فن «الغرافيتي» في لبنان يفسح المجال للنور وسط «ظلمة»

يرسمون وعين الدولة تُراقب سكونَ الليل.. وتُدقّق

فيروز بريشة يزن حلواني
فيروز بريشة يزن حلواني
TT

فن «الغرافيتي» في لبنان يفسح المجال للنور وسط «ظلمة»

فيروز بريشة يزن حلواني
فيروز بريشة يزن حلواني

يمكن لحائط المدينة أن يبقى من طين وحجارة متراكمة. يمكنه البقاء عاديا، مُشوها، مُنفِّرا، مُلطَّخًا بندوب حرب، أو العكس، نابضًا بالحياة والروح وبفن «غرافيتي» يفسح المجال للنور وسط «حشود» الظلمة.
الشيء ونقيضه. هذه بيروت: الفن والسياسة، الثقافة والشغب، الأفكار الخلاقة واليأس، الهواجس والأمان. هنا الأبيض والأسود.. الحرية والاعتقال. وسط ذلك، علاقة سببية تجمع الذات المتفاعلة بالآخر الصلب؛ كأن تكون فنانا «رؤيويا»، ثائرا، مفعما بالأحاسيس، وتختار «الجماد» لتعطيه بعضًا مما بداخلك. هكذا يُعرِّف الغرافيتي نفسَه، أو يُحب أن يُعرَّف عنه. فهل أنت من مناصري «الغرافيتي»؟ ما رأيك بـ«الخربشات العشوائية»؟ قد تكون أنت نفسك ممن يقتنص الوقت ليلا ليرسم خفية، أو أنك «مُقونن» مُعارض للرسم على الجدران كيفما وأينما كان، ربما أنت ناقد؟ نسأل ونجول قليلا في أحياء العاصمة اللبنانية وبعض المناطق.
بينما نحن نسير رائحة الطلاء تنبعث من مكان ما. الفنان حذر. الرقابة حاضرة. هو شغوف بالرسم على الجدران. يقتنص الهدوء ليعبث بالعشواء فيحوله صاخبا بالآراء والجماليات الفنية. في الجولة قد تقع على عبارة «بحبك يا بَطّة» أو «يا سودة إنت يا سودة». ستجد جُدرانا رُسِم عليها محمود درويش، أو السيدة فيروز، وستجد من كتب: «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي»، أو «أنت السبع بهارات لحياتي، من دونك حياتي ما إلها طعمة». يقول أحد «الغرافيتيين» إن «الفاعل المجهول هو بالتحديد فنّ الغرافيتي. أن ترسم وتهرب. أن ترسم وتختبئ بانتظار دهشة العابرين في الشارع وأسئلتهم حول الرسم والمقصود منه».
ليست الكتابة أو الرسومات سهلة دائما. بعض التشويق يعطي للإبداع ذاكرة. «أن ترسم بالخفاء وعين الدولة تراقب فإنك تناضل لقضيتك الفنية»، يقول «الغرافيتي المجهول». هو لا يظهر باسمه الحقيقي لكنه يُسجل على الجدران في غير مكان إنه «مرّ من هنا». عين الرقابة جالت في بيروت، وضاحيتها الجنوبية، كما في طرابلس (شمال) والجنوب، بقصد إزالة الشعارات الحزبية. في أي مكان قد تجد شيئا من كل شيء. المهمّ ألا يجتاز الغرافيتي المحظورات السياسية أو الاجتماعية - الدينية.
يذكر غرافيتييو لبنان، والمهتمون بهذا المجال، عبارة «أحبّ الفساد» للغرافيتي اللبناني «علي»، مَن وبالتعاون مع زميله المصري «جنزير»، رسم على أحد جدران منطقة الحمراء (بيروت) دركيًا يفتح قميصه، وعلى صدره «أُحب الفساد». ساعات قليلة كانت كافية «لتدفن» السلطات الرسم وعبارته تحت طلاء أسود.

* سيُحولونه إلى جريمة
في سجلات الأجهزة الأمنية اللبنانية كثير من أسماء الغرافيتيين ممّن أوقفوا «بتهمة تخريب الأملاك العامة». التوقيفات لا تقتصر على لبنان على أية حال وإن كان «الغرافيتي» لا يُجرّم في بيروت، فإنه محظور في كلّ أنحاء العالم، خصوصًا أن الرسامين المعروفين، مثل البريطاني بانكسي، يرسمون بشكل يهدد «الاستبليشمنت». هم معروفون ومجهولون. «بانكسي» ظهرت رسوماته المختلفة في كثير من المواقع في بريطانيا خصوصًا في مدينة بريستول ولندن وحول العالم منها في الضفّة الغربية على الجدار العازل ونُقل عنه القول يوما: «إن كان الغرافيتي سيُغير شيئًا في العالم، فسيحولونه إلى جريمة».

* اشكمان»: حر أو لا تكون
إذا سلّمنا بأن «الغرافيتي» هو فن خارج على القانون وضدّ السائد.. فإن التوقيفات تكون مبررة ولكن بتحفظ. عمر قباني، هو أحد المؤسسين لما يُعرف بـ«إشكمان» يقول لـ«الشرق الأوسط» إن الرقابة حاولت اجتثاث عبارة «أنتَ حرٌّ أو لا تكون» بذريعة إزالة الشعارات السياسية، «لكننا استطعنا بدعم من جمعية «مارش» لحرية التعبير وناشطي مواقع التواصل الاجتماعي الوصول إلى حل إيجابي، وعادت إلى الحائط ألوانه. «إشكمان» يصف نفسه بأنه «منتج الحرب الأهلية اللبنانية». هو اليوم في أوائل الثلاثينات من عمره، يحاول بفنه التعبير عن الواقع. «بالفنّ نقضي على البشاعة، وبالألوان والرسم نجعل الشارع لنا»، يقول: «ما يفعله (إشكمان) هو النقد. النقد الساخر الإيجابي المحمَّل أبعادًا ثقافية» - يؤكد - فالغرافيتي ليس من عصابات الشارع أو المخربين.. هو فنان، ولهذا الفن وجود تاريخي». يتابع «إشكمان» قائلا إن «الغرافيتي» في لبنان غير مشرَّعٍ بعد، لكنه في الوقت عينه ليس مرفوضاً بالحجم الذي يُصوَّر. وإن تحدث عن علاقة إيجابية وجيدة تربط «إشكمان» برئيس بلدية بيروت والمحافظ، فإنه يشدد على أن الغرافيتي يحاول التفلت من عين الرقابة لتمرير رسائله السياسية والاجتماعية، و«المسألة تحتاج للمهارة. كأن نرسم جدارية ضخمة للراحل وديع الصافي بعد أسبوع من وفاته مُذيلة بعبارة «ذهب صافي»، وفي ذلك تكريم من قبلنا لهذا العملاق. أيضا رسم كبير للسيدة فيروز مرفقة بعبارة «من قلبي سلام لبيروت». وهناك عمل مهم نعمل على إنجازه راهنا لأحد عمالقة الفن تكريما له. يُفضل «إشكمان» عدم الكشف عما هو بصدد إنجازه «لكي لا يسبقنا أحد إليه».

* غراندايزر بطل الشعب
أثناء الجولة الميدانية في بيروت والجوار، ستجد جداريات «دبلوماسية» لـ«إشكمان»، كمثل جدارية «غراندايزر بطل الشعب»، أو «غراندايزر القائد الأعلى».
علاقة «إشكمان» بمعجبيه على صفحته على الـ«فيسبوك» و«تويتر» «علاقة تفاعلية تُكمّل الواقع وتعطيه أبعادا وسعة انتشار أكبر. هي فضاءات جديدة»، يقول.
كما «إشكمان» كذلك الفنان يزن حلواني. هو «غرافيتي» لبناني من مواليد عام 1993 وقد يكون من بين الأصغر سنا في لبنان والمنطقة. خطى أولى خطواته الفنية الغرافيتية في عمر 15 عاما، وبعد ثلاث سنوات أدخل إلى أعماله الخط العربي الذي تعلمه بنفسه. يقول إن «الفنان في صلب العمل الغرافيتي، هو القيمة».
فاز «يَزَن» بالمركز الأول في مسابقة الكتابة على الجدران التي نُظمت في بيروت عام 2010.
أثناء التحدث إليه تلحظ البعد الثقافي في كلامه. يحاول إجراء مقارنة بين «الغرافيتي» في الخارج وفي لبنان، فيعترف «بطغيان السياسة والدين في فترة ما بعد الحرب وحتى يومنا هذا في بيروت، بينما في الغرب نلاحظ الهيمنة الثقافية. الهيكل للتنظيم المدني مبني على جهات دينية وحزبية، وأنا أحاول إضفاء البعد الثقافي، كأن أرسم محمود درويش». وحين يختار من كلمات درويش «على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة»، فهذا يعني «أنني فنان لا ينشد العبث».
بالنسبة لـ«يزن» القوى الأمنية «بشرٌ ويحبون الجمال». هم ليسوا أعداء. «يمكننا التحاور معهم، إقناعهم، وأخذ موافقتهم متى أكدنا البعد الفني». ويروي أنه خضع للتحقيق ذات مرة لساعتين تحت جسر منطقة الكرنتينا حين قيامه برسم جدارية للكاتب سمير قصير.. «وفي النهاية أقنعت المحققين بأهدافي، وأنجزت عملي، فالغرافيتي في لبنان ليس جرما إنما هناك محاذير العبث بالملك العام».
يسعى «يزن» جاهدا لاستعادة وجه بيروت الثقافي. أهدافه إصلاحية. يتحدث بفخر حين يقول إنه رسم جدارية للسيدة فيروز مكان شعارات انتخابية لأحد المرشحين في العاصمة اللبنانية.
يتفق «يزن» و«إشكمان» على البعد الفني للغرافيتي. يتلاقيان أيضا على وضع بعض الشعارات المكتوبة على الجدران في غير مكان على أنها تأتي في سياق حرية التعبير، ويؤكدان أن «الغرافيتي الناجح هو الجمال، الذكاء والثقافة».

* سبيل للشعور بأنني محتضن
هي علاقة سببية إذا تربط الفنان بالحائط والجماد.. «أما الحُكُم فللعابرين»، يقول «علي» وهو أحد «الغرافيتيين البيارتة». يتابع: «أتخيل الحائط لوحة. أرسمه، وأمر بجانبه فأشعر بأنني في بيئتي ومنزلي. الغرافيتي سبيلٌ إلى الشعور بأنني مُحتَضن».
يُصنف «الغرافيتي» عمله ضمن «حرية التعبير». المسألة، اليوم، وكل يوم، وإلى الأبد، ستبقى مثيرة لكثير من الجدال، تماما كالجدال حول ماهية الغرافيتي: هل هو فن أم شغب شعبي؟ هل من حدود للتعبير عن رسائله السياسية والاجتماعية؟ يستمر النقاش. الأكيد أنه فن حديث، يجد مساحات واقعية على جدران المدن، ويُتوج بمساحات إلكترونية في زمن مواقع التواصل الاجتماعي. «بيروت بريشتهم تبدو أجمل»، يعلق أحد العابرين. هي بيروت السياسة والدين والاجتماع ترتسم بألوانهم، وتعكس يومياتهم وهواجسهم بأفكار وابتكار.



إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».