موسكو ترجح «نهاية قريبة» للقتال... وتحذر فنلندا من الانضمام لـ«الأطلسي»

موسكو ترجح «نهاية قريبة» للقتال... وتحذر فنلندا من الانضمام لـ«الأطلسي»
TT

موسكو ترجح «نهاية قريبة» للقتال... وتحذر فنلندا من الانضمام لـ«الأطلسي»

موسكو ترجح «نهاية قريبة» للقتال... وتحذر فنلندا من الانضمام لـ«الأطلسي»

رجح الكرملين التوصل إلى «نهاية قريبة» للقتال في أوكرانيا، إما عبر «إنجاز أهداف العملية العسكرية»، أو من خلال التوصل إلى اتفاق سياسي مع كييف، وفقاً للناطق باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف. تزامن ذلك مع تواصل المواجهات الضارية لحسم معركة ماريوبول. وتوجيه القوات الروسية ضربة جوية قوية قرب أوديسا في الجنوب الأوكراني. وقال بيسكوف، إن «العملية العسكرية في أوكرانيا قد تنتهي في الأيام القريبة المقبلة، وفقاً لسيناريوهين، فإما أنها ستحقق أهدافها المرسومة، أو بالتوصل لاتفاق عبر المفاوضات». وفي دفاع عن مبررات شن الحرب، قال الناطق الرئاسي إن أوكرانيا لو انضمت بالفعل إلى حلف شمال الأطلسي كما كانت تخطط، فإن احتمالات انزلاق الوضع نحو اندلاع حرب عالمية ثالثة كانت كبيرة. وزاد: «علينا أن نتخيل لو أن أحد أعضاء الناتو، أوكرانيا، فكر في استرجاع شبه جزيرة القرم، وهاجم روسيا والقرم، بتطبيق المادة 5 من ميثاق الناتو، يتعين على الدول الأعضاء في الحلف التي تمتلك أسلحة نووية الدفاع عن أوكرانيا، ما يعني أن حرباً عالمية ثالثة كانت ستندلع... ما نفعله الآن هو حماية بلادنا من أي تهديد محتمل بمثل هذه الحرب». ولم يستبعد بيسكوف أن تنجح الأطراف في التوصل إلى تسوية سياسية، وقال إن «الوضع يمكن حله عن طريق الدبلوماسية. هذا سيعتمد بشكل كبير على اتساق الموقف الأوكراني وإلى أي مدى هم مستعدون لقبول شروطنا». ورداً على سؤال حول ما إذا كانت روسيا تعتبر انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو تهديداً وجودياً لها، قد يسفر عن «استخدام أسلحة نووية»، أجاب بيسكوف بأنه «لا يعتقد ذلك». لكن اللافت أن حديث بيسكوف تزامن مع تحذير مباشر إلى فنلندا وجهه النائب الأول لرئيس اللجنة الدولية في مجلس الدوما (النواب) فلاديمير جباروف.

وقال البرلماني الروسي، إن «قرار القيادة الفنلندية بالانضمام إلى الناتو سيكون خطأ استراتيجياً، وسوف يجعل فنلندا هدفاً لإجراءات الرد الروسية». وأوضح: «إذا ذهبت القيادة الفنلندية نحو هذه الخطوة، فهي ترتكب خطأ استراتيجياً، من الناحية الجغرافية، فنلندا وروسيا دولتان متجاورتان، وبطرسبورغ تبعد ساعات قليلة عن فنلندا». إلى ذلك، قال بيسكوف إن «موسكو لا تعتبر العقوبات الاقتصادية المفروضة والضغط الممارس تهديداً وجودياً لروسيا... نحن نعيش تحت العقوبات منذ عقدين من الزمن، ومعتادون على هذا الوضع، وبدأنا الاستعداد لهذه العقوبات منذ عام». وتطرق الناطق الرئاسي إلى حزمة العقوبات الأخيرة التي فرضها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا، وطالت قطاعات مهمة بينها صادرات الفحم الروسي. وقال بيسكوف، إن روسيا ستعيد توجيه إمدادات الفحم من الاتحاد الأوروبي إلى أسواق بديلة. وأوضح: «لا يزال الفحم سلعة مطلوبة بشدة، سيتم إعادة توجيه الإمدادات الموجهة نحو أوروبا إلى أسواق بديلة». في غضون ذلك، سارت موسكو خطوات إضافية للرد على قرارات أوروبية بطرد مئات الدبلوماسيين الروس في إطار ما عرف باسم «حرب السفارات» بين روسيا والغرب. وأعلنت الخارجية الروسية، أمس، أنها قررت طرد 45 دبلوماسياً بولندياً من روسيا. وأفادت في بيان بأنها استدعت سفير وارسو كشيشتوف كرايفسكي، وسلمته مذكرة احتجاج على قرار وارسو طرد 45 دبلوماسياً روسياً في 23 مارس (آذار) مرفقة مع نسخة من قرار إبعاد عدد مماثل من الدبلوماسيين البولنديين من الأراضي الروسية. كما أعلنت روسيا أنها طردت اثنين من موظفي سفارة بلغاريا في موسكو، رداً على إجراء مماثل سبق أن اتخذته حكومة صوفيا. وتوعدت الخارجية بأنها سوف تتخذ قرارات مماثلة ضد كل البلدان التي طردت دبلوماسيين روساً.
كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وعدد من البلدان الأوروبية غير المنضوية في الاتحاد طردت خلال الأسبوع الأخير نحو 300 دبلوماسي روسي على خلفية استمرار العملية العسكرية في أوكرانيا، واحتجاجاً على ما وصف بأنها «جرائم حرب ارتكبتها القوات الروسية» في البلد الجار. وشكل العثور على مقابر جماعية وعشرات الجثث في بلدة بوتشا قرب كييف بعد انسحاب القوات الروسية منها صدمة واسعة، وأثار اتهامات قوية ضد موسكو، التي نفت صحة المعطيات حول قيام جنودها بارتكاب جريمة، واتهمت بدورها كييف بـ«فبركة» أدلة لتشويه سمعة روسيا. وتكررت، أمس، السجالات الروسية الأوكرانية حول جريمة حرب أخرى، وقعت هذه المرة في بلدة كراماتورسك الواقعة جنوب مدينة خاركوف (شرق أوكرانيا). إذ اتهمت أوكرانيا الجيش الروسي والانفصاليين الموالين له في منطقة دونيتسك بقصف محطة سكك حديد في المدينة التي تسيطر عليها القوات الحكومية الأوكرانية، ما أسفر عن مقتل نحو أربعين مدنياً. وقالت كييف إن المحطة تعرضت لهجوم صاروخي مكثف، فيما اتهمت وزارة الدفاع الروسية، الجيش الأوكراني، في المقابل، بشن الهجوم. وأكدت أنها حددت المكان الذي نفذ منه القصف. وأفادت الوزارة في بيان بأنه «وفقاً للبيانات المحدثة، نفذت الغارة على محطة قطارات كراماتورسك من قبل بطارية صاروخية للقوات المسلحة الأوكرانية من محيط بلدة دوبروبوليه الواقعة على بعد 45 كلم جنوب غربي المدينة». ورجحت الوزارة أن يكون هدف الهجوم «تقويض الخروج الجماعي للمدنيين من المدينة بغية استخدامهم دروعاً بشرية في الدفاع عن مواقع القوات المسلحة الأوكرانية، كما حصل في العديد من المدن والبلدات الأوكرانية الأخرى».
على صعيد آخر، بدا أمس، أن المفاوضين الروس والأوكرانيين بدأوا بمناقشة ملف الضمانات الدولية التي تطلبها كييف لإعلان وضع الحياد وعدم الانضمام إلى تكتلات عسكرية. وعكس اقتراح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أن تنضم بيلاروسيا إلى البلدان الضامنة، أن الطرفين بدآ في مناقشة لائحة البلدان التي يمكن أن تلعب هذا الدور في المستقبل. وقال لافروف إن بلاده «اقترحت أن تكون بيلاروسيا إحدى الدول الضامنة للمعاهدة الروسية الأوكرانية المستقبلية، والآن يتم الاتفاق على جميع القضايا بما فيها الدول الضامنة». وأضاف الوزير: «لا أريد الخوض في تفاصيل عملية التفاوض ومحتواها. أريد فقط أن أقول إنه بناء على طلب الجانب الأوكراني، يجب أن يكون الوضع المحايد غير التكتلي وغير النووي مصحوباً بضمانات». ولفت إلى أن «جيران أوكرانيا يودون رؤية كل البلدان المجاورة وعدد من الدول الأخرى بين ضامني أمن أوكرانيا، بما في ذلك الأعضاء الدائمون في مجلس الأمن الدولي (...) لقد اقترحنا في هذا الإطار أن تكون جمهورية بيلاروسيا بين هؤلاء الضامنين».
ميدانياً، تواصلت أمس مواجهات ضارية في وسط مدينة ماريوبول في الجنوب الأوكراني، بعدما كانت القوات الروسية أعلنت في وقت سابق أن المعركة اقتربت من الحسم النهائي، وتحدثت عن بقاء نحو 3 آلاف جندي أوكراني محاصرين داخل المدينة.
تزامن ذلك، مع إعلان وزارة الدفاع الروسية أن قواتها دمرت بصواريخ عالية الدقة «مركزاً لتجميع وتدريب المرتزقة الأجانب» قرب مدينة أوديسا (جنوب غرب). وقال الناطق باسم الوزارة، إيغور كوناشينكوف، إن الصواريخ الروسية استهدفت المركز الواقع قرب بلدة كراسنوسيلكا شمالي شرقي أوديسا، مشيراً إلى أن هدف الهجوم تدمير أسلحة ومعدات عسكرية أوكرانية كانت في طريقها إلى منطقة دونباس. وأضاف كوناشينكوف أن القوات الروسية دمرت 81 منشأة عسكرية أوكرانية خلال الليلة الماضية، منها مركزا قيادة ومنظومة صاروخية من طراز «أوسا» وثلاث راجمات صواريخ وتسعة مواقع حصينة، بالإضافة إلى 59 تجمعاً للآليات القتالية للجيش الأوكراني. وزاد أن القوات الروسية استهدفت بصواريخ عالية الدقة أطلقت من الجو محطات سكة الحديد في بلدات بوكروفسك وسلافيانسك وبارفينكوفو، تم فيها تجميع أسلحة ومعدات عسكرية تابعة لقوات الاحتياط الأوكرانية التي وصلت إلى منطقة دونباس. وأضاف كوناشينكوف، أن الدفاعات الجوية الروسية أسقطت في الساعات الـ24 الماضية مروحيتين عسكريتين أوكرانيتين من طرازي «مي - 8» و«مي - 24» وخمس طائرات مسيرة. ووفقاً للناطق العسكري، فقد دمرت القوات الروسية إجمالاً منذ بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، 97 مروحية و421 طائرة مسيّرة و228 منظومة دفاع جوي صاروخية متوسطة وبعيدة المدى و2019 دبابة ومدرعة و223 راجمة صواريخ و874 مدفعاً ومدفع هاون، بالإضافة إلى 1917 مركبة عسكرية خاصة.


مقالات ذات صلة

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

أوروبا رجال إنقاذ في موقع مبنى سكني ضربته غارة جوية روسية في قرية سفيسا، وسط هجوم روسيا على أوكرانيا بمنطقة سومي بأوكرانيا في 4 يناير 2025 (رويترز)

روسيا: وجّهنا ضربات مكثفة للقوات الأوكرانية في منطقة كورسك

قالت وزارة الدفاع الروسية إن قواتها وجّهت ضربات مكثفة لوحدات أوكرانية في منطقة كورسك بغرب روسيا، حيث أفاد الجيش الأوكراني بتصعيد القتال خلال اﻟ24 ساعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (موسكو - كييف)
أوروبا دبابة روسية مدمرة في منطقة كورسك (أ.ب)

زيلينسكي: مقتل 15 ألف جندي روسي خلال القتال في كورسك

أكد مسؤول عسكري أوكراني، الاثنين، أن قواته تكبّد قوات موسكو «خسائر» في كورسك بجنوب روسيا، غداة إعلان الأخيرة أن أوكرانيا بدأت هجوماً مضاداً في هذه المنطقة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلقي كلمته أمام السفراء الفرنسيين 6 يناير 2025 بقصر الإليزيه في باريس (رويترز)

ماكرون يدعو أوكرانيا لخوض «محادثات واقعية» لتسوية النزاع مع روسيا

قال الرئيس الفرنسي ماكرون إن على الأوكرانيين «خوض محادثات واقعية حول الأراضي» لأنهم «الوحيدون القادرون على القيام بذلك» بحثاً عن تسوية النزاع مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جندي روسي خلال تدريبات عسكرية في الخنادق (لقطة من فيديو لوزارة الدفاع الروسية)

روسيا تعلن السيطرة على «مركز لوجيستي مهم» في شرق أوكرانيا

سيطرت القوات الروسية على مدينة كوراخوف بشرق أوكرانيا، في تقدّم مهم بعد شهور من المكاسب التي جرى تحقيقها بالمنطقة.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا صورة تظهر حفرة بمنطقة سكنية ظهرت بعد ضربة صاروخية روسية في تشيرنيهيف الأوكرانية (رويترز)

روسيا تعلن اعتراض 8 صواريخ أميركية الصنع أُطلقت من أوكرانيا

أعلن الجيش الروسي اليوم (السبت)، أنه اعترض 8 صواريخ أميركية الصنع أطلقتها أوكرانيا في اتجاه أراضيه.

«الشرق الأوسط» (موسكو)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟