الحكومة تستر عجزها المالي برمي الأعباء على «المركزي»

العملة اللبنانية فقدت كثيراً من قيمتها (رويترز)
العملة اللبنانية فقدت كثيراً من قيمتها (رويترز)
TT

الحكومة تستر عجزها المالي برمي الأعباء على «المركزي»

العملة اللبنانية فقدت كثيراً من قيمتها (رويترز)
العملة اللبنانية فقدت كثيراً من قيمتها (رويترز)

رمت الحكومة اللبنانية أعباء الملفات المعيشية الضاغطة على عاتق مصرف لبنان المركزي الذي يضطلع بمهام توفير العملة الصعبة لاستيراد السلع الحيوية المدعومة مثل القمح، ولتأمين الدولار على منصة «صيرفة» لاستيراد المحروقات والدواء والمواد الغذائية، وهي أدوار تتجاوز مهامه وصلاحياته القانونية، ويعوض فيها عن بعض مهام السلطة التنفيذية، مما فرض أعباء عليه ووضعه في دائرة الانتقادات، وفق ما ترى مصادر مصرفية.
ووجهت خلال الأسبوعين الأخيرين العديد من النداءات إلى المصرف المركزي لتوفير العملة الصعبة لاستيراد الطحين وبعض الأدوية، وتغطية فواتير اللحوم والمواد الغذائية المستوردة، فيما يعلن وزراء ومعنيون أنهم ينتظرون مصرف لبنان لتقديم الحلول عند كل أزمة تواجه الحكومة أخيراً.
وقالت مصادر مصرفية بأن معظم الملفات باتت مرمية على عاتق مصرف لبنان المركزي، لأن السلطة «باتت عاجزة عن القيام بأي التزام، وتعاني ضغوطات مالية هائلة، ما دفعها لرمي المسؤوليات في عهدة المصرف المركزي ووضعه بمواجهة ضغوط الرأي العام وقطاعات المستوردين». وأوضحت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أن «المركزي» ينفذ تلك المهام «مكرهاً وتحت الضغط، وهي مهام من خارج مسؤولياته»، محذرة من أن تدخل المركزي «لن يكون لوقت طويل»، ما «يستدعي حلولاً سياسية للأزمات، خصوصاً مع تراجع احتياطات المركزي من العملة الصعبة خلال العامين المنصرمين».
وتتفق مصادر مصرفية مع مصادر نيابية على القول بأن عجز الحكومة عن القيام بمهامها «دفع لرمي كل الأحمال على عاتق المصرف المركزي».
ويوضح الباحث الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة أن الحكومة تضع سياسة الدولة وتنفذها بعد الحصول على موافقة من البرلمان، لافتاً إلى أن موازنة المالية العامة تعتبر الأداة الرئيسية لتنفيذ سياستها المالية، ولا سلطة للمصرف المركزي على موازنة الدولة. وإذ يشير إلى أن سلطته تنحصر على المصارف والنقد، يؤكد أن «مسؤولية تأمين العملة الصعبة، هي مسؤولية الحكومة» التي لم تستطع إلى ذلك سبيلاً منذ العام 2015، ما وضع كل الأحمال على المصرف المركزي وتم تحميله المسؤوليات.
ويشرح عجاقة لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة اللبنانية «فقدت ملاءتها من العملة الصعبة منذ العام 2015»، وعليه فإن «كل ما احتاجته من عملة صعبة منذ العام 2015، لجأت فيه إلى مصرف لبنان»، مضيفاً «الحكومات طبقت إكراهياً المادة 91 من قانون النقد والتسليف، حيث حصل توسيع مفرط لصلاحياته من قبل السلطة السياسية بما يتخطى القانون وما يتجاوز قدرة المركزي على حمله».
وتنص المادة 91 من قانون «النقد والتسليف» على أنه «في ظروف استثنائية الخطورة أو في حالات الضرورة القصوى، إذا ما ارتأت الحكومة الاستقراض من المصرف المركزي، فسوف تحيط حاكم المصرف علما بذلك، ويدرس المصرف مع الحكومة إمكانية استبدال مساعدته بواسطة وسائل أخرى كإصدار قرض داخلي أو عقد قرض خارجي أو إجراء توفيرات في بعض بنود النفقات الأخرى أو إيجاد موارد ضرائب جديدة الخ».
والحال أن «المركزي» بدأ سياسة التدخل في السوق المحلية لتنشيط الاقتصاد، منذ عام 2011 بعد اندلاع الأزمة السورية وتراجع أعمال قطاعات لبنانية واسعة، ما دفعه لضخ حزمة دعم سنوية بمبلغ يصل إلى مليار دولار على شكل قروض مدعومة لتنشيط المؤسسات الصغيرة ودعم قطاع الإسكان. وتقول مصادر قانونية إن ذلك الدور الذي قام به منذ 2011 وحتى 2019 «هو من صلب مهام المصرف المركزي»، استناداً إلى أن المادة 70 من قانون النقد والتسليف تنص على أن «مهمة المصرف (المركزي) العامة هي المحافظة على النقد لتأمين أساس نمو اقتصادي واجتماعي دائم»، فيما «يتعاون المصرف المركزي مع الحكومة ويقدم لها كل مشورة تتعلق بالسياسة المالية والاقتصادية بغية تأمين الانسجام الأوفر بين مهمته وأهداف الحكومة»، حتى ما تنص المادة 71.
لكن الحال لم يبق ضمن إطار ما ينص عليه القانون بعد احتجاجات العام 2019، وما رافقها من توتر سياسي وأزمة اقتصادية خانقة، أدت أخيراً في ربيع العام 2020 إلى توقف لبنان عن دفع ديونه الخارجية، وتنامي الأزمة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها. منذ تلك اللحظة، بات «المركزي» موكلاً تأمين العملة الصعبة لاستيراد السلع المدعومة، خصوصاً المحروقات والطحين والدواء.
وقالت مصادر مصرفية مواكبة لعمل «المركزي» إنه «تجاوز النسب المنطقية لتمويل حاجات الدولة، وكان مجبراً على توفير الدولار للسلع المدعومة التي استنزفت احتياطات الخزينة بنحو 20 مليار دولار خلال عامين، ذهب القسم الأكبر من المستوردات إلى التهريب»، في إشارة إلى أن احتياطات «المركزي» من العملة الصعبة كانت نحو 32 مليار دولار عشية إعلان لبنان عن التخلف عن تسديد الديون الخارجية، وتراجعت إلى ما يقارب الـ12 مليار دولار مطلع أبريل (نيسان) الجاري.
وقالت المصادر إن لبنان «وفر المحروقات المدعومة لدولتين بين 2019 وحتى سبتمبر (أيلول) 2021 هما لبنان وسوريا، وعادت عائدات التهريب على جيوب المهربين حصراً».
ويؤمن «مصرف لبنان» في هذه الأوقات، بطلب من الحكومة، الدولار لمستوردي الغذاء واللحوم والمحروقات، على منصة «صيرفة» التي يقل سعر الدولار فيها عن سعر السوق السوداء بنحو 10 في المائة، كما يؤمن الدعم لأدوية الأمراض المستعصية والأمراض المزمنة بنسب متفاوتة، إلى جانب دعم الطحين. وأعطت السلطة السياسية، حاكم المصرف المركزي (رياض سلامة) تفويضاً للتدخل في السوق لضبط الارتفاع الجنوني لسعر الدولار منذ مطلع العام، لكنها أكدت أن هذا التدخل «لن يكون مستداماً»، بالنظر إلى أن تعويض النقص يتطلب الاستعانة بالاحتياطات الإلزامية في مصرف لبنان.



انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
TT

انقلابيو اليمن يبطشون بصغار الباعة في ذمار

اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)
اتهامات لجماعة الحوثي بتعمد البطش بالسكان في ذمار (إكس)

تواصلاً لمسلسل انتهاكات الجماعة الحوثية الذي كانت بدأته قبل أسابيع في صنعاء وإب، وسّعت الجماعة من حجم بطشها بصغار التجار وبائعي الأرصفة في أسواق محافظة ذمار وشوارعها، وفرضت عليهم دفع إتاوات تحت مسميات غير قانونية. وفق ما ذكرته مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط».

وأكدت المصادر أن الحملات التي شارك فيها مسلحون حوثيون مدعومون بعربات عسكرية وجرافات وشاحنات، جرفت المتاجر الصغيرة وصادرت 40 عربة لبائعين متجولين بما فيها من بضائع في مدينة ذمار وعلى طول الشارع العام الرابط بين صنعاء ومحافظتي إب وتعز.

جانب من حملة حوثية استهدفت السكان وممتلكاتهم في ذمار (فيسبوك)

وجاءت الحملة التعسفية بناءً على مخرجات اجتماع ضم قيادات حوثية تُدير شؤون محافظة ذمار، (100 كيلومتر جنوب صنعاء) نصت على قيام ما تسمى مكاتب الأشغال العامة والمرور وصندوق النظافة والتحسين وإدارة أمن ذمار باستهداف صغار الباعة في المدينة وضواحيها قبيل انتهاء العام الحالي.

وبرّرت الجماعة الانقلابية حملتها بأنها للحفاظ على ما تسميه المنظر العام للشوارع، وإزالة العشوائيات والاختناقات مع زعمها بوجود مخالفات.

واشتكى مُلاك متاجر صغيرة، طالهم التعسف الحوثي لـ«الشرق الأوسط»، من ابتزاز غير مسبوق على أيدي مشرفين ومسلحين يجمعون إتاوات بالقوة تحت مسميات عدة.

وذكروا أن مسلحي الجماعة دهموا شوارع وأسواق شعبية في مناطق عدة بذمار، وباشروا بجرف المتاجر ومصادرة عربات البائعين واعتقلوا العشرات منهم عقب رفضهم دفع مبالغ مالية «تأديبية».

وأجبر الوضع المتردي كثيراً من السكان في ذمار ومدن أخرى تحت سيطرة الجماعة على العمل بمختلف المهن، حيث يعجّ الشارع الرئيسي للمدينة وشوارع فرعية أخرى منذ سنوات عدة بآلاف العاملين بمختلف الحِرف جُلهم من الشباب والأطفال والنساء؛ أملاً في توفير لقمة العيش.

انتهاكات ممنهجة

ويصف عبد الله (30 عاماً) وهو مالك متجر صغير، ما يتعرض له صغار الباعة من حرب شعواء من قِبل الجماعة الحوثية بأنه «انتهاكات ممنهجة» بقصد التضييق عليهم ودفعهم إلى الالتحاق ببرامج التعبئة العسكرية.

ويشير مراد، وهو مالك عربة متجولة إلى أنه تمكن من استعادة عربته من بين أيدي عناصر حوثيين بعد مصادرتها مع عربات بائعين آخرين في سوق شعبية وسط المدينة، وأكد أن ذلك جاء بعد استجابته بدفع مبلغ مالي لمسلح يُشرف على تنفيذ الحملة الاستهدافية.

الحوثيون صادروا عربات باعة بزعم التهرب من دفع إتاوات (فيسبوك)

وليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الجماعة صغار الباعة بذمار، فقد سبق لها أن نفذت منذ مطلع العام الحالي ما يزيد على 6 حملات للبطش والتنكيل بالمئات منهم؛ بغية إرغامهم على دفع إتاوات.

وكان الانقلابيون الحوثيون أطلقوا قبل نحو شهر حملة استهدفت بالتعسف والابتزاز تجاراً وبائعين في سوق «المثلث» بمدينة ذمار، أسفر عنها جرف متاجر صغيرة ومصادرة عربات وإتلاف بضائع.

وسبق للباعة الجائلين أن طالبوا مرات عدة سلطات الانقلاب في ذمار بتوفير أسواق بديلة لهم، بدلاً من الحملات التي تُشنّ عند كل مناسبة طائفية بهدف جمع أكبر قدر من المال.