بيطري عراقي «يُسعف» جواميس الأهوار ويخفف معاناة مربيها

البيطري كرار إبراهيم هندي يعاين جاموساً مريضاً (أ.ف.ب)
البيطري كرار إبراهيم هندي يعاين جاموساً مريضاً (أ.ف.ب)
TT

بيطري عراقي «يُسعف» جواميس الأهوار ويخفف معاناة مربيها

البيطري كرار إبراهيم هندي يعاين جاموساً مريضاً (أ.ف.ب)
البيطري كرار إبراهيم هندي يعاين جاموساً مريضاً (أ.ف.ب)

قد يبدو كقارب أبيض بسيط يجول مياه أهوار الجبايش في جنوب العراق، لكنه في الواقع إسعاف مخصص لعلاج حيوان الجاموس الذي يعتمد عليه سكان هذه المنطقة بشكل كبير ويشكّل عصبها الحيوي.
يبدأ المركب الصغير رحلته من مركز قضاء الجبايش في محافظة ذي قار على ظهر شاحنة، ثمّ تحمله رافعة إلى المياه. يقطع المياه الزرقاء وسط القصب، على متنه فريق من أربعة أشخاص من منظمة «المناخ الأخضر» العراقية، بينهم الطبيب قد يبدو كقارب أبيض بسيط يجول مياه أهوار الجبايش في جنوب العراق، لكنه في الواقع إسعاف مخصص لعلاج حيوان الجاموس الذي يعتمد عليه سكان هذه المنطقة بشكل كبير ويشكّل عصبها الحيوي.

يبدأ المركب الصغير رحلته من مركز قضاء الجبايش في محافظة ذي قار على ظهر شاحنة، ثمّ تحمله رافعة إلى المياه. يقطع المياه الزرقاء وسط القصب، على متنه فريق من أربعة أشخاص من منظمة «المناخ الأخضر» العراقية، بينهم الطبيب البيطري كرار إبراهيم هندي.
الوجهة: بيوت القصب المنصوبة حول المياه، التي يقطنها مربو الجواميس وتسمّى في الموروث الشعبي «الجبيشة». قارب الإسعاف هذا جزء من مبادرة انطلقت في 18 مارس (آذار) تقوم بها المنظمة مع منظمة بيطريون بلا حدود الفرنسية لمعاينة الجواميس في تلك المناطق النائية التي يعتمد سكانها على صيد السمك وتربية الجواميس، ويستخدمون قوارب بدائية من الخشب والقصب للتنقل.

يصل قارب الإسعاف إلى عمق مناطق أهوار الجبايش، كما يشرح المنظمون، التي تضمّ نحو 30 ألف جاموس، وبين 5 إلى مائة كمعدّل لكلّ مزارع. والأهوار عبارة عن سهل رسوبي منخفض تتجمّع فيه المياه، غرب نهر دجلة، وهي واردة ضمن لائحة التراث العالمي لليونيسكو كمحمية طبيعية دولية وتعتبر كذلك منطقة سياحية. يقول مختار محمد سعيد، المدير التنفيذي لمنظمة المناخ الأخضر إن «الغاية هي أن يصل القارب يومياً إلى هذه المسافات البعيدة... إذا مرضت هذه الحيوانات لا يستطيع مربي الجاموس أن ينقلها إلى مركز المدينة ولا يستطيع أن يشخص بشكل صحيح».
عصب استراتيجي
يشرح المنظمون، لمربي الجواميس الكهل الذي وقف قرب بيته مرتدياً عباءة تقليدية وكوفية، ومتكئاً على عصاه، كيف سيوفّر عليه هذا القارب عناء الطريق الوعر والمسافات والأموال لمعالجة حيواناته، والأرقام المتوفرة للتواصل معهم. الخدمة مجانية كما يشرح الطبيب كرار إبراهيم هندي، مضيفاً أنه ما على المزارع سوى شراء الدواء.
ويروي لوكالة الصحافة الفرنسية: «الإسعاف البيطري هي المبادرة الأولى والوحيدة المماثلة في أهوار العراق... تقوم بتقليل مسافات بين مربي الجاموس الموجودين في وسط أهوار العراق والمجتمع المدني والأطباء الموجودين في مركز مدينة الجبايش».
يخرج راعٍ شاب ارتدى ثوباً تقليدياً أسود ولفّ عنقه بوشاح أخضر، واحداً من جواميس عائلته التي لا تزيد عن عشرة من الحظيرة، فيما يقف كرار بثوبه الأبيض بانتظار معاينة الحيوان. يفحص الطبيب الشاب نبضات قلب الحيوان مربتاً على فروه الأسود. يدخل الحظيرة ويعاين الماشية الأخرى بانتباه، قبل أن يصعد القارب من جديد متوجهاً نحو منزل آخر.
بالنسبة لمربي الجواميس صباح ثامر، تنقذ هذه المبادرة العديد من هذه الحيوانات الثمينة والأساسية بالنسبة لسكان المنطقة الذين يستفيدون من حليبها ويصنعون منه الأجبان والقيمر التقليدي. ويروي: «هناك أشخاص لا يملكون الأموال ولديهم جاموس أو اثنان لا يعرفون كيف يتدبرون علاجها لا يملكون المال. تبقى الجواميس مريضة ليومين أو ثلاثة ثمّ تنفق».

تلوّث
رغم كونها منطقة حيوية، وشكّلت مهد ظهور أولى الحضارات الإنسانية، فإن الأهوار معرضة للجفاف والتلوث، بسبب التغير المناخي، وسكانها مهددون بالنزوح، كما أن الجفاف يهدّد تلك الحيوانات الأساسية للنظام البيئي فيها. بات لملف المياه أهمية كبرى في العراق، لا سيما بسبب التغير المناخي والجفاف المتكرر وارتباط الأمر بملفات جيوسياسية متعلقة بتقاسم مياه نهري دجلة والفرات، خصوصاً مع تركيا وسوريا وإيران.
مع تراجع الأمطار والجفاف، بات العراق البلد «الخامس في العالم» الأكثر تأثراً بالتغير المناخي كما أعلنت وزارة البيئة العراقية في الآونة الأخيرة. في أغسطس (آب)، حذرت العديد من المنظمات غير الحكومية من أن سبعة ملايين شخص مهددون بالحرمان من المياه بسبب عدم قدرتهم الوصول إلى الأنهر أو بسبب الجفاف. وأصبح جفاف الأنهر والأهوار واضحاً بالعين المجردة ويتسارع بشكل مطّرد في بلد شهد منذ 40 عاماً حروباً وأزمات متتالية أضرّت بشدّة بالبنى التحتية، فبات العراق يفتقر إلى مقومات التأقلم مع مناخ لا ينفكّ يزداد قساوة. وبحسب الأمم المتحدّة، فإنّ 3.5 في المائة من الأراضي الزراعية في العراق فقط مزوّدة بأنظمة ري.
وما يخشاه مربي الجواميس، صباح، هو ازدياد ملوحة المياه. يقول: «المياه هذه إذا بقيت كذلك ستزيد الضرر على الحيوانات حتى القوية ستموت. المياه المالحة تزيد أمراضها كثيراً». ويقول عمر الشيخلي المختص بعلوم الأحياء والمدير الفني لمنظمة المناخ الأخضر إن «التلوث يضرب نوعية المياه التي تصبح غير صالحة لهذه الحيوانات... ويضرّ بنمو النباتات الطبيعية التي تعتبر أعلافاً طبيعية للجاموس أيضاً».



بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
TT

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)
مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى، فإن المصرية مريم شريف تفوقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بالدورة الرابعة لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي» التي تَنافس على جوائزها 16 فيلماً، وترأس لجنة تحكيمها المخرج العالمي سبايك لي، لتحوز جائزة «اليسر» لأفضل ممثلة عن أدائها لشخصية «إيمان»، الشابة التي تواجه التّنمر بسبب قِصرِ قامتها في فيلم «سنو وايت»، وذلك خلال حفل ختام المهرجان الذي أقيم الخميس في مدينة جدة السعودية.

وعبّرت مريم عن سعادتها بهذا الفوز قائلة لـ«الشرق الأوسط»: «الحمد لله، هذه فرحة كبيرة تكلّل جهودنا طوال فترتي التحضير والتصوير، لكنني أحتاج وقتاً لأستوعب ذلك، وأشكر أستاذة تغريد التي أخضعتني لورشِ تمثيلٍ عدة؛ فكُنا نجلس معاً لساعات طوال لتُذاكر معي الدّور وتوضح لي أبعاد الشخصية، لذا أشكرها كثيراً، وأشكر المنتج محمد عجمي، فكلاهما دعماني ومنحاني القوة والثقة لأكون بطلة الفيلم، كما أشكر مهرجان (البحر الأحمر السينمائي) على هذا التقدير».

المخرجة تغريد أبو الحسن بين منتج الفيلم محمد عجمي والمنتج محمد حفظي (إدارة المهرجان)

سعادة مريم تضاعفت بما قاله لها المخرج سبايك لي: «لقد أذهلني وأبهجني برأيه حين قال لي، إن الفيلم أَثّر فيه كثيراً بجانب أعضاء لجنة التحكيم، وإنني جعلته يضحك في مشاهد ويبكي في أُخرى، وقلت له إنه شرفٌ عظيم لي أن الفيلم حاز إعجابك وجعلني أعيش هذه اللحظة الاستثنائية مع أهم حدث في حياتي».

وأضافت مريم شريف في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أنها لم تُفكّر في التمثيل قبل ذلك لأن السينما اعتادت السخرية من قِصار القامة، وهو ما ترفضه، معبّرة عن سعادتها لتحقيق العمل ردود أفعال إيجابية للغاية، وهو ما كانت تتطلّع إليه، ومخرجته، لتغيير أسلوب تعامل الناس مع قِصار القامة لرؤية الجمال في الاختلاف، وفق قولها: «نحن جميعاً نستحق المساواة والاحترام، بعيداً عن التّهكم والسخرية».

وكان قد شهد عرض الفيلم في المهرجان حضوراً لافتاً من نجوم مصريين وعرب جاءوا لدعم بطلته من بينهم، كريم فهمي الذي يشارك بصفة ضيف شرف في الفيلم، وبشرى التي أشادت بالعمل، وكذلك أمير المصري ونور النبوي والمنتج محمد حفظي.

قُبلة على يد بطلة الفيلم مريم شريف من الفنان كريم فهمي (إدارة المهرجان)

واختارت المخرجة أن تطرح عبر فيلمها الطويل الأول، أزمة ذوي القامة القصيرة الذين يواجهون مشاكل كبيرة، أقلّها تعرضهم للتنمر والسخرية، وهو ما تصدّت له وبطلتها عبر أحداث الفيلم الذي يروي قصة «إيمان» قصيرة القامة التي تعمل موظفة في أرشيف إحدى المصالح الحكومية، وتحلم مثل كل البنات بلقاءِ فارس أحلامها وتتعلق بأغنية المطربة وردة الجزائرية «في يوم وليلة» وترقص عليها.

وجمع الفيلم بين بطلته مريم شريف وبعض الفنانين، ومن بينهم، كريم فهمي، ومحمد ممدوح، ومحمد جمعة، وخالد سرحان، وصفوة، وكان الفيلم قد فاز بوصفه مشروعاً سينمائياً بجائزة الأمم المتحدة للسكان، وجائزة الجمعية الدولية للمواهب الصاعدة في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وعلى الرغم من أن مريم لم تواجه الكاميرا من قبل، بيد أنها بدت طبيعية للغاية في أدائها وكشفت عن موهبتها وتقول المخرجة: «كنت مهتمة أن تكون البطلة غير ممثلة ومن ذوات القامة القصيرة لأحقق المصداقية التي أردتها، وحين التقيت مريم كانت هي من أبحث عنها، وكان ينقصنا أن نقوم بعمل ورش تمثيل لها، خصوصاً أن شخصية مريم مختلفة تماماً عن البطلة، فأجرينا تدريبات مطوّلة قبل التصوير على الأداء ولغة الجسد والحوار، ووجدت أن مريم تتمتع بذكاء لافت وفاجأتني بموهبتها».

لم يكن التمثيل يراود مريم التي درست الصيدلة في الجامعة الألمانية، وتعمل في مجال تسويق الأدوية وفق تأكيدها: «لم يكن التمثيل من بين أحلامي لأن قِصار القامة يتعرضون للسخرية في الأفلام، لكن حين قابلت المخرجة ووجدت أن الفيلم لا يتضمّن أي سخرية وأنه سيُسهم في تغيير نظرة كثيرين لنا تحمست، فهذه تجربة مختلفة ومبهرة». وفق تعبيرها.

ترفض مريم لقب «أقزام»، وترى أن كونهم من قصار القامة لا يحدّ من قدرتهم ومواهبهم، قائلة إن «أي إنسان لديه مشاعر لا بد أن يتقبلنا بدلاً من أن ننزوي على أنفسنا ونبقى محبوسين بين جدران بيوتنا خوفاً من التنمر والسخرية».

تغريد أبو الحسن، مخرجة ومؤلفة الفيلم، درست السينما في الجامعة الأميركية بمصر، وسافرت إلى الولايات المتحدة للدراسة في «نيويورك أكاديمي» قبل أن تُخرج فيلمين قصيرين، وتعمل بصفتها مساعدة للمخرج مروان حامد لسنوات عدّة.

المخرجة تغريد أبو الحسن وبطلة الفيلم مريم شريف (إدارة المهرجان)

وكشفت تغريد عن أن فكرة الفيلم تراودها منذ 10 سنوات: «كانت مربية صديقتي من قِصار القامة، اقتربتُ منها كثيراً وهي من ألهمتني الفكرة، ولم أتخيّل أن يظهر هذا الفيلم للنور لأن القصة لم يتحمس لها كثير من المنتجين، حتى شاركنا الحلم المنتج محمد عجمي وتحمس له».

العلاقة التي جمعت بين المخرجة وبطلتها كانت أحد أسباب تميّز الفيلم، فقد تحولتا إلى صديقتين، وتكشف تغريد: «اقتربنا من بعضنا بشكل كبير، وحرِصتُ على أن تحضر مريم معي ومع مدير التصوير أحمد زيتون خلال معاينات مواقع التصوير حتى تتعايش مع الحالة، وأخبرتها قبل التصوير بأن أي مشهد لا ترغب به سأحذفه من الفيلم حتى لو صوّرناه».

مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

وتلفت تغريد إلى مشروعٍ سينمائيّ يجمعهما مرة أخرى، في حين تُبدي مريم سعادتها بهذا الالتفاف والترحيب من نجوم الفن الذين شاركوها الفيلم، ومن بينهم: كريم فهمي الذي عاملها برفق ومحبة، ومحمد ممدوح الذي حمل باقة ورد لها عند التصوير، كما كان كل فريق العمل يعاملها بمودة ولطف.