بحلول عام 2018، كانت جميع استوديوهات هوليوود المنتمية للعصر الذهبي قد تعرضت للغزو من جانب قوى خارجية. على سبيل المثال، عانت شركة «مترو غولدن ماير» لسنوات ما بين ملاكها المتخبطين على امتداد عقود، ولم تتعاف قط من هذه الأزمات. أما «كولومبيا بيكتشرز»، فبيعت لشركة «كوكا كولا» عام 1982، ثم بيعت إلى «سوني» عام 1989، وواجهت «يونيفرسال» خمس عمليات استحواذ خارجية في غضون 21 عاماً. وفي السياق ذاته، جرّدت «باراماونت بيكتشرز» من نقاط قوتها سعياً للحصول على المال على يد رجل الأعمال سمنر ريدستون.
وبذلك، وقفت «وارنر براذرز» وحدها باعتبارها قلعة هوليوود الحصينة لصانعي الأفلام ويتولى إدارتها مسؤولون تنفيذيون على دراية مؤسسية كبيرة بهوليوود.
وبعد ذلك، اقتحمت «إيه تي آند تي» المدينة.
كانت شركة الهاتف العملاقة في تكساس قد استحوذت على «وارنر بروس» في يونيو (حزيران) 2018 في إطار محاولة «لإقرار توجه جديد حيال كيفية عمل مؤسسات الإعلام والترفيه»، حسبما أفاد راندال إل. ستيفنسون، الرئيس التنفيذي لشركة «إيه تي آند تي» في ذلك الوقت. وفي إطار جهودها لبناء خدمة بث على غرار «نتفليكس»، شرعت «إيه تي آند تي» بتقليص وحرق صفوف العاملين في «وارنر بروس»، مع تعيين قيادات ليس لديها خبرة تذكر بهوليوود. وخفضت الإدارة الجديدة التكاليف، وفاجأت النجوم بقرارات جديدة بمجال التوزيع ودفعوا «وارنر بروس» للتصرف كما لو كانت شركة تكنولوجية، وليس شركة تعمل بمجال الترفيه، في الوقت الذي هلل البعض لذلك باعتبار هذا هو المستقبل!
من جهته، قال روبرت إيه. دالي، الذي تولى مسؤولية إدارة «وارنر براذرز» في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي، في تصريحات أدلى بها الجمعة «إن موظفي الهاتف لم يكن لديهم فهم لطبيعة هوليوود ـ وليس لديهم شغف بالأفلام. إنه الخطأ نفسه الذي يرتكبه الغرباء دوماً. إن هذا عمل بمجال الترفيه، لكنهم ينسون ذلك دائماً». جدير بالذكر هنا، أن «إيه تي آند تي» سلمت، الجمعة، «وارنر براذرز» لشركة «ديسكفري إنك». في إطار صفقة اندماج بقيمة 43 مليار دولار.
الواضح أن استديو الأفلام البالغ من العمر 99 عاماً، موطن «هاري بوتر» و«باتمان» و«باغز باني»، سوف يتخذ الآن منحى مختلفاً - مرة أخرى نحو مكانه التقليدي الجميل كشركة ترفيه، أو على الأقل حسبما تعهد قطب هوليوود الجديد. ومن المقرر أن يتولى ديفيد زاسلاف، الرئيس التنفيذي لشركة «ديسكفري»، إدارة الشركة الجديدة، التي تحمل اسماً لا يخلو من رمزية «وارنر براذرز ديسكفري».
ديفيد زاسلاف تولى إدارة الشركة الجديدة «وارنر براذرز ديسكفري» (أ.ب)
في الوقت نفسه، فإن ديفيد زاسلاف استحوذ على «وودلاند» وهو عقار في بيفرلي هيلز، حيث عاش روبرت إيفانز، أسطورة الأعمال التجارية، لعقود. واشتهر إيفانز بقيادة إعادة تخليق إبداعية في باراماونت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، عندما قدم انتصارات محددة للعصر مثل «العراب» و«الحي الصيني».
من ناحيته، قال زاسلاف عند الإعلان عن عملية الاستحواذ «النجاح يتعلق بالموهبة الإبداعية، أمام الشاشة وخلف الشاشة، والنضال من أجل خلق ثقافة تدعم هذه الرؤية الإبداعية». وعلى امتداد الجزء الأكبر من العام الماضي، كان يتحدث بحماسة عن إرث الاستوديو الثري، وأشاد مراراً بجاك وهاري وسام وألبرت وارنر، «الإخوة الذين بدأوا كل شيء».
كما تحدث زاسلاف، الجمعة، عن تطلعه نحو «الحلم الكبير والجريء»، وذلك عبر رسالة بعث بها عبر البريد الإلكتروني إلى الموظفين الجدد. وأعلنت مسؤولة تنفيذية في الاستوديو عن فرحتها العارمة وقالت «لقد عادت هوليوود». ومع ذلك، يبقى هناك آخرون ليسوا على الدرجة ذاتها من الثقة. رغم أن زاسلاف يمكن اعتباره بسهولة واحداً من العناصر الداخلية الفاعلة في صناعة الترفيه بالنظر إلى أنه تولى إدارة «ديسكفري»، شركة تلفزيون الكابل العملاقة، طوال 15 عاماً وعمل لدى شركة «إن بي سي يو» قبل ذلك، فإنه لا يتمتع بخبرة كبيرة بمجال الأفلام.
في الوقت نفسه، فإن عملية الاندماج تصاحبه ديون هائلة - قرابة 55 مليار دولار - سيتعين سدادها، حتى في وقت يشهد ارتفاعاً في تكاليف إنتاج المحتوى. المؤكد أن زاسلاف سيحتاج إلى اتخاذ قرارات بخصوص كيفية تخصيص الموارد. ومن الأسئلة الصعبة التي سيتعين عليه الرد عليها: ما مقدار الأموال التي يجب إنفاقها على إنتاج وتسويق الأفلام؟ إلى أي درجة يجب أن يصنع الاستوديو لإصدارها حصراً في دور السينما؟ هل يجب أن يتحول التركيز أكثر نحو توفير الأفلام لـ«إتش بي أو ماكس»، خدمة البث المباشر التابعة للشركة؟
جدير بالذكر هنا، أنه في ظل قيادة سارنوف، خفضت شركة «وارنر بروس» إنتاجها السنوي الموجه لدور العرض بمقدار النصف، في الوقت الذي بنت خط تجميع يطرح الأعمال لخدمة البث مباشرة. وعن هذا، علق أحد منتجي الأفلام على صلة بالشركة «لقد ولت الأيام الخوالي إلى الأبد».
الملاحظ، أن هوليوود ككل يسودها شعور مشابه، ففي لحظة يسود التفاؤل حيال المستقبل، وفي لحظة أخرى تكون الغلبة للتشاؤم. يذكر أن «فيلم سونيك ذي هيدجهوج2» 71 مليون دولار داخل أميركا الشمالية. ويعد الفيلم أكبر إنتاج لشركة «باراماونت» منذ عام 2014، في الوقت الذي أضاف «ذي باتمان» (من إنتاج «وارنر بروس») 6.5 مليون دولار إلى إيراداته التي بلغت 359 مليون دولار منذ طرحه في دور العرض 4 مارس (آذار).
في الوقت ذاته، تعرض مايكل باي، أحد أبرز مخرجي هوليوود، لفشل كبير خلال عطلة نهاية الأسبوع، وذلك مع تحقيق فيلمه المنتمي لفئة الإثارة والجريمة، «عربة الإسعاف» (أمبيولانس)، من إنتاج «يونيفرسال»، إيرادات بلغت 8.7 مليون دولار فقط. ومن بين الإخفاقات الأخرى «موربيوس»، من إنتاج «سوني»، والذي انهار خلال ثاني عطلة نهاية الأسبوع، بتحقيقه إيرادات 10.2 مليون دولار في الولايات المتحدة وكندا، بتراجع بلغ 74 في المائة.
ويشبّه بعض المحللين مستقبل دور السينما بمستقبل برودواي، التي لا تزال على قيد الحياة، لكنها تراجعت إلى ركن من أركان الثقافة. وعن ذلك، كتب دوج كروتز في 25 مارس، أن «الجائحة تسببت في حدوث تحول طوري في أنماط استهلاك الأفلام مع انتقال الجماهير بحسم نحو تفضيل خدمات البث على تجربة دور العرض».
* خدمة «نيويورك تايمز»

