«ما تعتذر»... نانسي عجرم في الذروة

فيديو كليب مؤثر يطلق صرخة مدوّية ضد المخدرات

الأم الحزينة من أجل ابنها
الأم الحزينة من أجل ابنها
TT

«ما تعتذر»... نانسي عجرم في الذروة

الأم الحزينة من أجل ابنها
الأم الحزينة من أجل ابنها

في لحظة تساقُط دمع نانسي عجرم وامتلاء وجهها بشلالاته، شيءٌ مثل «القرصة» لدغَ وأوجعَ. لم يكن فيديو كليب أغنية «ما تعتذر» مشهداً يعبُر بعد انتهاء الفورة. رسالته أبلغ من التلاشي. تجتمع النجمة اللبنانية مع المخرج سمير سرياني والممثل رودني حداد للتأثير في الملايين. خلف الثلاثية، صرخة ضدّ الإدمان واعتراض متفوّق على تعاطي المخدرات. الأمومة في الفنانة مدهشة. وقدرتها على احتضان طفلها بذراعين مُنهكتين وقلب عظيم، ذروة الصدق.

مواجهة الزوج المدمن والزوجة المُعذبة

كان الوقت ليلاً، وابن الست سنوات ينهي الاحتفال بعيده. بالونات بالأبيض والأحمر والأزرق، يرفعها «الهيليوم» إلى السقف، فتشهد على استلقاء بقايا الفوشار على الطاولة، إلى جانب كاسات «الجيلو» وقالب حلوى توزَّع بعضه على حاضرين لم نعلم مَن هم، واحتفظ ببعضه الآخر على شكل عناق لا يدوم. تتلقى نانسي اتصالاً من صوت أنثوي، قد يكون أماً أو صديقة، تسألها عن تأخّر الزوج حتى فاته حضور عيد ميلاد ابنه. على وجهها، تحتدم معركة الزواج والأمومة. تحرّك بين يديها تلك المادة البيضاء السُمّ. لعلها قبضت عليها بين أشياء زوجها وفداحاته. يسألها الصوت الأنثوي إن توقف رجلها عن التعاطي. جوابها: «لا أعرف». وراء هذا المجهول، خراب وتهوّر وأذية.
يُسمع صوت المفتاح من باب يُفتح على مهل، فيدخل الزوج المؤدّي دوره ببراعة النجم اللبناني رودني حداد. تشبه ملابسه السوداء أياماً مُرّة يُذوقها للزوجة. يتقدّم نحو مشهد الاحتفال الناقص. حالة من الفوضى تخلّفها الأفراح الصغيرة حين يحتفل الأطفال بأعيادهم. تندفع في رجلها مشاعر غيرها المتخبّطة في داخلها. هو يترجم الضياع على ملامحه، وهي تختزل الخيبة والندم. ثم تدور الأغنية: «ما تعتذر، لعملتوا فيي ما إلو عذر».
لا يحتاج سمير سرياني إلى صورة مباشرة لشرح هول المخدرات. بإبداع يفعل. تتحرك كاميرته في اتجاه ردّ الفعل، خارج كليشيه لحظة التعاطي وعمليتها. يصوّر النار المتّقد في عينين تتوقان إلى الشر. ويلتقط النبرة العالية في رجل يمتهن الهجوم لضعف قدرته على الدفاع. كاميرا فنية، تُطلق صرخة مدوّية. تشدّ الانتباه إلى الرسالة وتحبس النَفَس.

نانسي عجرم ورودني حداد في «ما تعتذر»

وإن كان رودني حداد صاحب خبرة في مواقف الحياة أمام الكاميرا وله بصمة في التمثيل، فماذا عن نانسي عجرم بهذا الدور الملوّع وتفاصيله المُعذّبة؟ مفاجأة! صحيح أنّها في كليباتها تتقن الأدوار وتُحسن أداء الشخصيات، لكن في «ما تعتذر» تُخرج من أعماقها ممثلة يُحسب حسابها. نانسي المرأة المتألمة والأم الخائفة، تأكيد على أنّ التمثيل صدق.
يرتفع صراخ الزوج الفاقد أعصابه على زوجة لم تنطق بحرف. تترك الكلام لعينين دامعتين، ونيابة عنها، تقولان الحقيقة. ومن بين الصوت المخيف وتحطيم الزجاج، تلمح طفلها وراء الباب يرتجف. كأنه يحتمي بلوح الخشب من وحشية يلمحها ولا يدرك بالضبط ماذا يجري. وحدها الأم تنقذه من ذعره. تحوّل له المأساة إلى تسلية. وتمسح الأب الوحش من باله.
أمام اشتداد الغضب، تهرع الأم بصبيّها المحتفل للتو بعيده، إلى غرفته. هناك ألوان وأضواء ورسوم على الباب. وطفولة بابتسامات وبراءة. خارج الغرفة، عالم الكبار وتلوّثاته. في داخلها، ولدٌ يصدّق أنّ الأب الذي يطرق على الباب بعنف ويصرخ مطالباً بخروج الأم لينقض عليها، هو الأب الوديع نفسه الذي يلاعبه، رغم غرابة اللعبة. تشرح الأم قواعدها: «سيحاول والدك إخافتنا. لا تخف. كلما شعرت بالخوف ارفع صوت الضحك». تتعالى الضحكات البريئة فوق هستيريا الرجل المدمن.
لنانسي ثلاث بنات، والصبي في الكليب بمثابة ولدها. تتقن الدور، كمن يضع نفسه في منازل الأمهات الموجوعات. يساعدها رودني حداد على التألق، وتمدّها نظرة سرياني المختلفة بطاقة على الاكتساح. فلا يعود الدور مجرد شخصية في فيديو كليب مدّته دقائق. يصبح هدفاً نبيلاً وموقفاً إنسانياً ومصدر إلهام وتوعية.


أمومة نانسي المدهشة

إلا أنّ للأم المتماسكة لحظة تعرِّضها للانهيار. فجأة يتهاوى العالم القبيح رغم محاولات تجميله. يتساقط فوق رأسها فيهشّم أفكارها. توضّب حقيبة تملأها بما تطاله يداها، تحتضن صغيرها، وتحاول النجاة. هنا المفارقة الحزينة، تقدّمها كاميرا المخرج بإبداع. فالأم المُرغمة على الصمت لتُجنّب ابنها زلازلها، المصرّة على التحمّل «بطلوع الروح»، التي تعضّ على الجرح، وتعدّ العصي وتتلقى خبيطها، تُقاطع نوم ابنها وتقرر الرحيل. تشاء «خطفه» من واقع لا يليق بالطفولة، وإنقاذه من مآسي العقد النفسية. بلحظة، تسمع همسات الحرية من خارج عتبة البيت. تناديها لتُقدِم بلا تردد. لكنها تتردد. تمرّ في بالها الأمومة وأثمانها، من دون أن نشاهدها. يكفي الدمع الحارق وإمساكها بيدَي الطفل. يكفيان لتعيد حساباتها فتختاره على حساب نفسها.
الكلمات والألحان لنبيل خوري، والتوزيع لباسم رزق. الأغنية طافحة بالمشاعر، إنّما الفيديو كليب يحملها إلى كل قلب، كالتدفّق وهو يغمر كل ما في طريقه. منذ إطلاقها، الخامسة عصر الاثنين بتوقيت بيروت، ومكانها الصدارة. مؤلمة القرارات التي لا تنقذ صاحبها. ومؤذية الظروف حين تلوي الذراع. أم مع طفلها في السيارة والجحيم وراءها. تحترق فيه من أجله.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».