للمرة الأولى في تاريخها... حرم لـ«الجامعة الأميركية» خارج لبنان

من اليمين الدكتور فضلو خوري، مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون التعليم والثقافة لي ساترفيلد، الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، وعمدة بافوس فيدوناس فيدونوس
من اليمين الدكتور فضلو خوري، مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون التعليم والثقافة لي ساترفيلد، الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، وعمدة بافوس فيدوناس فيدونوس
TT

للمرة الأولى في تاريخها... حرم لـ«الجامعة الأميركية» خارج لبنان

من اليمين الدكتور فضلو خوري، مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون التعليم والثقافة لي ساترفيلد، الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، وعمدة بافوس فيدوناس فيدونوس
من اليمين الدكتور فضلو خوري، مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون التعليم والثقافة لي ساترفيلد، الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، وعمدة بافوس فيدوناس فيدونوس

وقعت الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) وبلدية بافوس اتفاقية تاريخية لإنشاء حرم الجامعة الأميركية في بيروت – ميديترانيو، خلال حفل أقيم في مدينة بافوس (قبرص) أول من أمس. وهذه هي المرة الأولى في تاريخ الجامعة الأميركية في بيروت التي تنشئ فيها الجامعة حرماً لها خارج لبنان، بعد أن دأبت على تعليم الطلاب والعناية بصحة الناس في مجتمعها على مدى أكثر من 155 عاماً.
ومع افتتاح حرمها الجامعي في بافوس، وما يرافق ذلك من مبادرات أخرى كفيلة بإكسابها المزيد من العالمية والتنوع والقدرة على التأثير، تسعى الجامعة الأميركية في بيروت إلى خدمة جمهور أوسع، مع الحفاظ على جذورها الراسخة في لبنان. كما تهدف إلى إثراء تجربة طلابها وأعضاء هيئة التدريس في بيروت من خلال التفاعل المكثف بين الحرمين الجامعيين.
من المقرر أن يبدأ استقبال الدفعة الأولى من الطلاب في حرم الجامعة الأميركية في بيروت – ميديترانيو في خريف عام 2023، حيث سيمكنهم الالتحاق بمجموعة متنوعة من برامج البكالوريوس والدراسات العليا. وتشمل برامج البكالوريوس اختصاصات مثل علم السياسة والفلسفة والاقتصاد، وعلم النفس، وعلوم الكومبيوتر، والهندسة الصناعية، وإدارة الأعمال - علم الإدارة، فيما تشمل برامج درجة الماجستير الإدارة الهندسية وتحليل الأعمال.
حضر حفل التوقيع رئيس جمهورية قبرص نيكوس أناستاسيادس، ومساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون التعليم والثقافة لي ساترفيلد، وعضو مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت ورئيس المجلس الاستشاري الدولي في الجامعة السفير فرانك ج. ويزنر، وعمدة بلدية بافوس فيدوناس فيدونوس، ورئيس الجامعة الأميركية في بيروت د. فضلو خوري، بالإضافة إلى حشد من السفراء والمسؤولين وأعضاء مجلس أمناء الجامعة الأميركية في بيروت.
في كلمته الترحيبية، أشار عمدة بافوس فيدوناس فيدونوس، إلى أن «هذا المساء هو لحظة تاريخية ستُسجل في ذاكرة هذه المدينة المتوسطية الصغيرة كواحدة من أبرز المحطات في تاريخها منذ 2400 عام». وأضاف قائلاً: «ما يهمنا الآن هو أن قدوم الجامعة الأميركية في بيروت إلى بافوس يضعنا على خريطة العالم على صعيد التعليم الجامعي. فقلة قليلة من الجامعات حول العالم تملك ما تتمتع به هذه الجامعة من عراقة وتاريخ وتأثير».
ثم ألقى رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري، خطاباً قال فيه، «من أجل خدمة جمهور أوسع، تحولنا في الجامعة الأميركية في بيروت نحو المزيد من العالمية والتنوع والشمولية، مع بقائنا راسخين بقوة في موطننا الأزلي بيروت». وتحدث عن الرؤية العالمية للجامعة الأميركية في بيروت التي تشمل التوسع في المنطقة، واستطلاع إمكانية إنشاء مراكز في أفريقيا، والتخطيط من أجل حضور أكبر في أميركا الشمالية، وتوسيع نطاق برامج الجامعة عبر الإنترنت. ورأى أن «إنشاء هذا الحرم الجامعي الجديد في قبرص كفيل بإثراء تبادل الأفكار والمعارف والهدف، وهو ما يحصل أصلاً في حرمنا الجامعي في بيروت، ونشر الثقافة الفريدة لجامعتنا الرائعة، مما يعزز تنوع الجامعة الأميركية في بيروت وتميزها في آنٍ معاً».
وفي خطابه، قال رئيس جمهورية قبرص نيكوس أناستاسيادس، «مما لا شك فيه أن إنشاء الجامعة الأميركية في بيروت، إلى جانب ما سبقها من مبادرات ناجحة أخرى ذات الصلة قام بها المجلس البلدي، يعزز موقع بافوس على خريطة التعليم الأكاديمي العالي، ويوفر فيه الوقت عينه بُعداً ومحتوى جوهريين لرؤية الدولة وسياستها من أجل ترقية بلدنا إلى مركز تعليمي وبحثي إقليمي».
وتخلل الحفل عرض فيلم قصير عن الجامعة الأميركية في بيروت وعرض تقديمي للخطة الرئيسية لحرم للجامعة الأميركية في بيروت - ميديترانيو من إعداد دار الهندسة للتصميم والاستشارات الفنية (شاعر ومشاركوه)، وهي تمزج بين الحضارات الغنية للبنان وقبرص بأسلوب قوي ومستدام. كما جرى تبادل هدايا رمزية، حيث قدم رئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري لعمدة بافوس فيدوناس فيدونوس، مجموعة من القطع المعدنية التذكارية التي تم إصدارها لمناسبة الذكرى الخمسين بعد المائة لإنشاء الجامعة الأميركية في بيروت، وتسلم من العمدة فيدونوس تمثالاً نصفياً لـ«أفروديت»، رمز مدينة بافوس. وتلا ذلك حفل استقبال مفتوح وعشاء رسمي في فندق «إليسيوم».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».