كرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التأكيد على شروط بلاده لوقف العملية العسكرية في أوكرانيا، وشدد خلال مكالمة هاتفية مع المستشار الألماني أولاف شولتس، أمس، على التمسك بـ«المواقف المبدئية لبلاده في إطار المفاوضات» مع وفد أوكرانيا. وتزامن الضغط العسكري الروسي المتواصل حول المدن الكبرى في أوكرانيا؛ خصوصاً في خاركيف وماريوبول، مع تصاعد لهجة الانتقادات الروسية ضد المفاوضين الأوكرانيين الذين وصفتهم الخارجية الروسية بأنهم «لا يمثلون أوكرانيا، ويتلقون الأوامر من واشنطن».
وأعلن الكرملين أن بوتين ناقش هاتفياً مع شولتس المفاوضات المتواصلة بين موسكو وكييف لوقف الأعمال القتالية في أوكرانيا. وأفاد، في بيان، أن بوتين كرر طرح «عدد من الاعتبارات في سياق مواقف روسيا المبدئية في هذه المفاوضات». وجاءت المكالمة بعد يوم من اتصال تلقاه بوتين من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تم خلاله التركيز على ملف المفاوضات أيضاً. في الأثناء، حذر الكرملين أمس، الغرب من الاستجابة لدعوات أطلقتها بلدان غربية، على رأسها بولندا، لإرسال قوات حفظ سلام إلى أوكرانيا. وقال الناطق الرئاسي، دميتري بيسكوف، إن «هذه ستكون خطوة متهورة وخطيرة، وقد تؤدي إلى عواقب يصعب إصلاحها». وزاد أن بلاده «تنفذ عملية عسكرية خاصة في هذه المنطقة، وأي احتكاك محتمل بين قواتنا العسكرية وقوات الناتو يمكن أن يؤدي إلى عواقب واضحة، ويصعب إصلاحها».
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وجّه تحذيراً مماثلاً في وقت سابق، ورأى أن الدعوة البولندية «غوغائية»، مشيراً إلى أن اتخاذ حلف الأطلسي قراراً من هذا النوع قد يؤدي إلى صدام مباشر بين روسيا والناتو.
وأضاف لافروف أن المسؤولين البولنديين، الذين يعلنون عن الحاجة إلى إرسال قوات حفظ سلام تابعة لحلف شمال الأطلسي إلى أوكرانيا، معروفون بـ«تحركاتهم الاستفزازية» التي تهدف إلى إثارة «مشكلة كبيرة».
في غضون ذلك، شدد الكرملين على رفض المعطيات التي تقدمها أوكرانيا والغرب حول سقوط ضحايا مدنيين في أوكرانيا خلال العملية العسكرية. وقال بيسكوف إن «موسكو لا تثق بتصريحات كييف حول سقوط ضحايا بين المدنيين نتيجة عمليات القصف الروسية»، مشيراً إلى أن «العسكريين الروس لا يقاتلون ضد المدنيين». وخلال إيجاز صحافي أمس، علق بيسكوف على تقارير النيابة العامة الأوكرانية عن سقوط قتلى بين المدنيين، بينهم أطفال، نتيجة ضربات الجيش الروسي. وقال: «لا نصدق النيابة العامة الأوكرانية... العسكريون الروس لا يستهدفون المدنيين، بل يساعدونهم، وللأسف هناك كثير من الشهود الذين يخرجون من المدن ويقولون إنهم كانوا محتجزين هناك كدروع بشرية. وإن كتائب القوميين المتطرفين تطلق النار على المدنيين، وقد زادت مثل هذه الحوادث على نطاق واسع». وقال بيسكوف إن العسكريين الروس «لا يقاتلون المدنيين الأوكرانيين ما داموا لا يحملون السلاح ولا يصوبون نحو جنودنا».
في الوقت ذاته، قلل بيسكوف من أهمية التقارير الغربية التي تحدثت عن تعثر العملية العسكرية الروسية واصطدامها بمقاومة حوّلت مسار القتال، وقال إن «العملية العسكرية في أوكرانيا تتواصل وفق الخطط والأهداف الموضوعة».
تزامن ذلك مع حملة عنيفة شنتها الخارجية الروسية على وفد المفاوضين الأوكرانيين، فيما بدا أنه استمرار لحملة بدأت منذ يومين، على خلفية تعثر المفاوضات ورفض الوفد الأوكراني تقديم تنازلات جوهرية. وكانت موسكو أعلنت أول من أمس أنها «ليست راضية عن العملية التفاوضية التي تسير بشكل بطيء»، لكن الناطقة باسم الخارجية ماريا زاخاروفا صعّدت لهجة الانتقادات أمس، وقالت إن «وفد التفاوض الأوكراني الذي يشارك في المفاوضات مع روسيا لا يمثل وجهة النظر الأوكرانية، بل يعمل وفقاً للتوصيات الأميركية». وزادت أنه «من الممكن إجراء حوار بناء إذا كان مَن تتحاور معه يمثل وطنه، على عكس ما نشهده حالياً، عندما ينطلق وفد المفاوضات من إملاءات الولايات المتحدة (...) إنهم يتلون المنشورات التي تكتب وترمى إليهم من هناك (أميركا)، فأي حوار سيكون في هذه الحالة؟! قد يكون هناك حوار، لكنه لن يؤدي إلى النتيجة المرجوة».
ميدانياً، واصلت القوات الروسية الضغط العسكري القوي حول المدن الأوكرانية الكبرى، ومع تواصل المعارك في خاركيف وماريوبول بدا أن القوات الروسية أبطأت مجدداً من تقدمها نحو كييف، في حين أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن أنها استهدفت في منطقة ريفني بالقرب من مدينة لفيف، شحنة كبيرة من الأسلحة الغربية التي سلمت إلى أوكرانيا أخيراً، بصواريخ عالية الدقة بعيدة المدى، أطلقت من قواعد بحرية. وتعد هذه الضربة الثالثة خلال أقل من أسبوع على مناطق في غرب أوكرانيا، تقول موسكو إنه يجري تخزين كميات من الأسلحة والمعدات الغربية فيها.
وكانت القوات الأوكرانية قد حصلت على جزء كبير من تلك الترسانة من الأسلحة والمعدات العسكرية من الدول الغربية. وفي مناطق الجنوب الشرقي لأوكرانيا، أعلن الناطق باسم وزارة الدفاع الروسية، إيغور كوناشينكوف، أن القوات المسلحة الروسية واصلت خلال الساعات الـ24 الماضية استهداف وحدات اللواء 54 الميكانيكي المنفصل للقوات المسلحة الأوكرانية، الذي يقاتل لاستعادة السيطرة على بلدة نوفوميخايلوفكا (قرب دونيتسك)». وقال إن قوات دونيتسك «بعد انتهائها من تمشيط بلدة فيرخنيتوريتسكويه من القوميين الأوكرانيين المتطرفين، تواصل ملاحقة فلول اللواء 25 الأوكراني المحمول جواً، وقد سيطرت على محطة سكك الحديد في بلدة نوفوباخموتوفكا».
وزاد الناطق في إيجازه اليومي لمسار العمليات العسكرية أنه تم تدمير 3 دبابات ومركبات قتال مشاة ومدفعي هاون و5 مركبات الطرق الوعرة، خلال الليلة الماضية. وقال إن الطائرات والمروحيات الروسية قصفت 97 هدفاً من مرافق البنية التحتية العسكرية في أوكرانيا في الـ24 ساعة الماضية، بينها قاذفتان وعربة نقل وتحميل ومنظومة الصواريخ التكتيكية «توتشكا يو» في المنطقة الصناعية شمالاً على أطراف العاصمة كييف، و8 أنظمة صواريخ مضادة للطائرات، من بينها 6 أنظمة من طراز «بوك»، ومنظومة من طراز «إس 300»، ومركبة قتالية واحدة من طراز «زد آر كيه – النحلة»، و10 مواقع قيادة، و8 مدافع ميدانية، بالإضافة إلى 3 محطات استطلاع مدفعية من إنتاج دول حلف «الناتو».
كما أسقطت أنظمة الدفاع الجوي الروسية في اليوم الأخير طائرة أوكرانية من طراز «سوخوي 24» في منطقة مدينة إيزيوم، و16 طائرة أوكرانية بدون طيار، بما في ذلك 3 طائرات من طراز «بيرقدار تي بي - 2» في محيط بلدات روجين وكاراشيف ومكسيم غوركي.