظلة هوائية وتعمد إلى إنزال رزمة بهدوء.
قال جاستن فياشيتي، 23 عاماً، الرئيس التنفيذي في «إنفرجن سبيس» الذي راقب المظلة بقلق بواسطة العين الفاحصة لكاميرا مزودة بعدسة طويلة: «لقد كان أداء المظلة بطيئاً».
عبوات بضائع
بدا هذا التمرين وكأنه عمل مجموعة من الهواة المتحمسين لعلم الصواريخ، ولكنه في الحقيقة كان اختباراً لشيء رائع. تعمل «إنفرجن» على بناء عبوات تدور حول الأرض مهمتها نقل البضائع إلى أي مكان في العالم عبر الفضاء الخارجي. ولتحقيق هذا الأمر، تخطط «إنفرجن» لعبور عبوتها في غلاف الأرض الجوي بسرعة أكبر بخمسٍ وعشرين مرة من سرعة الصوت، ما يحتم استخدام مظلة لضمان هبوط هادئ وبضائع سليمة.
تراهن الشركة على أنه ومع استمرار انخفاض تكلفة الطيران إلى الفضاء، لن ترغب الشركات والوكالات الحكومية بإرسال الأشياء إلى المدار فحسب، بل ستسعى إلى جلب الأشياء من هناك إلى الأرض أيضاً.
تسعى «إنفرجن» لتطوير عبوة بقطر 4 أقدام (1.2 متر) لحمل بضائع بحجم بضع حقائب سفر صغيرة بحلول 2025 وبعد وصولها إلى المدار، تأمل الشركة أن تستطيع العبوة قيادة نفسها إلى محطة فضائية تجارية خاصة أو البقاء في المدار مزودة بالألواح الشمسية حتى استدعائها إلى الأرض. وعندما يحين وقت عودتها، ستكون العبوة قادرة على ترك المدار والدخول من جديد إلى الغلاف الجوي.
في هذه المرحلة، ستفتح العبوة مظلة لإبطاء نزولها وهبوطها في حيز شعاع لا يتخطى بضعة أمتارٍ من موقعها المستهدف. وتخطط الشركة أيضاً لتحضير عرض تجريبي لعبوة بقطر 20 بوصة بحلول 2023.

 نموذج للعبوة

مستودعات فضائية
إذا نجحت «إنفرجن» في تنفيذ خططها، فيمكننا أن نتخيل مئات أو آلاف المحتويات التي تطوف في الفضاء بعد خمس سنوات من اليوم – أي ما يشبه مستوعبات بعيدة للتخزين.
يتخيل مؤسسو الشركة أن تصبح هذه العبوات قادرة على تخزين أعضاء صناعية وتوصيلها إلى غرف العمليات خلال بضع ساعات أو لعب دور مستشفيات ميدانية تطوف في المدار يمكن إرسالها إلى مناطق نائية في جميع أنحاء الكوكب. ويوماً ما، يمكن لطريق مختصر في الفضاء أن يتيح توصيلات سريعة بشكلٍ غير مسبوق - كتوصيل بيتزا نيويوركية إلى سان فرنسيسكو في 25 دقيقة مثلاً.
يعتقد مؤسسو «إنفرجن» أن ما يبدو حلماً اليوم قد يصبح واقعاً مع انخفاض تكاليف الإطلاقات الفضائية التي تبدأ اليوم من مليون دولار (وترتفع بحسب الوزن) والنجاح في الوصول إلى الفضاء على متن صاروخ «سبيس إكس». ولكن الشركة رفضت تقديم تقدير لتكلفة تطوير كبسولتها.
واعتبر ماثيو سي. واينزيرل، أستاذ في كلية التجارة في جامعة هارفارد الذي نشر أخيراً بحثاً عن الإمكانات الاقتصادية للفضاء، أن «العقبة الكبيرة الذي يحاول الجميع في هذا المجال تجاوزها هي أن تكلفة الإطلاق الحالية تحول دون ازدياد الطلب على القيام بالمزيد من الأمور في الفضاء». تعتبر الأقمار الصناعية التي تبقى في الفضاء الحمولة الأساسية للصواريخ اليوم لا سيما أن المركبات التي تنقل بشراً أو تجارب علمية كبيرة جداً وتصل تكلفتها إلى حوالي 100 مليون دولار، فضلاً عن أنها تتوافق غالباً مع صاروخ محدد. في المقابل، كشفت «إنفرجن» أنها صممت عبوة صغيرة لتناسب أي صاروخ تجاري لضمان استمرار وتواتر رحلاتها إلى الفضاء بتكلفة منخفضة. إن ما تحاول هذه الشركة الناشئة فعله ليس سهلاً، إذ إن تصميم المركبة للدخول من جديد إلى غلاف الأرض الجوي يُعد تحدياً هندسياً مختلفاً عن إرسال الأشياء إلى الفضاء. عندما تدخل العبوة إلى الغلاف الجوي من الفضاء، فإنها تنحدر بسرعات هائلة إلى درجة تعرضها لخطر الاحتراق – الأمر الذي يشكل تهديداً كبيراً للمسافرين البشر والبضائع المحمولة على حد سواء.
في هذا السياق، كشفت «إنفرجن» أنها استخدمت مواد أقل انعكاسية لصناعة هذه العبوات بهدف تخفيف التلوث البصري، وأن كبسولتها ستكون مجهزة بأنظمة تساعدها على تجنب النفايات الفضائية والارتطامات في المدار.
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

علوم النموذج تم تطويره باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء ينتجون «نموذج جنين بشري» في المختبر

أنتجت مجموعة من العلماء هيكلاً يشبه إلى حد كبير الجنين البشري، وذلك في المختبر، دون استخدام حيوانات منوية أو بويضات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم الهياكل الشبيهة بالأجنة البشرية تم إنشاؤها في المختبر باستخدام الخلايا الجذعية (أرشيف - رويترز)

علماء يطورون «نماذج أجنة بشرية» في المختبر

قال فريق من الباحثين في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إنهم ابتكروا أول هياكل صناعية في العالم شبيهة بالأجنة البشرية باستخدام الخلايا الجذعية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

علماء يتمكنون من جمع حمض نووي بشري من الهواء والرمال والمياه

تمكنت مجموعة من العلماء من جمع وتحليل الحمض النووي البشري من الهواء في غرفة مزدحمة ومن آثار الأقدام على رمال الشواطئ ومياه المحيطات والأنهار.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
علوم صورة لنموذج يمثل إنسان «نياندرتال» معروضاً في «المتحف الوطني لعصور ما قبل التاريخ» بفرنسا (أ.ف.ب)

دراسة: شكل أنف البشر حالياً تأثر بجينات إنسان «نياندرتال»

أظهرت دراسة جديدة أن شكل أنف الإنسان الحديث قد يكون تأثر جزئياً بالجينات الموروثة من إنسان «نياندرتال».

«الشرق الأوسط» (لندن)
علوم دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

دراسة تطرح نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات

توصلت دراسة جديدة إلى نظرية جديدة بشأن كيفية نشأة القارات على كوكب الأرض مشيرة إلى أن نظرية «تبلور العقيق المعدني» الشهيرة تعتبر تفسيراً بعيد الاحتمال للغاية.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ألياف طبيعية تعزز كفاءة تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة

الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
TT

ألياف طبيعية تعزز كفاءة تقنيات تحلية المياه بتكلفة منخفضة

الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)
الألياف الطبيعية المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية تُعتبر بديلاً منخفض التكلفة وقابلًا للتحلل الحيوي (الدكتور محمد عجيزة)

تُشكل ندرة المياه العذبة تحدياً عالمياً زائداً، خصوصاً في المناطق الجافة التي تشهد استنزافاً سريعاً لمواردها المحدودة. كما يزيد النمو السكاني والتطور الاقتصادي من حدة المشكلة، حيث يرفعان الطلب على المياه لأغراض الشرب والزراعة والصناعة؛ مما يهدد الصحة العامة والأمن الغذائي.

وتعتمد الطرق التقليدية لتحلية المياه على الطاقة بشكل مكثف ولها آثار بيئية سلبية، بينما تعد تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية حلاً واعداً لمعالجة ندرة المياه والعمل المناخي، حيث تستفيد من الطاقة الشمسية المتجددة. وعلى الرغم من أن أنظمة «المقطرات» الشمسية لتحلية المياه تعد طريقة مستدامة، فإنها تواجه تحديات مثل الكفاءة المنخفضة التي تتراوح بين 30 و40 في المائة، ومعدلات إنتاج منخفضة للمياه العذبة، بالإضافة إلى التلوث البيئي الناجم عن استخدام مواد تقليدية، مثل المواد ذات التغير الطوري.

ألياف طبيعية

واستعرضت دراسة مرجعية أجراها باحثون مصريون، إمكانية استخدام الألياف الطبيعية بوصفها وسيلة مستدامة لتعزيز أداء الأنظمة الشمسية لتحلية المياه. وتتميز الألياف الطبيعية، المستخلصة من مصادر نباتية وحيوانية متاحة في المناطق النائية، بكونها بديلاً منخفض التكلفة، وقابلة للتحلل الحيوي، ومتعددة الاستخدامات.

ووفق النتائج المنشورة بعدد نوفمبر (تشرين الثاني) بدورية (Solar Energy)، يمكن للألياف الطبيعية مثل القطن، وقش الأرز، وألياف شجرة الموز، ونبات السيزال، وقش الخيزران، تحسين الأداء من خلال توفير الهيكل المسامي من أجل ترشيح المياه، وإزالة الشوائب، وتعزيز نقل الحرارة.

يقول الدكتور محمد عجيزة، الباحث الرئيسي للدراسة بقسم الهندسة الميكانيكية في جامعة كفر الشيخ، إن الألياف الطبيعية توفر حلاً مستداماً لتحسين كفاءة تحلية المياه بالطاقة الشمسية مع تقليل الأثر البيئي، لأنها تتميز بالتحلل البيولوجي، ما يجعلها خياراً جذاباً لتعزيز كفاءة الأنظمة الشمسية في المناطق التي تفتقر إلى الموارد.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن الألياف الطبيعية توفر امتصاصاً عالياً للإشعاع الشمسي؛ مما يُحسّن الاحتفاظ بالحرارة ويزيد معدلات التبخر، كما تعزز الكفاءة الحرارية والعزل وتقلل الفاقد الحراري؛ مما يزيد من كفاءة التكثيف بفضل مساحتها السطحية الكبيرة، فيما تُسهّل خصائصها نقل المقطر الشمسي، وتوزيعه في المناطق النائية، حيث تقلل من الوزن الإجمالي له.

تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية تعد حلا ًواعداً لمعالجة ندرة المياه والعمل المناخي (جامعة واترلو)

تقييم الأداء

أثبتت الدراسة أن الألياف الطبيعية تتمتع بقدرة استثنائية على امتصاص المياه تصل إلى 234 في المائة، بالإضافة إلى خصائصها الحرارية المميزة؛ مما يتيح استخدامها بوصفها مواد عازلة أو ممتصة أو موصلة للحرارة في الأنظمة الشمسية. ويسهم ذلك في تحسين عمليات التبخير والتكثيف. وتعمل هذه الألياف على تعزيز نقل الحرارة وتقليل فقد الطاقة؛ مما يؤدي إلى تحسين الكفاءة بنسبة 15 في المائة. كما وجد الباحثون أن هذه الألياف أثبتت قدرتها على زيادة إنتاجية المياه العذبة بشكل ملحوظ، حيث حققت زيادة تصل إلى 123.5 في المائة مع قشور الجوز الأسود، و126.67 في المائة مع مزيج من ألياف النباتات التي تنمو في البرك والمستنقعات وألياف السيزال.

وبالمقارنة مع المقطرات التقليدية، حققت بعض الألياف زيادة ملحوظة في إنتاج المياه العذبة، مثل نشارة الخشب وقش الأرز (62 في المائة)، واللوف الأسود (77.62 في المائة)، وألياف السيزال (102.7 في المائة)، والقماش القطني (53.12 في المائة)، وألياف النخيل (44.50 في المائة)، وألياف الكتان (39.6 في المائة).

وحددت الدراسة أبرز مميزات التوسع في استخدام الألياف الطبيعية في تقنيات تحلية المياه بالطاقة الشمسية، مثل وفرة الموارد الشمسية والمساحات الواسعة لتركيب الأنظمة، بالإضافة لكون الألياف خياراً مستداماً. كما تدعم زيادة استنزاف الموارد المائية العالمية، ونمو السكان، وزيادة الوعي بتغير المناخ الحاجة الملحة لهذه التكنولوجيا.

في المقابل، أشار الباحثون إلى تحديات تواجه هذه التقنيات، منها قلة الاستثمارات في الطاقة المتجددة، والوعي المحدود بفوائد أنظمة التحلية الشمسية، بالإضافة إلى قلة الانتشار والعوائق التجارية مقارنة بالتقنيات التقليدية، والاختلافات في سياسات الطاقة بين الدول، ما يؤثر على إمكانية توسيع نطاق استخدامها.

وأوصى الباحثون بإجراء مزيد من الأبحاث لتحسين تركيبات الألياف الطبيعية، واستكشاف بدائل قابلة للتحلل الحيوي لتقليل الأثر البيئي. وأكدوا أهمية إجراء تقييمات شاملة لتقنيات التحلية الشمسية لتحقيق أقصى تأثير ممكن وتلبية الاحتياجات الزائدة للمياه بشكل مستدام؛ مما يسهم في دعم الأمن المائي، وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.