رغم موجة «الغلاء» التي تشهدها الأسواق المصرية، فإن أحمد عاطف، الموظف الحكومي، حرص على اصطحاب زوجته وطفلته ذات الست سنوات إلى ميدان السيدة زينب، أحد أقدم الميادين الشعبية بالقاهرة، لشراء فانوس رمضان، الذي يعتبره عادة مبهجة أقوى من أي غلاء.
أمام عدد كبير من الفوانيس مختلفة الأحجام والأشكال والأنواع، التي يشتهر الميدان بأماكن بيعها، يقول أحمد لـ«الشرق الأوسط»: «وجدت ما كنت أتوقعه، ارتفعت أسعار الفوانيس بشكل كبير هذا العام مقارنة بالأعوام السابقة. ورغم ذلك سأقوم بشراء الفانوس لابنتي، فقد اعتادت على ذلك، وجئنا للشراء اليوم بناء على رغبتها في اقتناء فانوس جديد».
طال «الميدان الزينبي» أثر الحرب الروسية الأوكرانية، التي يُحمّلها البعض مسؤولية الغلاء الذي ضرب الأسواق خلال الآونة الأخيرة، كما تعكس أركانه سلوك الاستغلال من جانب بعض التجار الذين لاحقتهم اتهامات باتخاذ الحرب ذريعة لرفع أسعار البضائع والمنتجات دون مبرر، فالمكان الذي كان يشهد زحاماً شديداً في مثل هذه الأيام من كل عام، قبيل شهر رمضان، قلّ زحامه وضعف الإقبال عليه من المصريين لشراء احتياجاتهم الرمضانية. وبينما يحافظ الميدان على مشاهده الرمضانية المعتادة، إلا أن الإقبال لا يقارن بما يشهده في كل عام، بحسب وصف «عم السيد»، بائع الفوانيس، الذي صفّ بضاعته بجوار أسوار مسجد السيدة زينب، جالساً أمامها منتظراً إقبال الزبائن.
يقول البائع الستيني: لـ«الشرق الأوسط»: «الإقبال على شراء الفوانيس أقل بكثير مقارنة بالأعوام السابقة بسبب ارتفاع أسعاره هذا العام، وحتى الآن لم نقم ببيع نصف ما قمنا ببيعه العام الماضي في الفترة نفسها، ونأمل أن تنتعش حركة البيع الأيام المقبلة قبل حلول الشهر الكريم».
ارتفاع في أسعار الفوانيس هذا العام (الشرق الأوسط)
ويشير إلى أن أسعار بضاعته من الفوانيس المصنوعة من الزجاج وصفائح النحاس والصاج ارتفعت بنحو 30 في المائة إلى 50 في المائة عن العام الماضي، مبيناً أن الفانوس متوسط الحجم ارتفع من 300 جنيه (نحو 19 دولاراً) إلى 450 جنيهاً (29 دولاراً) هذا العام، والصغير من 75 جنيهاً إلى 125 جنيهاً. بينما تنبعث نغمات أغنية «وحوي يا وحوي» الشهيرة من مكبرات الصوت التي تجاور فوانيس رمضان المتراصة أمام أحد الباعة بالميدان، قالت ربة المنزل السيدة عفاف: «ربنا ما يقطع لنا عادة»، وتابعت وهي تشير إلى أحفادها الذين يختارون فوانيسهم من بين عشرات الأشكال: «شراء الفانوس طقس وعادة رمضانية، تعودت عليها منذ كنتُ صغيرة وورثتها مني ابنتي، وفي كل عام أحضر معها لشراء الفوانيس لأطفالها، نعم هناك ارتفاع كبير في الأسعار لكن شراءها أمر حتمي، حتى يفرح الأحفاد ويشعرون ببهجة شهر رمضان».
«عم السيد» بائع الفوانيس بميدان السيدة زينب بالقاهرة في انتظار الزبائن (الشرق الأوسط)
الأحفاد أنفسهم راقت لهم أشكال حديثة للفانوس بخلاف شكلها التقليدي المعتاد، حيث تتخذ شكل الألعاب، والتي تنطلق في الغناء «وحوي يا وحوي» بمجرد تشغيلها.
وهي نوعية الفوانيس التي اختارها البائع محمد علي، تحديداً لكونها «تجذب أعين الأطفال»، على حد قوله. ويضيف قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذا النوع من الفوانيس على هيئة عرائس شخصيات رمضان التلفزيونية والكارتونية الشهيرة، والتي ارتبطت بالمصريين منذ عقود، وكذلك الفوانيس على شكل محمد صلاح نجم الكرة المصري، تجد إقبالاً منذ العام الماضي، وحاولنا التوسع في بيعها هذا العام، إلا أن حالة الغلاء جعلت كثيرين يحجمون عن الشراء».
وبعيداً عن الفوانيس؛ تجد زينة رمضان إقبالاً ملحوظاً، وذلك نظراً لسعرها المناسب لفئات عديدة (ما بين دولار و3 دولارات)، حيث يكثر الإقبال على شراء أفرع زينة رمضان التي يتم تعليقها كديكورات بالمنازل والشرفات، مثل أفرع الزينة المصنوعة من قماش الخيامية، أو قماش البوليستر، وأفرع الإنارة البسيطة التي تكون على شكل نجوم أو هلال مضيء، والزينة اللامعة، وغيرها.
بجانب باعة الفوانيس والزينة في الميدان ومحيطه، وجود كالمعتاد باعة التمور والياميش، المتمثل في المكسرات (عين الجمل والبندق واللوز والفستق)، والفواكه المجففة (الزبيب والمشمش والتين)، إلا أن حركة البيع والشراء جاءت على غير المعتاد في مثل هذا التوقيت سنوياً.
ويؤكد سمير الخطيب، أحد تجار التمور والياميش، في ميدان السيدة زينب، ارتفاع أسعار الأصناف المستوردة بشكل كبير، بينما زادت أسعار الأنواع المحلية بنسبة ضئيلة، وهو ما جعل الجمهور لا يقبل على الشراء، فالغلاء لم يكن متوقعاً بهذه الدرجة، لذا قرر لبعض الاستغناء عن الياميش أو شراء صنف واحد أو اثنين فقط بما يناسب ميزانيته، فيما شهد بيع التمور إقبالاً لافتاً حتى الآن، لأن أسعاره في متناول الجميع.