استئثار غادة عون بملفّات المصارف يعمّق أزمة القضاء اللبناني

TT

استئثار غادة عون بملفّات المصارف يعمّق أزمة القضاء اللبناني

عمّقت الملفّات القضائية التي فتحتها المدعية العامة في جبل لبنان غادة عون، واستهدفت بشكل مباشر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة والقطاع المصرفي، أزمة القضاء اللبناني، وزادت من تضارب الصلاحيات بين مرجعياته؛ خصوصاً بعد توسيعها صلاحياتها على حساب المدعي العام المالي ورئيسها المباشر النائب العام التمييزي.
ورغم تقاذف السلطتين السياسية والقضائية مسؤولية ما آلت إليه الأمور، فإن قرار حجز القاضية عون على ممتلكات وعقارات ومنازل وسيارات رؤساء مجلس إدارة 6 مصارف لبنانية كبرى، ومنعهم من السفر، الذي استتبع بادعائها الجديد على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قطع الطريق على وسائل المعالجة، وأعطى المبرر لجمعية المصارف للذهاب نحو التصعيد والإضراب المفتوح الذي لوّحت به، علماً أن مصدراً قضائياً معنياً بالملفّ الخاص برياض سلامة لم يجد تفسيراً لخطوة القاضية عون الأخيرة. إذ اعتبر أن «ثمة علامات استفهام عن حصر الإخبارات المتعلّقة بحاكم البنك المركزي والقطاع المصرفي بهذه القاضية دون سواها». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أنها تحظى بغطاء سياسي من الباب العالي (رئيس الجمهورية)، وليس ثمّة من يحاسبها أو يفرمل اندفاعتها»، مذكراً بأن «الملفّ الذي جرى توقيف شقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة على أساسه، هو نفس الملفّ الذي تحقق به النيابة العامة التمييزية، والذي لم تستكمل المراسلات الخارجية بشأنه».
وتلوذ المرجعيات القضائية بالصمت حيال ما يجري في أروقة قصور العدل؛ خصوصاً بعد الصراع الخفيّ مع الحكومة ورئيسها، وغداة رفض كلّ من رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات ورئيس هيئة التفتيش القضائي، تلبية دعوة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي إلى حضور جلسة مجلس الوزراء السبت الماضي، للبحث عن حلّ قانوني لقرار إقفال مصرف «فرنسبنك» بالشمع الأحمر، إلا أن النائب العام التمييزي السابق القاضي حاتم ماضي اعتبر أن «المسؤولية تقع على عاتق السلطة السياسية لوضع حدّ لهذه الفوضى القائمة، وإيجاد حلّ لاستعادة أموال الناس العالقة في المصارف». وعمّا إذا كانت القاضية عون تمارس صلاحياتها أم أنها تتمادى بها على حساب مراجع أخرى، أكد ماضي لـ«الشرق الأوسط» أن الأمر «يحتاج إلى التمييز بين صلاحيات القاضية عون وصلاحيات المدعي العام المالي، الموكل إليه بحسب القانون التحقيق في الجرائم التي تطال المال العام»، داعياً إلى «معالجة أساس المشكلة، وهي أموال المودعين التي تبخّرت، ولا بد من وضع إطار قانوني لاستعادتها». وشدد ماضي على أن «الحلّ يبدأ بتطبيق قانون تبييض الأموال ورفع السرية المصرفية عندها، فيتبيّن من بيّض الأموال ومن حقق ثروة على حساب المال العام وأموال المودعين».
المتضررون من إجراءات المدعية العامة في جبل لبنان يتهمونها بدفع الأمور نحو الفوضى تنفيذاً لرغبة مرجعيتها السياسية، أي رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه، وهو ما أشار إليه رئيس مجلس شورى الدولة الأسبق القاضي شكري صادر، الذي شدد على أن «القاضي المحسوب على مرجعية سياسية أو معيّن من قبل مرجعية سياسية تبقى قراراته عرضة للتشكيك». وشنّ هجوماً على القاضية عون، مؤكداً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه قاضية متمرّدة على رئيسها المباشر (النائب العام التمييزي) وعلى مجلس القضاء الأعلى وعلى التفتيش القضائي، كما أن ضعف هذه المرجعيات وعجزها عن المعالجة أوصلت الأمور إلى هذا الدرك»، مستغرباً كيف أن هذه القاضية «تتصرفّ كأنها مرسلة من السماء، وتحمل وحدها سيف العدالة لتحاسب البشر».
ويبدو أن الأمور لا تقف عند الإجراءات التي طالت 6 مصارف كبرى، بالإضافة إلى مصرف لبنان، بل تحوّلت إلى كرة ثلج متدحرجة تنذر بالأسوأ، ويلفت القاضي شكري صادر إلى أن هذه القرارات «وضعت البلاد أمام خطر داهم يطال الانتظام العام، ويهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي والمالي حتى الأمني، وعلى المسؤولين أن يدركوا أن الحفاظ على مسلمات الأمن الأربع أهم من الاعتبار القانوني، لأن فيها إنقاذاً للبلد».
وترفض القاضية عون تبلّغ دعاوى الردّ المقدمة ضدّها من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، التي تلزمها برفع يدها عن الملفات المتعلّقة به، بعدما اعتبر أن «ملاحقته من قبل هذه القاضية تأتي ضمن عملية سياسية ممنهجة لتشوية صورته». علماً أن المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، تبلّغ جميع دعاوى الردّ المقدمة ضدّه من المدعى عليهم، ما أدى إلى رفع يده عن الملفّ وتجميد التحقيقات في هذا الملفّ.
وفي انتقاد واضح لما أسماه «ازدواجية المعايير» المعتمدة في الملفات المالية، أشار رئيس مجلس شورى الدولة السابق إلى أن «الإجراءات القانونية التي تطال المصارف قد تكون محقّة وقد لا تكون، إنما هذه الإجراءات تعرّض الاستقرار في البلاد للخطر، وعلى الحكومة أن تتدخّل وتتصدّى بسرعة، لأن المصلحة العليا للبنان باتت في خطر». وسأل: «هل اتخذت القاضية عون أي تدبير قانوني بحق مؤسسة (القرض الحسن)، التابعة لـ(حزب الله)، رغم تقديم دعاوى أمامها ضدّ هذه المؤسسة؟ هل اتخذت أي إجراء بحق (سيدروس بنك) الذي يتردد أن مقربين من رئيس الجمهورية يملكونه، وأن رئيس الجمهورية ميشال عون جدد ولاية كاملة لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في العام 2017 بعد أن موّل الأخير هذا المصرف بموجب الهندسات المالية التي أجراها؟». ودعا القاضي الحكومة إلى «وضع خطّة إنقاذ للوضع المالي، تبدأ بإعادة هيكلة القطاع المصرفي، كي لا ينهار بشكل كامل، وتذهب أموال المودعين إلى غير رجعة».



3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
TT

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)
المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

على الرغم من مرور ستة عقود على قيام النظام الجمهوري في اليمن، وإنهاء نظام حكم الإمامة الذي كان يقوم على التمايز الطبقي، فإن نحو 3.5 مليون شخص من المهمشين لا يزالون من دون مستندات هوية وطنية حتى اليوم، وفق ما أفاد به تقرير دولي.

يأتي هذا فيما كشف برنامج الأغذية العالمي أنه طلب أكبر تمويل لعملياته الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل من بين 86 دولة تواجه انعدام الأمن الغذائي.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وذكر المجلس النرويجي للاجئين في تقرير حديث أن عناصر المجتمع المهمش في اليمن يشكلون 10 في المائة من السكان (نحو 3.5 مليون شخص)، وأنه رغم أن لهم جذوراً تاريخية في البلاد، لكن معظمهم يفتقرون إلى أي شكل من أشكال الهوية القانونية أو إثبات جنسيتهم الوطنية، مع أنهم عاشوا في اليمن لأجيال عدة.

ويؤكد المجلس النرويجي أنه ومن دون الوثائق الأساسية، يُحرم هؤلاء من الوصول إلى الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة، والتعليم، والمساعدات الحكومية، والمساعدات الإنسانية. ويواجهون تحديات في التحرك بحرية عبر نقاط التفتيش، ولا يمكنهم ممارسة الحقوق المدنية الأخرى، بما في ذلك تسجيل أعمالهم، وشراء وبيع وتأجير الممتلكات، والوصول إلى الأنظمة المالية والحوالات.

ووفق هذه البيانات، فقد أفاد 78 في المائة من المهمشين الذين شملهم استطلاع أجراه المجلس النرويجي للاجئين بأنهم لا يمتلكون بطاقة هوية وطنية، في حين يفتقر 42 في المائة من أطفال المهمشين إلى شهادة ميلاد.

ويصف المجلس الافتقار إلى المعلومات، وتكلفة الوثائق، والتمييز الاجتماعي بأنها العقبات الرئيسة التي تواجه هذه الفئة الاجتماعية، رغم عدم وجود أي قوانين تمييزية ضدهم أو معارضة الحكومة لدمجهم في المجتمع.

وقال إنه يدعم «الحصول على الهوية القانونية والوثائق المدنية بين المهمشين» في اليمن، بما يمكنهم من الحصول على أوراق الهوية، والحد من مخاطر الحماية، والمطالبة بفرص حياة مهمة في البلاد.

أكبر تمويل

طلبت الأمم المتحدة أعلى تمويل لعملياتها الإنسانية للعام المقبل لتغطية الاحتياجات الإنسانية لأكثر من 17 مليون شخص في اليمن يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، بمبلغ قدره مليار ونصف المليار دولار.

وأفاد برنامج الأغذية العالمي في أحدث تقرير له بأن التمويل المطلوب لليمن هو الأعلى على الإطلاق من بين 86 بلداً حول العالم، كما يُعادل نحو 31 في المائة من إجمالي المبلغ المطلوب لعمليات برنامج الغذاء العالمي في 15 بلداً ضمن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وشرق أوروبا، والبالغ 4.9 مليار دولار، خلال العام المقبل.

الحوثيون تسببوا في نزوح 4.5 مليون يمني (إعلام محلي)

وأكد البرنامج أنه سيخصص هذا التمويل لتقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة في اليمن، حيث خلّف الصراع المستمر والأزمات المتعددة والمتداخلة الناشئة عنه، إضافة إلى الصدمات المناخية، 17.1 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.

وأشار البرنامج إلى وجود 343 مليون شخص حول العالم يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بزيادة قدرها 10 في المائة عن العام الماضي، وأقل بقليل من الرقم القياسي الذي سجل أثناء وباء «كورونا»، ومن بين هؤلاء «نحو 1.9 مليون شخص على شفا المجاعة، خصوصاً في غزة والسودان، وبعض الجيوب في جنوب السودان وهايتي ومالي».

أزمة مستمرة

أكدت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن اليمن لا يزال واحداً من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية على مستوى العالم، حيث خلقت عشر سنوات من الصراع تقريباً نقاط ضعف، وزادت من تفاقمها، وتآكلت القدرة على الصمود والتكيف مع ذلك.

وذكرت المفوضية الأممية في تقرير حديث أن اليمن موطن لنحو 4.5 مليون نازح داخلياً، وأكثر من 60 ألف لاجئ وطالب لجوء. وهؤلاء الأفراد والأسر المتضررة من النزوح معرضون للخطر بشكل خاص، مع انخفاض القدرة على الوصول إلى الخدمات الأساسية وسبل العيش، ويواجهون كثيراً من مخاطر الحماية، غالباً يومياً.

التغيرات المناخية في اليمن ضاعفت من أزمة انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

ونبّه التقرير الأممي إلى أن كثيرين يلجأون إلى آليات التكيف الضارة للعيش، بما في ذلك تخطي الوجبات، والانقطاع عن الدراسة، وعمل الأطفال، والحصول على القروض، والانتقال إلى مأوى أقل جودة، والزواج المبكر.

وبيّنت المفوضية أن المساعدات النقدية هي من أكثر الطرق سرعة وكفاءة وفاعلية لدعم الأشخاص الضعفاء الذين أجبروا على الفرار من ديارهم وفي ظروف صعبة، لأنها تحترم استقلال الشخص وكرامته من خلال توفير شعور بالطبيعية والملكية، مما يسمح للأفراد والأسر المتضررة بتحديد ما يحتاجون إليه أكثر في ظروفهم.

وذكر التقرير أن أكثر من 90 في المائة من المستفيدين أكدوا أنهم يفضلون الدعم بالكامل أو جزئياً من خلال النقد، لأنه ومن خلال ذلك تستطيع الأسر شراء السلع والخدمات من الشركات المحلية، مما يعزز الاقتصاد المحلي.