قرى مهجورة وجثث وحطام على أطراف كييف

مزارعون فقدوا منازلهم وآخرون رفضوا المغادرة

سيارات تمر بجانب دبابة روسية محترقة في إربين 9 مارس الحالي (أ.ب)
سيارات تمر بجانب دبابة روسية محترقة في إربين 9 مارس الحالي (أ.ب)
TT

قرى مهجورة وجثث وحطام على أطراف كييف

سيارات تمر بجانب دبابة روسية محترقة في إربين 9 مارس الحالي (أ.ب)
سيارات تمر بجانب دبابة روسية محترقة في إربين 9 مارس الحالي (أ.ب)

عندما استهدفت القوات الأوكرانية دبابة روسية بصاروخ «جافلين» أميركي الصنع على أحد الطرق السريعة في الأطراف الشمالية للعاصمة كييف، كان الانفجار ضخماً لدرجة أنه أدى لسقوط برج الدبابة وتحطيم بقية المركبة ووفاة الرجال الذين كانوا موجودين بداخلها.
وظلت أشلاء الجنود الروس المحترقة تتحلل على الأسفلت بعد مرور ثلاثة أسابيع، إلى جانب الحطام المعدني المتناثر للدبابة والذخيرة، وكان حذاء من النوع المفضل للروس على مدى قرون في القرى المتجمدة، ملطخا بالسواد بين المخلفات.
وقال القائد الأوكراني، نائب قائد «اللواء 72»، الذي كان يسيطر على المنطقة، والذي طلب عدم الكشف عن هويته إلا بالاسم الحركي «سوليم»، وهو ينظر للحطام: «هجوم جيد»، مشيراً إلى القطع السوداء المتناثرة على الطريق والخاصة بالجنود الروس الذين قتلوا في الهجوم المضاد، ثم أضاف «سوليم» ذو الـ40 عاماً: «كل شيء كان سريعا للغاية، لقد جاءوا إلى هنا أربع مرات، فليأتوا مرة أخرى، فأنا أنتظرهم».
وعلى مدى أسابيع، حاول الجيش الروسي دخول هذه المنطقة، مراراً وتكراراً، في محاولة لاختراق القرى والضواحي الواقعة حول كييف، فيما أصبح معركة في المناطق التي يمكن استخدامها لدخول العاصمة أو تطويقها وقصفها.
رافق إعلاميون أوكرانيون عدة مجموعات من الصحافيين، الجمعة الماضية، في زيارة نادرة عبر القرى القريبة من الخطوط الروسية الواقعة على أطراف كييف لإظهار بعض الأضرار الناجمة عن المرحلة المبكرة من القتال، وكذلك نجاح المقاومة والهجمات المضادة التي قام بها الجيش الأوكراني.
ولم تكن القرى التي تمت زيارتها من بين القرى التي تم تحريرها مؤخراً بفضل الهجوم الأوكراني المضاد المستمر، لكنها تعرضت للهجوم عندما حاولت القوات الروسية الاستيلاء عليها قبل أسبوعين، ويتم الآن شن معارك مماثلة فيها بشكل يومي.
كانت هذه المنطقة الواقعة تحت مراقبة «سوليم»، على أطراف قرية موجودة على الطريق السريع المؤدي إلى كييف، هي المكان الذي وضع حداً للتقدم الروسي. ووفقاً للقائد الأوكراني، تعرضت دبابتان روسيتان إحداهما من طراز «تي - 90» والتي تم قصفها من قبل صاروخ «جافلين» الأميركي، والأخرى من طراز «تي - 72»، لكمين على الطريق في 2 مارس (آذار)، أي خلال الأسبوع الأول من الحرب. كما تضمن الحطام الناتج عن عدة مناوشات ست عربات مدرعة محترقة بجانب مجموعة من المنازل المحترقة أيضاً.
وكانت معظم القرى الواقعة على خط المواجهة مهجورة، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الرجال والنساء الذين يحرسون المنازل ويرعون ماشيتهم، إذ أصيب الخط الأول من المنازل المواجهة للطريق حيث تسببت معركة الدبابات في أضرار بالغة من جراء قذائف المدفعية.
ويقول مزارع أوكراني يدعى فاليري (62 عاماً) والذي كان يرعى أبقاراً وأغناماً على الطريق، إنه فقد نصف ماشيته في القتال. وأضاف: «لقد تم تدمير كل شيء، وأتذكر أن الأمر كان في الصباح، حيث كنت قد أطعمت الحيوانات عندما جاءت الدبابة. وكانت على بعد حوالي 100 ياردة مني، ولكني ذهبت للاختباء في مكان بعيد».
وتابع المزارع، الذي لم يذكر سوى اسمه الأول حتى لا يتم الكشف عن هويته، أنه التقى لاحقاً ببعض الكشافة الروس في الغابة، ولكنهم تركوه يرحل.
وعن الروس، يقول فاليري: «لقد أتوا إلى منزلنا وحاولوا فرض أوامرهم، ولكن كيف يمكنهم فعل ذلك؟ هذا أمر لا ينبغي القيام به أبداً، فكيف أذهب إلى منزلك وأملي عليك ما تفعله؟ فالوضع الصحيح هو أنهم هم من أتوا إلينا ولذا فإنه يجب أن يتصرفوا وفقاً لقواعدنا».
وقال القائد الأوكراني إنهم عثروا على 10 جثث لجنود روس من المعركة، مشيراً إلى أنه لم يكن هناك أي سجناء، ولذا قامت القوات الأوكرانية بنقل خمس جثث فيما دفن القرويون المحليون الجثث المتبقية. وقد انفجرت عرباتهم المدرعة بقوة كبيرة تسببت في تناثر الأبواب المصنوعة من الصلب الثقيل في اتجاهات مختلفة، وفي الوادي حيث تحطمت وحرقت ناقلتا جنود مصفحتان.
وأعرب العديد من الجنود الأوكرانيين الموجودين في المنطقة عن شكرهم للولايات المتحدة لتقديمها صواريخ «جافلين» المحمولة المضادة للدبابات ولبريطانيا لإرسالها أسلحة من الجيل التالي من الأسلحة الخفيفة المضادة للدبابات. ولكن رغم نجاح هذه الأسلحة في نصب كمين للمدرعات والدبابات الروسية، فقد كانت القوات الأوكرانية حذرة من القوة النارية للجيش الروسي وأبقت الزيارة إلى مواقعها العسكرية قصيرة.
وكرر «سوليم» دعوة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لحلف شمال الأطلسي (الناتو) لفرض منطقة حظر جوي فوق البلاد لإنقاذ مدنها من الضربات الجوية، قائلاً: «نريد إغلاق الأجواء، فالروس يقصفون المدنيين والنساء والأطفال»، ووجه سؤالاً إلى السكان الروس قائلاً: «هل تريدون منا أن نقوم بقصفكم؟».
ويضيف القائد الأوكراني، الذي خدم في العراق في عدة جولات كجزء من قوات حفظ السلام الأوكرانية، إنه من منطقة في أوكرانيا قريبة من الحدود الروسية، مشيراً إلى أنه تعامل كثيراً مع الضباط الروس بعد بدء القتال في شرق أوكرانيا في عام 2014. وتابع: «لقد أخبرتهم أنه إذا كانت روسيا قد عرضت حياة أفضل، لكان قد دعم الاتحاد بين البلدين بسهولة، ولكنها لم تقدم شيئاً جيداً، وهو ما اتفق معي فيه الضباط الروس، فهم لا يعيشون بشكل جيد هناك، إذ أنهم يعيشون جيداً فقط في موسكو وسان بطرسبرغ، ولكنهم بالكاد يعيشون في أي مكان آخر».
وفي قرية ثانية، تسبب صاروخان روسيان قويان في حفر حفرة عميقة تمتد على مسافة طويلة للغاية بجانب الطريق، وفي تدمير المنازل والمباني الزراعية الممتدة على مساحة واسعة. وقال ضباط في الجيش الأوكراني إن صاروخين باليستيين من طراز «إسكندر» أصابا القرية في الأسبوع الأول من الحرب، وصحيح أنه ربما كانت الصواريخ تستهدف مواقع عسكرية أوكرانية في القرية، لكنها أضرت في الأساس بمنازل الناس ومزارعهم.
وكان يوري يونيفيتش (51 عاماً) وعائلته نائمين في المنزل عندما سقطت الصواريخ في الثالثة صباحاً، على مقربة من منزلهم. ويقول: «كل شيء تحرك من مكانه مثل الموجة، فقد تكسرت جدران المنزل وتطاير سقفه، وباتت الأبقار مستلقية وسط الطوب المكسور بعد تحطيم الأكشاك التي تعيش فيها».
وبعد هذه الواقعة، أرسل يونيفيتش زوجته وأولاده بعيداً، لكنه قال إنه لا يستطيع المغادرة، لأنه كان لا بد من حلب أبقاره وإطعامها بشكل يومي، كما أن كلبته كانت على وشك الولادة، مشيراً إلى أنه يعطي اللبن واللبن الرائب للجنود الأوكرانيين لأن الوقت الحالي ليس مناسباً لبيع منتجاته.
وبينما كان يتحدث يونيفيتش، انطلقت رصاصة قنص من موقع أوكراني قريب. وقال الجنود إن المواقع الروسية تقع على بعد ميل واحد، ورفض يونيفيتش أي اقتراح للعيش بسلام في ظل وجود الروس، قائلاً: «لن نسمح للجيش الروسي بالدخول، فهذه أرضنا».
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 02:00

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.


روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب على «الناتو» تبني «عقلية الحرب» في ضوء الغزو الروسي لأوكرانيا

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، الخميس، تحذيراً قوياً بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية في حاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي، وقال إن الحلف يحتاج إلى التحول إلى «عقلية الحرب» في مواجهة العدوان المتزايد من روسيا والتهديدات الجديدة من الصين.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل: «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وتحدّث روته في فعالية نظمها مركز بحثي في بروكسل تهدف إلى إطلاق نقاش حول الاستثمار العسكري.

جنود أميركيون من حلف «الناتو» في منطقة قريبة من أورزيسز في بولندا 13 أبريل 2017 (رويترز)

ويتعين على حلفاء «الناتو» استثمار ما لا يقل عن 2 في المائة من إجمالي ناتجهم المحلي في مجال الدفاع، لكن الأعضاء الأوروبيين وكندا لم يصلوا غالباً في الماضي إلى هذه النسبة.

وقد انتقدت الولايات المتحدة مراراً الحلفاء الذين لم يستثمروا بما يكفي، وهي قضية تم طرحها بشكل خاص خلال الإدارة الأولى للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

وأضاف روته أن الاقتصاد الروسي في «حالة حرب»، مشيراً إلى أنه في عام 2025، سيبلغ إجمالي الإنفاق العسكري 7 - 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد - وهو أعلى مستوى له منذ الحرب الباردة.

وبينما أشار روته إلى أن الإنفاق الدفاعي ارتفع عما كان عليه قبل 10 سنوات، عندما تحرك «الناتو» لأول مرة لزيادة الاستثمار بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم من طرف واحد، غير أنه قال إن الحلفاء ما زالوا ينفقون أقل مما كانوا ينفقونه خلال الحرب الباردة، رغم أن المخاطر التي يواجهها حلف شمال الأطلسي هي «بالقدر نفسه من الضخامة إن لم تكن أكبر» (من مرحلة الحرب الباردة). واعتبر أن النسبة الحالية من الإنفاق الدفاعي من الناتج المحلي الإجمالي والتي تبلغ 2 في المائة ليست كافية على الإطلاق.

خلال تحليق لمقاتلات تابعة للـ«ناتو» فوق رومانيا 11 يونيو 2024 (رويترز)

وذكر روته أنه خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي، أنفق الأوروبيون أكثر من 3 في المائة من ناتجهم المحلي الإجمالي على الدفاع، غير أنه رفض اقتراح هذا الرقم هدفاً جديداً.

وسلَّط روته الضوء على الإنفاق الحكومي الأوروبي الحالي على معاشات التقاعد وأنظمة الرعاية الصحية وخدمات الرعاية الاجتماعية مصدراً محتملاً للتمويل.

واستطرد: «نحن في حاجة إلى جزء صغير من هذه الأموال لجعل دفاعاتنا أقوى بكثير، وللحفاظ على أسلوب حياتنا».