انتخاب رئيس على قياس عون يعني التمديد لانهيار لبنان

مصدر سياسي أكد أنه لا مكان ل «وريثه السياسي »

لبنان يقف أمام استحقاق رئاسي على نقيض الاستحقاق السابق (الشرق الأوسط)
لبنان يقف أمام استحقاق رئاسي على نقيض الاستحقاق السابق (الشرق الأوسط)
TT

انتخاب رئيس على قياس عون يعني التمديد لانهيار لبنان

لبنان يقف أمام استحقاق رئاسي على نقيض الاستحقاق السابق (الشرق الأوسط)
لبنان يقف أمام استحقاق رئاسي على نقيض الاستحقاق السابق (الشرق الأوسط)

يستبعد مصدر سياسي لبناني بارز المجيء برئيس جديد للجمهورية على قياس الرئيس الحالي ميشال عون، بصرف النظر عن النتائج التي ستُرسى عليها الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في 15 مايو (أيار) المقبل. ويعزو السبب إلى أن تجربة «الرئيس القوي» أوقعت لبنان في انهيار شامل على المستويات كافة، بعد أن انحاز إلى فريق سياسي ضد الآخر، بدلاً من أن يلعب دور الجامع للبنانيين والعامل للتوفيق فيما بينهم والساعي لمعالجة الأسباب التي كانت وراء تصدع العلاقات اللبنانية العربية، وتحديداً الخليجية منها، والتي تسبب بها حليفه «حزب الله».
ويؤكد المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» أن التأزم غير المسبوق لم يعد يحتمل المجيء بالوريث السياسي لعون (صهره رئيس (التيار الوطني الحر) النائب جبران باسيل) رئيساً للجمهورية لتأمين الاستمرارية لإرثه السياسي، ويقول بأنه «لا مكان لباسيل في عداد لائحة المرشحين لرئاسة الجمهورية، ليس بسبب العقوبات الأميركية المفروضة عليه فحسب، وإنما للدور الذي لعبه كرئيس ظل والذي أتاح له الإمساك بمفاتيح رئاسة الجمهورية والتصرف على هواه في خوضه لحروب الإلغاء ضد خصومه السياسيين وما أكثرهم والاقتصاص منهم، وهذا ما أوصد الأبواب في وجه رئيس الجمهورية الذي لم يتمكن من تحقيق ما وعد به من إنجازات».
فتجربة «الرئيس القوي» أثبتت فشلها الذريع لأنه لم يقدم نفسه، كما يقول المصدر، على أنه رئيس لكل اللبنانيين، بدلاً من أن يكون لفريق من المسيحيين وتحديداً لتياره السياسي الذي أصبح عبئاً عليه ولم يعد له من هم سوى إعادة تعويم باسيل الذي اشتبك سياسياً مع جميع الأطراف ولم يبق له من حليف إلا «حزب الله» المُدرج اسمه على لائحة الإرهاب والعقوبات.
ويلفت المصدر السياسي إلى أن هناك صعوبة في تسويق باسيل للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى، ويقول إن «صهر الرئيس عمد عن سابق تصور وتصميم إلى تسخير ما لديه من نفوذ في إدارات ومؤسسات الدولة لخدمة طموحاته الرئاسية من دون أن يبادر عون إلى لجم سطوته عليها، بدلاً من أن يوفر له الغطاء السياسي وصولاً لمنحه حق النقض لكل ما يتعارض ومصلحة تياره السياسي».
ويؤكد أن «عون لم يتردد في إحالة من يراجعه من السياسيين لأمر ما على باسيل الذي يتدخل بغطاء من الفريق السياسي المحسوب على رئاسة الجمهورية في كل شاردة وواردة»، كاشفاً أن «عون اضطر الاثنين الماضي إلى إلغاء جميع مواعيده لانشغاله بترميم العلاقة بين مرشحي (التيار الوطني) عن دائرة جزين - صيدا النائب زياد أسود وزميله النائب السابق أمل أبو زيد بعد أن تبادلا الحملات السياسية والإعلامية غير المسبوقة التي دفعت بأبو زيد إلى إعلان انسحابه».
ويسأل: «هل يحق لعون التدخل في الانتخابات النيابية للقاء عُقد بين أسود وأبو زيد في حضور باسيل بدلاً من الوقوف على الحياد؟ وكيف يسمح بأن يتحول القصر الجمهوري إلى ماكينة انتخابية يرعى من خلالها رأب الصدع بين صهره وبين حلفائه في أكثر من دائرة انتخابية، خصوصاً أن الفريق السياسي المحسوب عليه يأخذ بتوجيهات باسيل ولا يحرك ساكناً من دون العودة إليه؟».
كما يسأل عن «مصير الاستراتيجية الدفاعية التي تعهد بها عون في خطاب القسم الذي ألقاه أمام البرلمان فور انتخابه رئيساً للجمهورية ووعد بإدراجها كبندٍ أول على طاولة الحوار، وقال بأنه صرف النظر عنها وقرر ترحيل البحث فيها إلى ما بعد زوال الأخطار الإسرائيلية عن لبنان لأن هناك حاجة لسلاح (حزب الله) (المقاومة) على خلفية أن الجيش وحده لا يملك القدرة للدفاع عن لبنان؟».
ويرى المصدر السياسي أن عون بتوفيره الغطاء السياسي لـ«حزب الله» سمح له بالقفز فوق ما ورد في البيان الوزاري للحكومات السابقة والحالية بالنأي بلبنان عن الصراع في المنطقة وتحييده عن النزاعات المشتعلة فيها، وصولاً إلى التدخل في الشؤون الداخلية لعدد من الدول العربية والعمل على زعزعة استقرارها وتهديد أمنها القومي، خصوصاً أن هذا التدخل ارتد سلباً على لبنان وكانت نتيجته تصدع علاقته بدول الخليج العربي.
ويعتبر أن تمادي عون وتياره السياسي في توفير الغطاء السياسي لـ«حزب الله» على بياض وبلا رادع كان وراء إلحاقه بمحور الممانعة بقيادة إيران من جهة واضطرار المجتمع الدولي لحجب مساعداته عن الدولة وتحويلها إلى المؤسسات والجمعيات العاملة في نطاق المجتمع الدولي، وهذا ما ظهر جلياً خلال الزلزال الذي ضرب بيروت بانفجار المرفأ.
ويؤكد أن عون يعالج الأزمات التي تحاصر لبنان ولا تجد من حلول لها بمواقف شعبوية ومزايدات يلجأ إليها كلما ارتفع منسوب الانهيار المالي والاقتصادي، وقال بأن مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات النيابية في 15 مايو المقبل غير المرحلة التي يمر فيها لبنان حالياً، ويُفترض أن تؤشر لبدء العد العكسي للدخول في الاستحقاق الرئاسي الذي لن يكون مهما كانت الاعتبارات والظروف نسخة طبق الأصل عن المعطيات التي أدت إلى انتخاب عون رئيساً للجمهورية حتى لو حققت قوى 8 آذار ومعها «التيار الوطني» فوزاً في الانتخابات أمن لها الحصول على الأكثرية النيابية.
ويدعو المصدر إلى التوقف ملياً أمام مطالبة البطريرك الماروني بشارة الراعي بانتخاب رئيس جمهورية متجرد يُمسك بزمام الأمور وهو الرئيس القوي، وإذا وجدنا هذا الشخص فسأقول هذا هو الرئيس القوي. وقال بأن المواصفات التي حددها لانتخاب الرئيس العتيد ما هي إلا اعتراف بعدم تكرار السيناريو الذي رعته بكركي بدعوتها قادة الموارنة الرئيس أمين الجميل ورئيس «التيار الوطني» آنذاك ميشال عون ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية للبحث في انتخاب رئيس جمهورية خلفاً للرئيس ميشال سليمان.
فالبطريرك الماروني، بحسب المصدر، يرى أن الرئيس القوي مسيحياً لا يكفي ما لم يكن قوياً إسلامياً، لأن قوته في الشارع المسيحي لا تكفي ما لم تتلازم مع تأييد إسلامي.
ومع أن الراعي تجنب الدخول في تقويمه لفترة ولاية الرئيس عون تاركاً له بأن يقوم نفسه، فإن مجرد وقوفه على الحياد يعني، من وجهة نظر المصدر السياسي، بأنه نأى بنفسه عن تقويم العهد القوي الذي اختير رئيساً في اجتماع قادة الموارنة في بكركي قبل أن يُنتخب رسمياً من قبل المجلس النيابي، وبالتالي فإنه بموقفه هذا اختار الحياد لئلا يُقحم بكركي في تقويم يلقى معارضة من قبل أكثرية القوى السياسية باستثناء «أهل البيت» أي «التيار الوطني» و«حزب الله».
وعليه فإن لبنان يقف أمام استحقاق رئاسي على نقيض الاستحقاق الذي أوصل عون إلى بعبدا، ولا يمكن إنجازه بقرار داخلي ما لم يتلازم انتخاب الرئيس بتأييد دولي يعيد لبنان إلى الحاضنة الأممية كممر إلزامي للانتقال به من الانهيار الذي يضعه على حافة الانفجار الاجتماعي الشامل إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي، وهذا ما يفسر إصرار الدولة على إجراء الانتخابات النيابية لضمان انتقال السلطة ولقطع الطريق على إغراق لبنان في فراغ قاتل يطيح بمؤسساته الدستورية التي هي الآن في حاجة إلى توفير الشروط لتفعيل دورها بدءاً بانتخاب رئيس يتمتع بمواصفات أولها النأي بنفسه عن الدخول في لعبة تصفية الحسابات وأن يبقى على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.