ج. إم دابليو تيرنر... رسام الحرب والاستقلال والتجارة والعبودية

ج. إم دابليو تيرنر... رسام الحرب والاستقلال والتجارة والعبودية
TT

ج. إم دابليو تيرنر... رسام الحرب والاستقلال والتجارة والعبودية

ج. إم دابليو تيرنر... رسام الحرب والاستقلال والتجارة والعبودية

الأمطار تهطل، وعبق الهواء المالح يفوح في المكان، والأمواج صاخبة لدرجة أنك بالكاد تسمع النحيب القادم من بعيد. الطقس مروع حتى بالمعايير الإنجليزية، وسكان المرفأ يهرعون إلى الشاطئ في لهفة لتلبية استغاثة سفينة في محنة. تبللت ثيابهم وشعرهم في حين كانوا يحدقون في مشاعل الاستغاثة التي كانت تتفجر في الهواء على هيئة بقع مضيئة تنفجر في الهواء لتحدث وميضاً ينتهي ببقعة زرقاء صغيرة.
بدت السفينة مشتعلة، على الأقل في البداية، لكن عن كثب بدت السفينة وكأنها تتجشأ النار الصادرة من أعماق حجرة المحرك لتعلو في الهواء. هي ليست مركباً شراعياً بل باخرة، وهذا الضباب الأسود في الأفق بدا كإعصار يخرج من المدخنة. لقد جلبنا البخار والفحم إلى شواطئ جديدة. لم يجلب لنا البخار والفحم سوى الخراب.
هل تنبأ ج. تيرنر، بأزمة المناخ؟ قد يكون ذلك مبالغاً فيه. لكنه كان على الأقل صاحب تقليد الرسوم البحرية التي أبحر بها مباشرة وسط غيوم وعواصف الثورة الصناعية.

لوحة «سفينة الرقيق الضخمة والمروعة» لتيرنر من المعرض (نيويورك تايمز)

كان معرض «Turner’s Modern World» (عالم تيرنر الحديث) بمثابة إعادة تقييم شاملة وثورية للرسام الأكثر شهرة في بريطانيا في القرن التاسع عشر، وهي الآن معروضة في متحف الفنون الجميلة هنا. لا يزال المعرض يُظهر تأثيرات الغلاف الجوي غير العادية - غروب الشمس وسط الخطوط البنفسجية لتبدو صرخة باستخدام الألوان. تعكس أعماله عظمة مشاهد البحر المتقلب بجميع أحواله، والأشكال المتعددة المجردة تقريباً لصور صيد الحيتان. ومع ذلك، يظهر تيرنر (1775 - 1851) هنا أيضاً ضمن الضوء الأكثر سطوعاً للتاريخ المعاصر: رسام الحرب والاستقلال، والتجارة والعبودية، والابتكارات التكنولوجية.
جرى تنظيم معرض «عالم تيرنر الحديث»، من خلال متحف «Tate Britain» في لندن، والذي يمتلك الجزء الأكبر من لوحاته. (ترك الفنان للبلاد إرثاً ضم نحو 300 لوحة زيتية ونحو مائة ضعف من الرسومات التخطيطية). وصلت اللوحات إلى بوسطن وأعيد تشكيل أسلوب عرضها بشكل ملحوظ وبتصميم جديد يضع حداثة تيرنر في دائرة الضوء. تحتوي صالات العرض الأولية على جدران مطلية باللون الأخضر والأحمر. وتضمنت أعماله مشاهد تيرنر العسكرية الكبيرة ليطلع عليها الجمهور. ويجري حالياً تحديث تصميم المعرض، حيث تلاشت الجدران الملونة، وفي الغرفة الأخيرة نرى تيرنر وسط بيئته القديمة وقد جرى إعادة صياغة أعماله لتبدو معاصره.
في هذه القاعة انضمت لوحة لتيرنر (من مجموعة متحف الفنون الجميلة ببوسطن) العالية القيمة وصعبة النقل من مكان لآخر نظراً لهشاشتها وعنوانها «سفينة الرقيق الضخمة والمروعة (إلقاء العبيد فوق الموتى والمحتضرين، والإعصار قادم)»، والتي تصور عبيداً يتأرجحون في المحيط الأطلسي الذي حرقته الشمس، حيث ينزلق الأفارقة المقيدة أيديهم ويتأرجحون بسبب الأمواج. رُسمت المناظر البحرية النهائية لتيرنر في عام 1840 لتتزامن مع مؤتمر كبير لمكافحة العبودية في لندن لتسليط الضوء على ضراوة الاستعمار والإمبريالية. تظهر «سفينة الرقيق» هنا جنباً إلى جنب مع المشاهد المضطربة الأخرى لحطام السفن ومشاهد الغرق والحرائق والكوارث، بما في ذلك تصوير مرعب لحريق عام 1834 شب في مبنى البرلمان بلندن.
ولد تيرنر في 1775 بوسط لندن، في Maiden Lane بمنطقة «كوفنت غاردن». كان والده يعمل حلاقاً؛ ولذلك احتفظ بلكنة الطبقة العاملة قبل أن ينتقل إلى المجتمع الراقي. في سن الرابعة عشرة، التحق بالأكاديمية الملكية للفنون، كان ذلك عام 1789 العام الذي شهدت فيه فرنسا ثورتها. كتب الشاعر وردزورث عن تلك الأيام يقول «محظوظاً من عاصر تلك الأيام، لكن أن تكون صغيراً، فتلك هي الجنة!».
لكن هل وجدها تيرنر هكذا؟ لم يكن ثورياً بالتأكيد، لكن رسائله وشعره (الممل إلى حد ما) يقدمان مشهداً مختلطاً، حيث توحي رسوماته، بدءاً من تجارة الرقيق إلى حرب استقلال اليونان، إلى أنه يقف بجانب الإصلاح، لكن قناعاته السياسية الخاصة ليست هي المحك الرئيسي هنا. فما يهم هو كيف تشكل القوى السياسية الأكبر - والأكثر اقتصادية - حياة وأوقات الفنان الطموح الذي يعيد بدوره صياغة شكل فني.
في القاعة الأولى، انظر إلى كتابي رسم صغيرين يعودان إلى أوائل العشرينات من عمره. فبدلاً من مشاهد البحار والسماء من مجموعة «Tate» الدائمة، سترى رسماً بقلم الرصاص للعمال في شكل مائل. سترى في رسوماته التروس الكبيرة والمحددة والعجلات المائية والمطارق وقد تدلت على صفائح من الحديد. تصور ألوان «الجواش» التي جرى تصنيعها بعناية فائقة عملية حدادة أخرى، حيث يقوم الحدادون بتصنيع المراسي في فرن مركزي مشتعل، وتجسد اللوحة الأماكن الساخنة والصاخبة. تجسد أعماله أماكن العبقرية البشرية والخطر العنصري. فنحن نبني عالماً جديداً قد لا ننجو منه جميعاً.

من لوحات تيرنر في معرض «عالم تيرنر الحديث» بمتحف الفنون الجميلة في بوسطن. (نيويورك تايمز)

كان من الممكن أن يتعلم طالب في الأكاديمية الملكية كيف يتجنب مشاهد معاصرة كهذه؛ لأنه لكي تصل إلى مجد فني عليك أن تتجاوز أحداث اليوم. لكن تيرنر استمر في الانجذاب إلى الجسور الحديدية الجديدة والقنوات المحفورة حديثاً، ثم إلى البواخر، وفي النهاية القاطرات. ومع احتدام حروب نابليون بونابرت، ملأ الفنان كراسة الرسم بالجنود والبحارة، ولاحظ السفن التي جرى الاستيلاء عليها في «بورتسموث»، وعبر القناة لزيارة ساحة معركة «واترلو». في هذا العرض التقديمي بطريقة الصالون لصور حرب تيرنر جرى وضع لقطات تمجيد انتصار نيلسون في «ترافالغار» مع العناوين الرئيسية. ففي لوحة «حقل واترلو» (1818) الأكثر قتامة، والذي لا يبدو بالتأكيد كقطعة دعائية، تبدو الجثث متشابكة فوق التراب البلجيكي، وضوء القمر بالكاد يطل من خلال الظلام.
كان ما ينجزه تيرنر، أولاً مع «حقل واترلو» ولاحقاً بصوره الكبيرة المليئة بالحيوية لصائدي الحيتان والمخربين، عبارة عن طبقات من المناظر الطبيعية التقليدية والمناظر البحرية مع موضوعات جرت مناقشتها في المقاهي. يمكن رؤية الحاجة إلى الإصلاح في غروب الشمس، والتاريخ يطفو على الماء - ليس هناك مكان أوضح من «سفينة الرقيق» الذي جسد اتهامه الرهيب لتجار الرقيق في المحيط الأطلسي، وهو ما يعد جوهر هذا المعرض. يبدو أن غروب الشمس أشعلت النيران في المحيط. (تم تحديد السفينة على أنها سفينة العبيد زونغ التي ألقى طاقمها 130 أفريقياً في البحر في عام 1781 قبل الوصول إلى جامايكا). الغريب أن أصحاب السفينة تقدموا بطلب للحصول على أموال التأمين على أساس أن هذه الجريمة الجماعية كانت من الناحية القانونية خسارة للبضائع. بعد لحظة فقط ترى الأغلال الحديدية بين الأمواج، والأيدي الممتدة من المحيط بدت يائسة من الإنقاذ، ولحم الضحية أسفل يمين اللوحة تلتهمه مجموعة من الأسماك. بدت لوحة «سفينة العبيد» رائعة ومروعة في آن باعتبارها أكثر الأعمال الفنية ديمومة من بين جميع الأعمال الفنية التي ألغت عقوبة الإعدام، على الرغم من أنه في وقتها، كان التلوين والتعامل مع الطلاء هو ما صدم الأكاديمية الملكية. دافع جون روسكين، صاحب العمل، عن اللوحة في مؤسسة «الرسامون المعاصرون»؛ ذلك لأن العمل استحضر عاصفة المحيط الأطلسي، وترك إشارة عابرة أسفل الصفحة تقول، إن «البحر بات مثقلاً بالجثث».
كان تيرنر أكثر من مجرد شخص سابق لعصره، وأكثر إثارة للاهتمام من ذلك أيضاً. كان صانعاً رومانسياً لعوالم في حالة تغير، والذي رأى قبل أي شخص آخر أن الاقتصاد نفسه يتمتع بجلال سلسلة الجبال، وأن المحرك البخاري يتمتع بقوة تصادم التيار. ويمكن إظهار كل الوحشية والاشمئزاز في تجارة الرقيق مباشرة في الماء المضاء بنور الشمس: في «الروعة الشديدة»، وفق تعبير روسكين، «التي تحترق مثل الذهب، وتغتسل كالدم».
* خدمة «نيويورك تايمز»



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».