مصادر في أنقرة لـ«الشرق الأوسط»: استراتيجية عسكرية تركية جديدة لشل «قسد»

TT

مصادر في أنقرة لـ«الشرق الأوسط»: استراتيجية عسكرية تركية جديدة لشل «قسد»

بدأت تركيا في الأسابيع الأخيرة تطبيق استراتيجية عسكرية جديدة تقوم على توجيه ضربات مكثفة ومؤثرة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شمال شرقي سوريا، بحسب مصادر تركية في أنقرة.
وكثفت القوات التركية قصفها المدفعي لمواقع قسد في عين عيسى شمال الرقة وفي مواقع أخرى في الحسكة، امتدادا إلى أرياف حلب، كما استهدفت بالطائرات المسيرة مواقع قسد في عين عيسى وسط أنباء عن مقتل وإصابة عدد من قياداتها.
كان المركز الإعلامي لـ«قسد» أعلن أن طائرة مسيرة تركية استهدفت، الأحد، الماضي القيادي البارز بـ«المجلس العسكري السرياني»، أورم ماروكي، في بلدة تل تمر، ما أدى إلى إصابته.
وسادت توقعات بأن هذه الضربات تمهد لقيام القوات التركية و«الجيش الوطني السوري» الموالي لها بعملية عسكرية تستهدف قسد في المنطقة، لكن مصادر تركية، أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن شن عملية عسكرية واسعة في شمال شرقي سوريا غير وارد حاليا، لافتة إلى أن هناك تقاربا بدأ يتبلور بين تركيا والولايات المتحدة الداعمة لـ«قسد» كحليف وثيق في الحرب على تنظيم «داعش» الإرهابي، وأن أنقرة لا ترغب في عرقلة هذا التقارب الذي أثمر مؤخرا الاتفاق على آلية للتعاون الاستراتيجي بين البلدين خلال زيارة وفد أميركي لأنقرة، الاثنين، برئاسة مستشارة وزارة الخارجية الأميركية المسؤولة عن الشؤون السياسية فيكتوريا نولاند، وفي مقدمة القضايا التي تعالجها هذه الآلية الخلاف التركي الأميركي بشأن دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قسد، والتي تعتبرها أنقرة تنظيما إرهابيا يشكل امتدادا لحزب العمال الكردستاني في سوريا.
ولفتت المصادر إلى أن تركيا تركز على إجهاض أي محاولة للتقدم من جانب قسد وشل قدراتها على شن هجمات على قواتها أو حدودها، واستثمار التقارب مع واشنطن في تحقيق هذا الهدف فضلا عن انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا.
على صعيد آخر، نفذ مسلحون مجهولون هجوما، قبل فجر أمس (الأربعاء)، استهدف حاجزا تابعا للجبهة الشامية الموالية لتركيا، على طريق سجو الواصل بين أعزاز ومعبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، بريف حلب الشمالي، حيث جرى تبادل إطلاق نار بين عناصر الحاجز والمسلحين المهاجمين، الأمر الذي أدى لمقتل 5 على الأقل من الجبهة الشامية بينهم قيادي في الفصيل، وسط معلومات عن مقتل أحد المهاجمين الذين لا تزال هويتهم مجهولة.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن الجبهة الشامية استنفرت قواتها واستقدمت تعزيزات إلى المنطقة، عقب الهجوم الذي يعد الأعنف هذا العام، وسط عمليات تمشيط بحثاً عن المسلحين.
وفي مطلع أبريل (نيسان) الحالي، قتل 3 عسكريين وأصيب آخرون بجراح، جراء اقتتال مسلح عنيف بين الجبهة الشامية وحركة أحرار الشام في قرية عولان بريف مدينة الباب شرق حلب، في حين تمكنت حركة «أحرار الشام» من أسر العشرات من عناصر «الجبهة الشامية».



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.