«المسحراتي» في لبنان... معاناته تتراوح بين غلاء الوقود وانقطاع الكهرباء

المسحراتي محمد الغزاوي كوّن فريقاً يعزف على الطبل كي يوقظ الصائمين (الشرق الأوسط)
المسحراتي محمد الغزاوي كوّن فريقاً يعزف على الطبل كي يوقظ الصائمين (الشرق الأوسط)
TT

«المسحراتي» في لبنان... معاناته تتراوح بين غلاء الوقود وانقطاع الكهرباء

المسحراتي محمد الغزاوي كوّن فريقاً يعزف على الطبل كي يوقظ الصائمين (الشرق الأوسط)
المسحراتي محمد الغزاوي كوّن فريقاً يعزف على الطبل كي يوقظ الصائمين (الشرق الأوسط)

عندما تحاول أن تسأل عن وضع المسحراتي في شهر رمضان الفضيل، فإنك بالكاد تجد من يمارس هذه المهنة. ففي ظل أوضاع صعبة يعيشها كغيره من اللبنانيين، يتراجع عدد المسحراتية؛ خصوصاً أن مشكلات كثيرة تواجههم.
فهذه المهنة باتت تتطلب التنقل بين الأحياء بواسطة السيارة، بسبب المساحات الواسعة التي يغطيها المسحراتية بعد أن قلت أعدادهم؛ لكن السيارة أصبحت وسيلة غير متاحة في ظل ارتفاع أسعار الوقود. كما أن تجول المسحراتي سيراً على الأقدام، بات محفوفاً بالخطر في ظل انقطاع التيار الكهربائي. فصاحب هذه المهنة يخاف أن يخونه بصره في العتمة، فيقع أرضاً، ويتعرض لكسر في قدمه أو يده. ومن ناحية ثانية صار المردود المادي على أصحاب المهنة من خلال عيدية يتكرم بها سكان الأحياء، قيمتها قليلة جداً، نسبة إلى أيام خلت.
وفي هذه المناسبة، سألنا المسحراتي محمد الغزاوي في منطقة عبرا الساحلية عن المشكلات التي تواجهه، فقال: «هناك مشكلات عديدة تواجهنا، إذ قلة قليلة من الأشخاص لا يزالون يمارسون هذا العمل، وهو ما يضطرني مثلاً إلى زيارة أكثر من 5 أحياء في الليلة الواحدة». ويتابع الغزاوي في سياق حديثه: «كنت في الماضي أتنقل سيراً على الأقدام، ولكن عندما كبرت أعداد البيوت التي أجول على الصائمين فيها، صرت أستخدم سيارتي. ولكنني اليوم لجأت إلى الدراجة النارية؛ لأن مصروفها للوقود معقول في ظل أسعار المحروقات».

عملية التدريس لعدد من العلوم التي كانت الشائعة في ما مضى (الشرق الأوسط)

 

يمارس محمد مهنته على الأصول، فيرافقه أحياناً بعض العازفين على الطبل والرق لاستجلاب سمع أكبر عدد من الصائمين. يجتمع هؤلاء عند مفترق حي ما، وينطلقون في جولتهم وهم ينشدون: «اصحوا يا عباد الله، وحدوا الله، قوموا إلى طاعة الله، يا نائمين وحدوا الله. رمضان كريم».
وفي ظل انقطاع التيار الكهربائي عن مدينة عبرا كغيرها من المناطق في لبنان، اضطر محمد أن يعود إلى فانوس قديم يملكه منذ أيام والده. ويوضح: «من المخيف التجول سيراً على الأقدام في ظل عتمة تامة. حالياً، صرت أحمل معي الفانوس كي أضيء طريقي، وهو عزيز على قلبي؛ لأن والدي كان يستخدمه من قبلي، وهو يعمل على مادة (الكاز). مرات يرافقني بعض الأصدقاء، كجوقة تتلو الأناشيد فيؤنسونني. وهم أيضاً يحملون فوانيس من نوع آخر، تعمل على البطارية. فمن يرغب في ممارسة هذه المهنة، عليه أن يجتهد كي يتدبر أمره، فلا يكل ولا يمل».
5 أحياء يتنقل بينها محمد الغزاوي في بلدة عبرا الجنوبية، وهو يتلو أسماء سكان عماراتها الواحدة تلو الأخرى. ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «عندك أحياء جامعة اليسوعية، والتلة البيضاء، ومجمع الملاح، ومفرق اليسوعية، وشارع ميني ماركت سناء، جميعها أجول فيها مساء كل يوم».
وتبدأ جولات محمد في الواحدة والنصف بعد منتصف الليل لتنتهي عند الثالثة فجراً.
«حاولت في أول أيام الشهر الفضيل أن أتنقل بسيارتي؛ لكن الكلفة كانت مرتفعة. ثم حاولت أن أقوم بالمهمة سيراً على الأقدام فشعرت بالتعب والخوف، في ظل وجود حاويات نفايات مكتظة وفي ظلام تام، فإن الحيوانات تسكنها كالهررة والجرذان؛ لا سيما أن التيار مقطوع. فهي تصيب المارة بالهلع عندما تقفز أمامهم فجأة. كما أن التجول بين هذه الأحياء الخمسة يستغرق وقتاً طويلاً، لذلك قررت استخدام (الموتورسيكل)».
يعرف محمد أسماء العائلات التي تسكن الأحياء الخمسة التي يزورها، حتى أنه ينادي بأسمائهم: «إنهم يتفاعلون معي ويستيقظون ويلوحون لي من شرفات منازلهم. عادة ما يصحون ويتناولون بعض الطعام، ومن ثم ينصرفون إلى الصلاة بعدها، أي نحو الخامسة فجراً».
وخبرنا محمد كيف قرر ممارسة هذه المهنة الآيلة إلى الزوال: «كنت أتحدث مع عمي عندما سمعت أحد المسحراتية يطرق على (تنكة)، لإيقاظ المؤمنين، فاستفزني الموضوع لأن الضرب على (التنك) لا يليق بهذا الشهر الكريم. تقدمت إلى دار الوقف في صيدا، وطلبت ترخيصاً يسمح لي بأن أمارس مهنة المسحراتي. وعندما سألوني مستفسرين عن الأسباب التي تدفعني للقيام بهذه المهمة، شرحت لهم وجهة نظري، مؤكداً أني أرغب في ممارستها على الأصول، وبما يرضي رب العالمين».
يحدثك محمد عن العيدية التي عادة ما يتلقاها المسحراتي من سكان الأحياء على أبواب نهاية شهر الصوم المبارك: «في الماضي كانت الناس مرتاحة مادياً، تحضّر لنا العيدية قبل وقت من انتهاء شهر رمضان. لا يزال اليوم كثيرون منهم يكرموننا بعيدية؛ لكن المبالغ بقيت هي نفسها». يوضح: «يعني من كان يعيدني بمبلغ 10 أو 20 ألف ليرة في الماضي، لا يزال يدفعها لي اليوم. لكن قيمة هذه المبالغ تدنت كثيراً بسبب الانهيار الاقتصادي الذي نشهده، ولم تعد تفي بالمطلوب». ويختم: «لا يهمني هذا الموضوع بقدر ما تهمني ممارسة هذه المهنة حتى نفسي الأخير. فأهل بلدة عبرا كرماء ولا يقصرون تجاهي، والأهم أن يبقى هذا التقليد، فيصحون من أجل الصلاة وإرضاء رب العالمين».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
TT

أجواء احتفالية في مصر ابتهاجاً بعيد الفطر

زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)
زحام لافت في ساحات المساجد خلال تأدية صلاة العيد (وزارة الأوقاف المصرية)

سادت أجواء البهجة منذ الساعات الأولى من صباح أول أيام عيد الفطر في مصر، حيث احتشد المصلون من مختلف الأعمار في ساحات المساجد، وسط تكبيرات العيد التي ترددت أصداؤها في المحافظات المختلفة.
وشهدت ساحات المساجد زحاماً لافتاً، مما أدى إلى تكدس المرور في كثير من الميادين، والمناطق المحيطة بالمساجد الكبرى بالقاهرة مثل مسجد الإمام الحسين، ومسجد عمرو بن العاص، ومسجد السيدة نفيسة، ومسجد السيدة زينب، وكذلك شهدت ميادين عدد من المحافظات الأخرى زحاماً لافتاً مع صباح يوم العيد مثل ساحة مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية.
وتبدأ مع صلاة العيد أولى مباهج الاحتفالات عبر «إسعاد الأطفال»، وفق ما تقول ياسمين مدحت (32 عاماً) من سكان محافظة الجيزة (غرب القاهرة). مضيفةً أن «صلاة العيد في حد ذاتها تعد احتفالاً يشارك الأهالي في صناعة بهجته، وفي كل عام تزداد مساحة مشاركة المصلين بشكل تطوعي في توزيع البالونات على الأطفال، وكذلك توزيع أكياس صغيرة تضم قطع حلوى أو عيدية رمزية تعادل خمسة جنيهات، وهي تفاصيل كانت منتشرة في صلاة العيد هذا العام بشكل لافت»، كما تقول في حديثها مع «الشرق الأوسط».

بالونات ومشاهد احتفالية في صباح عيد الفطر (وزارة الأوقاف المصرية) 
ويتحدث أحمد عبد المحسن (36 عاماً) من محافظة القاهرة، عن تمرير الميكروفون في صلاة العيد بين المُصلين والأطفال لترديد تكبيرات العيد، في طقس يصفه بـ«المبهج»، ويقول في حديثه مع «الشرق الأوسط» إن «الزحام والأعداد الغفيرة من المصلين امتدت إلى الشوارع الجانبية حول مسجد أبو بكر الصديق بمنطقة (مصر الجديدة)، ورغم أن الزحام الشديد أعاق البعض عند مغادرة الساحة بعد الصلاة بشكل كبير، فإن أجواء العيد لها بهجتها الخاصة التي افتقدناها في السنوات الأخيرة لا سيما في سنوات (كورونا)».
ولم تغب المزارات المعتادة عن قائمة اهتمام المصريين خلال العيد، إذ استقطبت الحدائق العامة، ولعل أبرزها حديقة الحيوان بالجيزة (الأكبر في البلاد)، التي وصل عدد الزائرين بها خلال الساعات الأولى من صباح أول أيام العيد إلى ما يتجاوز 20 ألف زائر، حسبما أفاد، محمد رجائي رئيس الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، في تصريحات صحافية.
ويبلغ سعر تذكرة حديقة الحيوان خمسة جنيهات، وهو مبلغ رمزي يجعل منها نزهة ميسورة لعدد كبير من العائلات في مصر. ومن المنتظر أن ترتفع قيمة التذكرة مع الانتهاء من عملية التطوير التي ستشهدها الحديقة خلال الفترة المقبلة، التي يعود تأسيسها إلى عام 1891، وتعد من بين أكبر حدائق الحيوان في منطقة الشرق الأوسط من حيث المساحة، حيث تقع على نحو 80 فداناً.