قيمتها 120 مليار دولار... كيف تعيد الحرب في أوكرانيا رسم تجارة الحبوب العالمية؟

أطنان من الذرة داخل صومعة أوكرانية
أطنان من الذرة داخل صومعة أوكرانية
TT

قيمتها 120 مليار دولار... كيف تعيد الحرب في أوكرانيا رسم تجارة الحبوب العالمية؟

أطنان من الذرة داخل صومعة أوكرانية
أطنان من الذرة داخل صومعة أوكرانية

امتلأت الصوامع الأوكرانية بـ15 مليون طن من الذرة من حصاد الخريف، كان من المفترض أن يصل معظمها إلى الأسواق العالمية.
وحسب تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ»، أصبح من الصعب إيصال تلك المخزونات - حوالي نصف كمية الذرة التي كان من المتوقع أن تصدرها أوكرانيا لهذا الموسم - إلى المشترين، بسبب الاضطرابات التي أحدثتها الحرب الروسية في تجارة الحبوب العالمية التي تبلغ قيمتها 120 مليار دولار تقريباً. تتأهب الأسواق لمزيد من الاضطرابات في سلسلة التوريد وأسعار الشحن المرتفعة والطقس السيئ، حيث أصبحت عمليات التسليم من أوكرانيا وروسيا - اللتين تمثلان معاً نحو ربع تجارة الحبوب في العالم - معقدة بشكل متزايد ما أثار تخوفاً من أزمة نقص غذاء في العالم.
قبل هجوم روسيا، كانت الذرة الأوكرانية تشق طريقها إلى موانئ البحر الأسود مثل أوديسا وميكولايف بالسكك الحديدية، ويتم تحميلها على متن سفن متجهة إلى آسيا وأوروبا. ولكن مع إغلاق الموانئ، فإن كميات صغيرة من الذرة تتجه نحو الغرب بالسكك الحديدية عبر رومانيا وبولندا قبل شحنها. إضافة إلى ذلك يجب تغيير عجلات العربات عند الحدود، لأنه على عكس القضبان الأوروبية، تسير عربات القطارات الأوكرانية على مسارات أوسع تعود إلى الحقبة السوفياتية.

وقالت نائبة رئيس نادي الأعمال الزراعية الأوكراني كاترينا ريباتشينكو، «ليس من المفترض أن تسير السكك الحديدية في هذا الاتجاه مع الحبوب. وهذا يجعل الخدمات اللوجيستية بأكملها باهظة الثمن وغير فعالة، كما أنها بطيئة للغاية. من الناحية اللوجيستية، إنها مشكلة كبيرة».

عملاق الذرة
أوكرانيا هي واحدة من أكبر مصدري الذرة والقمح وزيت دوار الشمس في العالم، إلا أن عمليات التصدير توقفت إلى حد كبير. وتقول وزارة الزراعة في البلاد إن صادرات الحبوب محدودة حالياً بـ500 ألف طن شهرياً، بانخفاض عن 5 ملايين طن قبل الحرب، وبخسارة قدرها 1.5 مليار دولار. لا تزال المحاصيل من روسيا - أكبر مصدر للقمح في العالم - تتدفق، لكن الأسئلة لا تزال قائمة بشأن التسليم ودفع ثمن الشحنات المستقبلية.
تؤدي الاضطرابات في تدفقات الحبوب والبذور الزيتية - وهي مواد أساسية لمليارات البشر والحيوانات في جميع أنحاء العالم - إلى ارتفاع الأسعار. تتدافع البلدان التي تخشى احتمال حدوث نقص في الغذاء للعثور على موردين بديلين، كما أن أنواعاً من التجارة الجديدة بدأت في الظهور.
الهند، التي حافظت تاريخياً على محاصيلها الضخمة من القمح في الداخل - بفضل السعر الذي حددته الحكومة - بدأت تتصدر سوق التصدير، وتبيع كميات قياسية في جميع أنحاء آسيا. كما تجاوزت صادرات البرازيل من القمح في الأشهر الثلاثة الأولى من السنة الحالية تلك المسجلة في العام الماضي بأكمله. تتجه شحنات الذرة الأميركية إلى إسبانيا لأول مرة منذ حوالي أربع سنوات. وتفكر مصر في استبدال الأسمدة بحبوب رومانية، وإجراء محادثات بشأن القمح مع الأرجنتين.

وقال رئيس «AgResource» دان باس، وهي شركة أبحاث أسواق الزراعة، إن حتى تلك الجهود قد لا تكون كافية. وأضاف: «إذا امتد الصراع إلى الصيف، عندما تتزايد صادرات القمح من البحر الأسود عادة، عندئذ تبدأ المشاكل. هذا هو الوقت الذي يبدأ فيه العالم في رؤية أوجه القصور».
الموردون البديلون لديهم تكلفة شحن أغلى أو جودة مختلفة، مما يزيد من تسارع تضخم أسعار المواد الغذائية. كانت الإمدادات العالمية تعاني بالفعل من الجفاف في كندا والبرازيل وعقبات النقل في أجزاء من العالم، من اختناقات السكك الحديدية في الولايات المتحدة إلى إضرابات سائقي الشاحنات عبر إسبانيا. أدت الصدمة الإضافية من الحرب إلى ارتفاع الأسعار إلى مستوى قياسي، حيث ارتفعت العقود الآجلة للذرة والقمح في شيكاغو بأكثر من 20 في المائة منذ بداية هذا العام.
حذرت الأمم المتحدة من أن أسعار المواد الغذائية - التي وصلت بالفعل إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق - قد ترتفع بنسبة تصل إلى 22 في المائة أكثر. وقالت إن التراجع الحاد في صادرات البحر الأسود قد يترك ما يصل إلى 13.1 مليون شخص إضافي يعانون من نقص التغذية، مما يعمق ارتفاع معدلات الجوع في العالم في عالم لا يزال يتعافى من آثار الوباء.
في الوقت الحالي، يتدخل موردون آخرون. وبسبب ارتفاع الأسعار، عززت الهند، ثاني أكبر دولة منتجة للقمح بعد الصين، الصادرات، التي ربما وصلت إلى مستوى قياسي بلغ 8.5 مليون طن في الموسم المنتهي الشهر الماضي. قال نيليش شيفاجي شيدج (46 سنة)، الذي يزرع القمح على خمس أرضه البالغة مساحتها 15 فداناً: «لا أتذكر آخر مرة كانت فيها أسعار السوق المفتوحة أعلى من الحد الأدنى لسعر الدعم الحكومي».

يعج مينائي كاندلا وموندرا في ولاية جوجارات الغربية، وهما المدخلان الرئيسيان لتصدير القمح، بالنشاط مع ارتفاع المبيعات. تعمل الحكومة على توفير المزيد من سعة السكك الحديدية لنقل القمح، بينما طُلب من سلطات الموانئ زيادة عدد المحطات والحاويات المخصصة للحبوب. كما تستعد بعض الموانئ على الساحل الشرقي الهندي وميناء جواهر لال نهرو في مومباي للتعامل مع شحنات القمح.
وقال وزير الغذاء والتجارة الهندي، بيوش جويال، يوم الأحد، «سنواصل تصدير القمح بشكل كبير لتلبية الاحتياجات في البلدان التي لا تحصل على إمدادات من مناطق الصراع. ويركز مزارعونا على زيادة الإنتاج».
الهند تفاوض للوصول إلى الأسواق في مصر وتركيا والصين (ثلاثة من أكبر أربعة مستوردين)، ومشترين محتملين آخرين، بما في ذلك البوسنة ونيجيريا وإيران، وفقاً لوزارة التجارة.
كما تتوقع البرازيل - وهي مستورد صافٍ للقمح - أعلى الوصول إلى أعلى نسبة صادرات من الحبوب منذ عقد من الزمان.
كما تعمل أستراليا، وهي مُصدرة كبيرة للقمح، بكامل طاقتها، مع حجز شحنات لأشهر وشراء المشترين للحبوب أكثر من المعتاد.
تقوم بعض الحكومات بتقييد التجارة لمواجهة ارتفاع أسعار المواد الغذائية. منعت صربيا، تاسع أكبر مصدر للذرة، الصادرات مؤقتاً. زادت الأرجنتين وإندونيسيا الضرائب على صادرات الزيوت النباتية، وستحد كازاخستان من شحنات القمح. يقدر مجلس الحبوب الدولي أن التجارة العالمية في الحبوب، باستثناء الأرز، يمكن أن تتقلص بمقدار 12 مليون طن هذا الموسم، وهو رقم عدد خلال عقد على الأقل.
يعتمد المستوردون من شمال أفريقيا والشرق الأوسط بشكل خاص على الإمدادات الروسية والأوكرانية ويكافحون لإيجاد بدائل. الجزائر - التي فتحت أبوابها لقمح البحر الأسود العام الماضي فقط - عادت بالفعل إلى الشحنات الفرنسية. تضطر مصر، أكبر مستورد للقمح في العالم - حيث أتت أكثر من 80 في المائة من وارداتها من روسيا وأوكرانيا على مدى السنوات الخمس الماضية - إلى خفض مشترياتها مع ارتفاع الأسعار. وألغت مناقصتي استيراد متتاليتين، حيث جفت العروض، وارتفعت الأسعار بنحو 100 دولار للطن، بما في ذلك الشحن.
قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يوم الخميس، للمشرعين الهولنديين، إن الروس «يفعلون كل شيء لتدمير إمكاناتنا الزراعية، وإثارة أزمة غذائية ليس فقط في أوكرانيا ولكن في العالم»، قائلاً إن «القوات الروسية زرعت ألغاماً أرضية في الحقول، وأن المعدات الزراعية قد دمرت».

على الأرض في أوكرانيا، يكافح المزارعون للحصول على الأسمدة لمحاصيل القمح المزروعة في الخريف مع خروجهم من سبات الشتاء. من المقرر أن تنخفض زراعة المحاصيل الربيعية الرئيسية مثل الذرة وعباد الشمس، حيث يتعامل المنتجون مع نقص في الديزل وزيادة عمليات سرقة الجرارات.


مقالات ذات صلة

تقرير: عودة ترمب تثير تساؤلات حول مستقبل تجنيد الاستخبارات الأميركية للروس «الساخطين»

الولايات المتحدة​ فلاديمير بوتين يصافح دونالد ترمب خلال لقاء في اليابان (أ.ب)

تقرير: عودة ترمب تثير تساؤلات حول مستقبل تجنيد الاستخبارات الأميركية للروس «الساخطين»

قالت صحيفة «غارديان» البريطانية إن على مدى السنوات الثلاث الماضية، أدارت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية برنامجاً جريئاً بشكل غير عادي لاستهداف الروس

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته (أرشيفية - أ.ب)

روسيا تشن هجمات غير مسبوقة... وتتوعد بالمزيد

أفادت السلطات الأوكرانية بأن القوات الروسية شنت ليل الاثنين - الثلاثاء هجمات غير مسبوقة بطائرات مسيّرة على مدن أوكرانية، مما تسبب في انقطاع التيار.

أوروبا المسؤول بوزارة الدفاع الأوكرانية أولكسندر ريابتسيف (يمين) خلال مؤتمر قمة سيام ريب - أنغكور حول عالم خالٍ من الألغام في مقاطعة سيام ريب بكمبوديا 26 نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

أوكرانيا تتهم روسيا بـ«ممارسات تنم عن إبادة» في استخدامها الألغام

قال ممثل لوزارة الدفاع الأوكرانية، إن روسيا تقوم ﺑ«ممارسات تنم عن إبادة» من خلال استخدام الألغام المضادة للأفراد في أوكرانيا، وذلك خلال قمة دولية في كمبوديا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي مارك روته خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس بعد لقائهما في أثينا الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

أمين عام «الناتو»: الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» في دعمه أوكرانيا

قال الأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روته، الثلاثاء، إن الحلف «يحتاج إلى الذهاب أبعد» لدعم أوكرانيا في حربها ضد الغزو الروسي.

«الشرق الأوسط» (أثينا)
أوروبا أضرار في موقع هجوم صاروخي روسي ضرب مبنى إدارياً لبنك متوقف عن العمل جنوب غربي أوكرانيا 25 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

روسيا تستهدف البنية التحتية الأوكرانية بأكبر هجوم مسيّرات منذ بدء الحرب

قال مسؤولون أوكرانيون، الثلاثاء، إن القوات الروسية شنّت أكبر هجوم لها على الإطلاق بطائرات مسيّرة على أوكرانيا الليلة الماضية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

طلبات إعانات البطالة تتراجع في الولايات المتحدة

آلاف الأشخاص خارج مكتب بطالة مؤقت في مبنى الكابيتول بولاية كنتاكي (رويترز)
آلاف الأشخاص خارج مكتب بطالة مؤقت في مبنى الكابيتول بولاية كنتاكي (رويترز)
TT

طلبات إعانات البطالة تتراجع في الولايات المتحدة

آلاف الأشخاص خارج مكتب بطالة مؤقت في مبنى الكابيتول بولاية كنتاكي (رويترز)
آلاف الأشخاص خارج مكتب بطالة مؤقت في مبنى الكابيتول بولاية كنتاكي (رويترز)

انخفض عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة الأسبوع الماضي، لكن العديد من العمال المسرحين ما زالوا يعانون من فترات طويلة من البطالة، ما يبقي الباب مفتوحاً أمام إمكانية خفض أسعار الفائدة مرة أخرى من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي في ديسمبر (كانون الأول).

وأفادت وزارة العمل، يوم الأربعاء، بأن الطلبات الأولية للحصول على إعانات البطالة في الولايات المتحدة تراجعت بمقدار ألفي طلب، ليصل العدد إلى 213 ألف طلب معدلة موسمياً للأسبوع المنتهي في 23 نوفمبر (تشرين الثاني). وتم نشر التقرير في وقت مبكر هذا الأسبوع بسبب عطلة عيد الشكر يوم الخميس.

وكان الاقتصاديون الذين استطلعت «رويترز» آراءهم قد توقعوا 216 ألف طلب للأسبوع الأخير. وقد انخفضت الطلبات عن أعلى مستوى لها في عام ونصف العام، سُجل في أوائل أكتوبر (تشرين الأول)، وكان نتيجة للأعاصير والإضرابات في شركة «بوينغ» وشركات الطيران الأخرى. وهي الآن عند مستويات تشير إلى انخفاض معدلات التسريح من العمل وانتعاش التوظيف في نوفمبر. ففي أكتوبر، أدت العواصف والإضراب الذي استمر 7 أسابيع في شركة «بوينغ» إلى تقليص الزيادة في الوظائف غير الزراعية إلى 12 ألف وظيفة فقط.

وعلى الرغم من التوقعات بانتعاش في الوظائف، من المرجح أن يبقى معدل البطالة ثابتاً أو حتى يرتفع هذا الشهر. فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين يتلقون إعانات بعد الأسبوع الأول من المساعدة، وهو مقياس غير مباشر للتوظيف، بمقدار 9 آلاف ليصل إلى 1.907 مليون شخص وفق بيانات معدلة موسمياً في الأسبوع المنتهي في 16 نوفمبر، وفقاً لتقرير طلبات البطالة.

وتشير بيانات الطلبات المستمرة المرتفعة إلى أن العديد من العمال المسرحين يجدون صعوبة في العثور على وظائف جديدة. وتغطي هذه البيانات الفترة التي يتم خلالها مسح الأسر لمعدل البطالة لشهر نوفمبر. وقد ظل معدل البطالة ثابتاً عند 4.1 في المائة لمدة شهرين متتاليين. وسيكون تقرير التوظيف لشهر نوفمبر أمراً حاسماً في تحديد قرار الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة في منتصف ديسمبر.

ويرى معظم الاقتصاديين أن خفض أسعار الفائدة في الشهر المقبل أمر غير مؤكد في ظل إشارات تباطؤ انخفاض التضخم.

وأظهرت محاضر اجتماع السياسة الفيدرالية في 6 - 7 نوفمبر، التي نُشرت يوم الثلاثاء، أن المسؤولين بدا أنهم منقسمون بشأن مدى الحاجة إلى مواصلة خفض الأسعار. وكان الاحتياطي الفيدرالي قد خفض تكاليف الاقتراض بمقدار 25 نقطة أساس في وقت سابق من هذا الشهر، ما أدى إلى خفض سعر الفائدة القياسي إلى نطاق 4.50 - 4.75 في المائة.

وبدأ البنك المركزي الأميركي في تخفيف السياسة النقدية منذ سبتمبر (أيلول) بعد أن رفع أسعار الفائدة في عامي 2022 و2023 لمكافحة التضخم.