زكي فطين عبد الوهاب... سليل الطرب والكوميديا يرحل بنهاية درامية

عن عمر ناهز 61 عاماً بعد صراعه مع السرطان

الفنان الراحل زكي فطين عبد الوهاب
الفنان الراحل زكي فطين عبد الوهاب
TT

زكي فطين عبد الوهاب... سليل الطرب والكوميديا يرحل بنهاية درامية

الفنان الراحل زكي فطين عبد الوهاب
الفنان الراحل زكي فطين عبد الوهاب

غيّب الموت، أمس، الفنان المصري زكي فطين عبد الوهاب، عن عمر ناهز 61 عاماً، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، قبل أن يتمكن من تحقيق حلمه بالظهور ممثلاً كوميدياً على الشاشة، بعد أن سئم من حصر المخرجين له في دور «رجل الأعمال الفاسد».
ونعى فنانون مصريون، أمس، الممثل الراحل الذي أُصيب بالسرطان مرتين: الأولى في 2019 وكانت في الرئة، والثانية في العام الماضي، وكانت بالمخ.
وقالت آيتن عامر، عبر حسابها على «فيسبوك»: «الله يرحمك يا أستاذ ويغفر لك... تشرفت بالعمل معه أكثر من مرة، وكان دائماً يشجعني، وكان إنساناً طيباً ومحترماً لأبعد الحدود». وكتبت نهال عنبر، عبر حسابها الشخصي على موقع «إنستغرام»: «وداعاً الفنان زكي فطين عبد الوهاب، الأخ والصديق والفنان، رحمة الله عليه».
كما نعته الدكتورة إيناس عبد الدايم، وزيرة الثقافة، في بيان صحافي قالت فيه: «إن الراحل تميز بأسلوب خاص في تجسيد الشخصيات، وترك بصمات بارزة في أعماله السينمائية والتلفزيونية التي لامست وجدان الجمهور»، وقدمت العزاء لأسرته وأصدقائه ومحبيه.
وقدم الفنان الراحل مجموعة كبيرة من الأعمال الفنية المميزة في السينما والدراما، على غرار «تفاحة آدم، واسم مؤقت، والزوجة الثانية، والعرّاف، وإثبات شخصيّة، وفرح ليلى، وعلى كف عفريت، وآدم وجميلة، والبلطجي، وروبي، وطرف ثالث، والمواطن x، وبحب السيما، وواحد صحيح، وأهل كايرو، وسمارة، وريش نعام، وإسكندرية كمان وكمان».
زكي فطين عبد الوهاب، المولود في عام 1961، هو نجل المطربة الكبيرة ليلى مراد والمخرج فطين عبد الوهاب، وتخرج في المعهد العالي للسينما قسم الإخراج؛ وعمل كمساعد مخرج في عدة أفلام، قبل أن يؤلف ويخرج فيلم «رومانتيكا» عام 1996، من بطولة ممدوح عبد العليم، ولوسي وأشرف عبدالباقي، واتجه للتمثيل، وشارك في 52 عملاً سينمائياً وتلفزيونياً.
وتميز الفنان الراحل بالصراحة والجرأة في حواراته، إذ كان يبتعد عن الإجابات الدبلوماسية في ردوده على أسئلة الصحافيين والإعلاميين، حتى أنه انتقد الفنان عادل إمام، في مناقشة افتراضية مفتوحة عبر مواقع التواصل، قائلاً: «ماذا قدم عادل إمام في سنواته الأخيرة سوى الشخصيات والأدوار والإيفيهات نفسها؟»، متابعاً: «أعتقد أنه يعتمد على الكاريزما؛ لأن الجمهور يريد مشاهدة عادل إمام أياً كان». وكشف أن والدته ليلى مراد لم تترك له أي أموال قبل أو بعد وفاتها، لافتاً إلى أنه «ورث عنها الإحساس والصدق»؛ على حد تعبيره.
ورغم فارق العمر الكبير بينه وبين الفنانة الراحلة سعاد حسني، فإنه أصر على الزواج بها، رغم معارضة والدته، إلا أن زواجهما لم يدم سوى بضعة أشهر. وعلق على ذلك في تصريحات سابقة له بأن هذا الانفصال كان أمراً طبيعياً لعدم وجود توافق بينهما؛ لأنه كان طالباً يدرس وفي بداية حياته، بينما هي كانت فنانة مشهورة، وأكبر منه سناً؛ لكنه قال إنهما كانا صديقين بعد الطلاق.
وعانى نجل المخرج الشهير الراحل من تجاهله فنياً خلال سنوات عمره الأخيرة؛ حيث لجأ إلى تقديم برنامج «كوميدي»، عبر الإنترنت، ليستطيع الإنفاق على نفسه، معلقاً على ذلك في تصريحات تلفزيونية: «في النهاية أنا عاوز أعيش؛ خصوصاً أنني لم أتربَّ على الشللية».
وكشف الفنان الراحل أنه كان يتمنى أن يكون صياداً، لإعجابه الشديد في طفولته بالأسماك التي كانت تشتريها والدته من أبو قير بالإسكندرية: «عشقت منذ صغرى شخصية (ياقوت الصياد) وما يقوم به من عمل، وتمنيت أن أكون مثله لدي قارب في البحر، وأقوم باصطياد الأسماك كل يوم».
ورغم أن زكي كان يعتبر نفسه فناناً كوميدياً من الدرجة الأولى، فإنه لم يكتشفه أحد من المخرجين في هذه النوعية حتى وفاته، وعبر عن ذلك قائلاً أكثر من مرة: «لا أعلم لماذا يحصرني المخرجون في أدوار رجل الأعمال الفاسد!»؛ مشيراً إلى أنه عندما أراد التمرد على هذه الشخصية لم يطلبه أحد من المخرجين أو المنتجين؛ لكنه حاول تأكيد موهبته الكوميدية عبر تقديمه برنامجاً كوميدياً على الإنترنت.
وفي عام 2020، أعلن زكي فطين عبد الوهاب عن مروره بضائقة مالية، وصفتها وسائل الإعلام المصرية بأنها «إعلان إفلاس»، قائلاً عبر حسابه على «فيسبوك»: «أنا مخنوق... المخرجة الموهوبة مريم أبو عوف عرضت عليَّ دوراً كوميدياً أقرب للسخرية أخيراً؛ لكن للأسف منعتني الطبيبة من المشاركة فيه بسبب (كورونا)؛ لأن مناعتي أضعف من الشخص الطبيعي»؛ لكن الموت أنهى حلمه للأبد في الظهور كوميدياً.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».