الدراما السورية ما بعد الحرب: لا نجاة من الفظاعة

الدراما السورية ما بعد الحرب: لا نجاة من الفظاعة
TT

الدراما السورية ما بعد الحرب: لا نجاة من الفظاعة

الدراما السورية ما بعد الحرب: لا نجاة من الفظاعة

على متابع مسلسل «كسر عضم» التحلّي بأعصاب فولاذية. فكاميرا مخرجته رشا شربتجي قاسية، تصوّر المطحنة البشرية كما هي، وتتعمد الزج في اللهب. صنف هذه المسلسلات السورية لا يمشي مع الحائط ولا يفضّل الأقمشة الرمادية. باحترافه وشجاعته، يعيد للصناعة الدرامية المنهكة جراء الحرب مكانتها.
مسلسل سوري آخر، شخوصه تتقلّب على الجمر فتحترق من دون أن يشتم أحد رائحة شوائها، لإغلاق المتفرّجين أنوفهم وإدارة ظهورهم. إنه «مع وقف التنفيذ» بكاميرا سيف السبيعي. وثالثُ المسلسلات السورية، يتراءى «رقيقاً». الحقيقة غير ذلك، برغم الحضور اللطيف لدريد لحام بشخصية «أمين»، مُرجّح كفة العقل. «على قيد الحب»، وردة على قبور منسية.
تملك الدراما السورية أوراقاً رابحة. وبرغم أنّ تقدّمها لا يزال «بطيئاً» مقارنة بما كان عليه عزّ مشهدها الرمضاني، فإنّ النهوض من الركام هذا العام لافت. يشبه الأمر مَن يهدّه الزمن ومع ذلك يتمسك بالمحاولات. لم تكن الظروف سهلة على شركات الإنتاج، وتعثّر كلٌ منها بأوضاع أعادت العقارب إلى الوراء. شيء من الزخم السوري يعود إلى رمضان 2022.
والزخم مردّه إلى النوع قبل الكم. فمشاركة نحو 12 عملاً في السباق، لا تعني أنها جميعها صُوّرت هذه السنة. الإرجاء سيد الظروف المتقلّبة، وهو يطال أعمالاً لقيت نجاحاً في موسمها الأول، ولم تُتح لها فرصة العرض الموسم المقبل، كـ«مقابلة مع السيد آدم» حيث الحضور المتفوق لغسان مسعود، فتأجل لما بعد رمضان للعام الثاني. وضمن الـ12 عملاً، ثمة أعمال تستكمل أجزاءها السابقة كـ«الكندوش 2» و«حارة القبة 2» و«باب الحارة 11»؛ والأخير محاولة بائسة للبقاء على قيد الحياة.
ثلاثية «كسر عضم»، «مع وقف التنفيذ» و«على قيد الحب»، بمثابة تأكيد على أنّ ثمة ما يعوّض. المعادلة المثالية هي لقاء العدد مع النوع، فلا تفرغ مسلسلات من محتواها وتتزلق إلى السذاجة بذريعة حجز المكانة على المسرح. تعذُّر الجمع بين الاثنين لظرف قاهر، يفرض ميلاً بديهياً لتقييم المشهد الفني وفق نوعه وغاياته. المستوى اللائق في المحتوى والصورة، يجعل من الثلاثية المذكورة رافعة لشأن الدراما السورية ومشعلة وهجها برغم محاولات إسكات النار.
لا يشمل التقييم أعمال البيئة الشامية ودمشق في عشرينات القرن الماضي، فذلك له عودة. ولا كوميديا الواقع المرير التي تترك وقْعها في المشهد السوري، وهي مُنتظرة لمسح آلام الهاربين من براكين الحروب وتراشق حممها.
تشهد هذه السنة تراجعاً يمكن التمهل أمام ارتداداته على الأجندة الدرامية، للمسلسلات السورية - اللبنانية المشتركة وغياب بعض أبرز نجومها كتيم حسن وعابد فهد ومكسيم خليل وقصي خولي عن صدارة المشهد. ولهذا عودة لاحقة. في الكباش بين النوعين، المحض سوري والأعمال المشتركة، الغلبة للكباش الأول، فيسيطر بمساحته وقربه من جحيم الإنسان المُعذّب.
«كسر عضم»، أفواهُ الوحوش الجائعة. يكتب علي الصالح نصاً يتنزه في مشرحة، وتُكمل رشا شربتجي الباقي. في المسلسل، ممثلون من لحم ودم، وخزان يفجّر مشاعر الغضب حيال الخراب ودوس الكرامات. هذه الدراما السورية في واحدة من ذرواتها المهيأة لمزيد من التصاعد. الصراع رأساً برأس والنذالة على الطاولة.
المسلسل جريء، يطرق أبواباً ليست لضعفاء القلوب. يختزل فايز قزق بأدائه الماهر وتلاعبه بملامحه ونظراته، الوجه الحقيقي للفساد. وله أساليب عدة، كالتلاعب بالقانون ومراكمة علاقات مشبوهة مع نافذين في الأجهزة، والتصفية والاغتيالات. الخير والشر مأخوذ من بيوت السوريين ومدنهم الشاهدة على المجازر. فموت زوج «عبلة» (كاريس بشار) بتفجير يدبّره «الحكم» (قزق)، يجعل اللعبة مكشوفة ويُصعّب الإمساك بالفاعل. اليد لا تطال كل شيء، والعدالة رخوة.
منذ بدايته، والمسلسل (إنتاج «كلاليت»، LBCI و«أبوظبي») يلعب بالنار ويحرق الأصابع. لهيبه واقعي، مع عتب على كاميرا المخرجة المفرطة في دس الملح بالجرح. تصويرها الجثث المحترقة بعد التفجير، وإمعانها في تقريب الكاميرا عليها، عذاب لمَن فقدوا أحبتهم بقسوة مماثلة. بطريقها، تصوّر الألم السوري على شكل آخر، بدموع الممثلة نور علي بعد ثبوت حملها. الضحايا يدفعون الأثمان.
«مع وقف التنفيذ» يعصر الجرح فوق برك دم تخفي فظاعة الأحمر. الكتابة لعلي وجيه ويامن الحجلي الباحث عن التجدّد في أدواره، والإخراج لسبيعي المؤدي في المسلسل دور «صافي» (إنتاج «إيبلا»، «شاهد»، MBC دراما...). هنا سوريا بعد سكوت المدافع؛ إنسانها من طبقات تتفتت كتقشير الجلد. للجميع ماضٍ، بعدما أصبحت الحياة مراحل زمنية تفضح العطب النفسي.
خلطة السياسة والاقتصاد والمجتمع تُدخل «حارة العطارين» بمشاكل متتالية خلال مرحلة إعادة الأعمال وتقاسم الغنائم. هو مسلسل الإنسان الناجي بالاسم، المقتول بالفعل. وكما تكون أوطانكم تكونون، فتتهشّمون بتهشّمهما وتزدهرون بازدهارها. منطق يخترقه مستفيدون من الأزمات بأبشع مظاهر الجشع الإنساني والحربائية الاجتماعية.
تلمع صباح الجزائري في دور «عزيزة»، والدة «هشام» (فادي صبيح الممتاز في الأداء) بحضورها القصير. الاحتقان يولد استعداداً للقتل ورفضاً للصفح ونفوساً مؤججة بالكراهية، ويفتّح أشكال التطرّف. تقييم حضور الشخصيات له عودة: غسان مسعود، عباس النوري، سلاف فواخرجي، شكران مرتجى وصفاء سلطان.
يمكن الكتابة بالتفاصيل عن كل مسلسل بعد اتضاح الخيوط وإعطاء الشخصيات فرصة التمادي باللعب. في «على قيد الحب» (إنتاج «إعمار الشام»، «لنا»، «سوريا دراما»)، مدينة تتنفس من روحها بعد ضريبة لملمة الأنفاس. بديع دريد لحام وهو يختزل الجَمعة بعد الشتات والاحتواء في الشدائد. يكتب فادي قوشقجي نصاً هو محاكاة نوستالجية لوطن منشود، فيتولى المخرج باسم السلكا مداعبة المشاعر: أغنيات فيروز، رائحة القهوة، الصور على الجدران... أسامة الروماني بشخصية الأب المكسور «حسان» اختزال الغصة الجماعية وحرقة القلب التي تلتهم الأوادم. استيقاظ الضغائن يكشف معادن البشر الأصلية، والمسلسل يزيح الستائر عن عالمين: الوجوه والطبائع.



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.