دانة عورتاني تمزج الفن الحديث بالهندسة الإسلامية

حوار مع الفنانة السعودية عن الحرف التراثية والروحانية

عملت الفنانة دانة عورتاني مع حرفي نسيج وتطريز لتكوين هذا العمل
عملت الفنانة دانة عورتاني مع حرفي نسيج وتطريز لتكوين هذا العمل
TT

دانة عورتاني تمزج الفن الحديث بالهندسة الإسلامية

عملت الفنانة دانة عورتاني مع حرفي نسيج وتطريز لتكوين هذا العمل
عملت الفنانة دانة عورتاني مع حرفي نسيج وتطريز لتكوين هذا العمل

دانا عورتاني، فنانة سعودية من أصل فلسطيني، تحمل في جيناتها عروقاً من سوريا والأردن، كلها خيوط من الإرث الثقافي الغنيّ، تختار الفنانة للتعبير عنها أساليب منغمسة في التراث. تجد في الزخارف الإسلامية وتشكيلاتها الهندسية ملاذاً وصوتاً. تستخدم الأشكال التي تعلمت أسرارها عبر سنين من الدراسة والتدريب، لتعبّر بأساليب بصرية جديدة تطوّعها لتخدم مشاريعها الفنية وموضوعاتها. في مشاركتها «حيث يرقد الساكنون» في معرض «ديزرت إكس» بالعلا اختارت عورتاني الرجوع لبناء المقابر القديمة في مدائن صالح، واستخدمت الأحجار التي تلائم المشهد العام حول العمل بل تصبح مثل السراب الذي يظهر ويختفي للناظر، استخدمت الفنانة الأحجار من المنطقة واتبعت طريقة للبناء تشبه ما بناه النبطيون في مدائن صالح.
تختار لموضوع مشاركتها في بينالي الدرعية أن تعلق على فقدان معالم أثرية قديمة مثل جامع حلب الكبير، الذي بُني في القرن الـ13 الميلادي، وأصبح أيقونة المدينة، إلى أن دمرته الاشتباكات التي شهدتها ساحة الجامع في عام 2013 وأسقطت مئذنته البالغ عمرها أكثر من ألف عام. تستجلب حرفتها وكل ما تعلمته من أساليب الحرف الإسلامية لتكون نسخة مصنوعة من طوب اللبن لفناء المسجد، تصنع قطع الطوب من الطين المحلي وتعجنه باستخدام الطرق التراثية. في العمل تندمج عناصر من البيئة المحلية مع تصور ينقل المشاهد لحلب. اختارت الفنانة أن تستخدم أساليب البناء التراثية للبيوت الطينية في الدرعية... تراث آخر في طريقه للزوال.


                                                                                  عمل عُرض في معرض بجدة

- عشق الهندسة الإسلامية
إذا أردنا فهم عشق الفنانة للهندسة الإسلامية والحرف التراثية فيجب أن نعود للماضي القريب. في شهر يوليو (تموز) 2011 قابلت عورتاني في حفل تخرجها في مدرسة الأمير تشارلز للحرف التراثية، وقتها عرضت عورتاني مشروع تخرجها على الأمير تشارلز الذي تجول وقتها بين مشاريع التخرج لطلبة الماجستير بالمدرسة. منذ ذلك الوقت انشغلت عورتاني بتطوير حبها للهندسة الإسلامية إلى مشاريع فنية مختلفة، وشهدت السنوات العشرة تطورها لتصبح من أهم الوجوه الفنية الصاعدة في المشهد الفني بالمملكة. أعود لعامنا هذا حيث سنحت لي الفرصة لرؤية عمل الفنانة في بينالي الدرعية، وأتوجه لها محمّلةً بالكثير من الأسئلة حول مشوارها الفني وعشقها للحرف التراثية وهذه المرة كان لديها الكثير لتحكي عنه، عن أعمال فنية شاركت في معارض محلية وعالمية، عن تعلمها حرفاً تراثية جديدة ومشاركتها الأخيرة في بينالي الدرعية للفن المعاصر وبعده في معرض «ديزرت إكس» للفن المعاصر المقام في العلا.
- عودة للبدايات
أعود معها في حواري الذي أُجري في جدة، إلى البدايات، ما الذي جذبها للفن الإسلامي والحرف التراثية وعلاقة ذلك بعملها الفني؟ تجيب قائلة إن البداية كانت دائمة من الهندسة الإسلامية التي عشقتها منذ صغرها: «جذبتني دائماً الهندسة والفن الإسلامي. أتذكر عند دراستي الجامعية بكلية سانت مارتن بلندن أن عملي ودراستي كانا دائماً متعلقين بالزخرفة الهندسية الإسلامية، كان ذلك قبل أن أتلقى تدريباً مكثفاً في أصول ذلك الفن، وبعد ذلك التحقت بمدرسة الأمير تشارلز للحرف التراثية، هناك حدث الاكتشاف المدوّي. عرفت وقتها أن الهندسة الرياضية الإسلامية لم تكن فقط للتزيين والزخرفة وإنما كانت وراءها لغة فلسفية عميقة. فالهندسة الإسلامية هي تعبير بصري عن العالم حولنا، تتجلى في الطبيعة وفي الجسم البشري وفي النباتات، أراها طريقة رياضية لفهم خلق الكون، ما أحب في تلك اللغة هو أن كل نجم وكل رقم وكل شكل له معنى، أجد ذلك أمراً ساحراً، أردت أن أتعلم على قدر استطاعتي». ترى الفنانة أن الفن الإسلامي لجأ لتلك الأشكال الرياضية للتعويض عن رسم الكائنات الحية: «لهذا تتمتع الهندسة بالرقيّ، ولهذا السبب انتعشت».
الأشكال الهندسية في الفن الإسلامي قد يراها البعض زخرفية أكثر منها ذات معانٍ عميقة، هل ترى أن أعمالها قد أحدثت تغييرات في فهم الناس وتقديرهم لهذا الفن؟
تقول: «يجب أن أشير إلى أن عملي قد تغير بشكل جذري منذ أن تقابلنا منذ عشرة أعوام، لقد تطورت حرفتي وفني. ففي الأعوام الخمسة الأولى من بداية عملي الفني كان همي منصباً على إلقاء الضوء على معانٍ خفية في الشكل الهندسي، بشكل ما إعادة الحرف والفنون التراثية مرة أخرى للجمهور، فأنا أراها حقلاً من المعرفة فقدناه لفترة».


جانب من عمل فيديو بعنوان «ذهبت بعيداً ونسيتك»

ما يلفتني خلال الحوار هو تأكيد الفنانة على أهمية التعلم أولاً، فهي لم تكتفِ بالحصول على الماجستير من مدرسة الأمير تشارلز في الفنون والحرف التراثية بلندن، بل استمرت في تعلم كل ما تستطيع في الحرفة الأثيرة لقلبها، تقول: «أرى أن الهندسة الإسلامية هي حرفتي، استغرقت سنوات طويلة لإتقانها مثل أي حرفة يدوية يجب التدريب عليها وممارستها حتى نتقنها». بعد التدريب والدراسة خصصت الفنانة وقتاً طويلاً لفهم أعمق لمعاني الهندسة الإسلامية ورموزها: «كانت رحلة تعليمية لي ولجمهور أعمالي».
لتكوين أعمال تعتمد على أساسيات الحرفة الإسلامية لا تستطيع الفنانة التساهل، بل تعمقت أكثر في الزخارف الإسلامية وتتلمذت على يد معلمة في تركيا وتسلمت الإجازة التي أهّلتها لدخول المجال بثقة: «أـردت أن أتعلم أكثر ولهذا ذهبت لفنانة ما زالت تمارس فن زخارف المصاحف والمخطوطات، فهي مثل كل الحرف اليدوية تستلزم الممارسة الدائمة حتى لا تنسى اليد كل ما تمرنت عليه، من المهم بالنسبة لي أن تتذكر يدي وعيني كل ذلك التدريب».
- الوقوف على الأطلال
أتذكر ما قاله لي البعض في أثناء الجولة على أعمال البينالي من أن عورتاني كانت تعمل لساعات متواصلة بيدها في تركيب عملها، تقول: «هذا ما أقوم به في كل عمل لي يعتمد على العمل اليدوي، أشعر أن الكثير من الفنانين أصبحوا منفصلين عن تفاصيل أعمالهم، أصبحنا مفكرين أكثر منا صناعاً وبهذا ابتعدنا عن المهارات التي يتطلبها العمل اليدوي، البعض يلجأ لشركات إنتاج فنية لتنفيذ الأعمال وهو أمر لا أقوم به، أحب أن أكون منخرطة في التفاصيل، أعتقد أن تطور العمل أهم بالنسبة لي في بعض الأحيان من النتيجة».
لمن يرى عمل عورتاني الضخم في بينالي الدرعية والذي يصور فناء الجامع الكبير بحلب وهو بعنوان «الوقوف على أطلال حلب» يرى أن الفنانة استخدمت ما تعلمته عبر سنوات طويلة لتخلق عملاً فنياً استخدم الأشكال الإسلامية واستخرج منها معاني تلمس كلاً منّا، وعبّرت بطريقتها المتفردة عن الجمال الذي يتعرض للتدمير والماضي الذي لا تحترم معاول العنف عراقته.


دانة عورتاني... «الوقوف على أطلال حلب»

العمل ضخم ومبهر جداً، تفاصيل قطع الطوب الطيني التي شكّلت بها الأرضية تنقل الناظر بعينه وقلبه إلى ذلك المكان التراثي في حلب. غير أن الناظر لن يحيط بكل التفاصيل من أي زاوية ينظر منها، وللإحاطة بالعمل ككل يجب عليه الصعود بضع درجات لما يشبه الشرفة المطلة عليه للحصول على نظرة متكاملة.
من ناحيتها تربط الفنانة بين عملها هذا وبين الدرعية حيث يقام البينالي، تقول: «اخترت أن أنفذ عملي في البينالي باستخدام الطين لأعكس المباني الطينية التاريخية في الدرعية، وهي مادة لا تستخدم الآن وقد اندثرت المعرفة بها ولم يعد الناس يستخدمونها للبناء. في عملي استخدمت الطريقة القديمة لصناعة الطوب، وأضفت من عندي تفصيلة بسيطة، فقد اخترت التخلي عن القش الذي كان يُستخدم تقليدياً مع الطين ليجعله متماسكاً، هدفي كان أن يتشقق الحجر المستخدم لأني أردت أن أُظهر الهشاشة، وهي مرتبطة بموضوع العمل».
لتنفيذ العمل حاولت الفنانة الحصول على صور لأرضية الفناء ولكنها لم تجد ما يفيدها على الإنترنت: «نفذتُ نسخة من الفناء بنفس التصميم، استغرق الأمر مني أشهراً لتجميع صور للفناء من زوايا مختلفة وبعد ذلك أعددت رسماً مستفيضاً له، وهو ما يمكن اعتباره أرشفة لما كان عليه الفناء». تلفت إلى أنها قررت استخدام مادة مختلفة لتنفيذ العمل: «لم أُرد أن أنفّذ العمل باستخدام نفس المواد التي استُخدمت في الفناء وقررت العمل بالطين في إشارة إلى مباني الدرعية الأثرية».
أسألها: «في أعمالك استخدمتِ الكثير من الوسائل والمواد مثل الورق والقماش والطين، كيف تختارين المادة المناسبة لكل عمل؟».
تعود بنا لدراستها العملية للمواد وتقول إنها تختار المواد التي تستطيع فهمها: «أرى أنه من المهم بالنسبة لي أن أفهم الحرفة لأن ذلك يعني أني أستطيع حل أي مشكلة قد تطرأ في أثناء التنفيذ». وربما ذلك قد يفسر سبب لجوئها لحرفيين ماهرين في بعض الحرف التي لا تتقنها مثل النسيج وهو ما فعلته لتنفيذ عمل لها بعنوان «استمع لكلماتي» الذي نفّذته بالتعاون مع حرفيّ نسج هندي: «لقد عملت معه لإنتاج منسوجات مطرزة، وهي تقنية تراثية معروفة، أضفت لها الجانب الحديث بإضافة المؤثرات الصوتية، إنه عمل قديم وحديث في ذات الوقت».


«استمع لكلماتي» لدانة عورتاني

- الصوفية والشعر
في فكرة العمل اليدوي نوع من التأمل والانغماس في اللحظة، نحس بأن الفنانة قد أخذت من الحرف التراثية جانباً روحانياً متأملاً، وهو ما تؤكده لي بقولها: «التأمل متجذر في الحرف التراثية، معظمها تُصنع ببطء وتكرار، التقنية تستغرق وقتاً طويلاً. قمت بعمل مماثل عُرض في بينالي الرباط في المغرب اسمه (الوقوف على الإطلال) عملت هناك مع حرفيين كانوا من طائفة صوفية وكانوا يعملون في الفخار، بالنسبة لهم الحرفة كانت بمثابة الصلاة، يجلسون كل يوم لصناعة الآلاف من الآنية الفخارية. أعجبني ذلك».
من المواضيع الأثيرة لدى عورتاني هو الحفاظ على الحرف التراثية، هل تفكر بحرفتها وما تعلمته على أنه إرث تعلّمه للآخرين؟


«حيث يرقد الساكنون» في ديزرت إكس العلا (تصوير: لانس غيربر)
 



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».