برزت صحافة «اللايف ستايل» (أو الأنماط الحياتية) بشكل كبير خلال جائحة فيروس «كوفيد - 19» وتداعيات المتحوّرات الجديدة، وكانت الرابح الأبرز في اختبار الجائحة.
ولقد ثارت تساؤلات عديدة حول صحافة «اللايف ستايل» إبان الجائحة، ومستقبلها بعد الجائحة. وذكر خبراء ومتخصصون أن هذا النوع من الصحافة كان الأبرز خلال فترات التفشي الفيروسي وإجراءات التقييد والإغلاق. وبينما عجزت بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن رصد معلومات دقيقة عن طبيعة الفيروس وتفشي الجائحة، نجح محتوى «الترفيه والرفاهية» في تهدئة القارئ وتقديم البدائل المُسلية خلال أشهر العزل الأولى، كما بات الرفيق المواكب تداعيات الجائحة وظهور المتحورات.
النقادي
بعض الخبراء والمتخصصين لاحظوا أيضاً أن صحافة اللايف ستايل وفّرت مساحات كافية لعرض إجابات لأسئلة مهمة تتعلق بكيفية ممارسة الحياة تحت تهديد الفيروس، وأسهمت في الإجابة عن السؤال الأهم حينذاك ألا وهو: كيف نعيش؟ ومن هؤلاء الخبراء والمتخصصين من قال إن أقسام اللايف ستايل كانت تحظى بمساحات بارزة في معظم الصحافة؛ بدءاً من توصيات الشراء والتسوق وانتهاء بتداول أخبار العلامات التجارية البارزة.
الكاتبة الصحافية سيلفيا النقادي، رئيس التحرير السابق لمجلة «البيت» في مصر، ورئيس تحرير مجلة «أيقونة» الإلكترونية، ترى أن «الجائحة كانت فرصة حقيقية لإعادة نسج محتوى يمس حياة الناس عن قرب». وأضافت خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، أنه مع «ظهور الفيروس، كان من الصعب تغطية أخبار تفشيه صحافياً، فالكل كان في حالة ذعر وكانت كل كلمة محسوبة... إلا أنني أزعم أن صحافة اللايف ستايل كانت مساحات توفر إجابات لأسئلة مهمة تتعلق بكيفية ممارسة الحياة تحت تهديدات الجائحة».
شادلي
وحول الفرصة التي قدمتها الجائحة لصحافة «اللايف ستايل»، شرحت النقادي قائلة: «في بدايات الألفية لم تكن صحافة اللايف ستايل تشغل مساحات بارزة في الصحف... ولكن وقتها قدّمت فكرة مجلة (البيت)، وتحمّس لها القائمون على مؤسسة الأهرام الرسمية في مصر، لقد كان الهدف تقديم محتوى يضم مناحي الحياة، فيعكس جمالها، ويوفر حلولاً لأزماتها». وأردفت: «كانت المجلة مساحة يجتمع على صفحاتها الأثرياء والعامة، وركزت مع فريق العمل على مدار أكثر من 14 سنة، على تقديم الجمال والذوق وتبسيط الحياة وتفاصيلها القاسية. وهنا أزعم أنه كان تحدياً... وربما مخاطرة أن نقدم هذا النمط، ولكن خلال سنواتها الأولى نجحت المجلة في أن تحتل مكانة خاصة لدى القارئ، وحينئذٍ أيقنت أن الحياة بمفهومها البسيط ستظل منطقة شغف للقارئ، وأنها لن تتوارى وإن تغيرت الأدوات». ثم تابعت: «مع ظهور الصحافة الرقمية، برزت صحافة اللايف ستايل وصعدت إلى قمة اهتمامات القارئ؛ غير أن (كوفيد - 19) أتى بالإجابة الحاسمة، حين أثبت أن القارئ يتوق إلى كل ما يساعده في اجتياز الحياة وصعوباتها».
النقادي ترى أنه يمكن القول إن «صحافة اللايف ستايل أسهمت في الإجابة عن السؤال الأهم وقت ظهور الفيروس، ألا وهو كيف نعيش؟... وكان هذا دافعاً لتحويل مجلة أيقونة من ملحق أسبوعي إلى مجلة رقمية. وبعد نحو سنة بينت المعطيات أن الوقت كان المناسب على الرغم مما كانت تحمله التوقعات من خسائر قد تلحق بجميع الصناعات بسبب الجائحة». وهنا تضيف سيلفيا النقادي موضحة: «في ذروة الجائحة، ووسط أخبار موحشة عن عالم ربما يكون على مشارف النهاية، ذهب القارئ يبحث عن الجمال فوجده في أريكة مريحة أو مكتبة منزلية مسلية، وربما في حاوية زهور تبعث الأمل في الأرجاء... وبينما كانت تمطرنا الصحف يومياً بأخبار قاسية تهدد بقاءنا أحياء، ذهب ملايين البشر باحثين عن هوايات قديمة كانت قد ذابت وسط ديناميكية الحياة. هنا أتت صحافة اللايف ستايل لتشارك القارئ اهتماماته وتجيبه عن الحلول المتاحة... نعم، إبان أزمة (كوفيد - 19) ازداد اهتمام القراء بكل ما هو قديم وذو قيمة، أو ما نطلق عليه اسم (فينتدج)، بل وزادت رغبة القراء في متابعة سوق المنتجات المترفة التي تحوّلت إلى شكل من أشكال الاستدامة».
إعلام ما بعد «كوفيد ـ 19»
على صعيد متصل، ثمة آراء أكاديمية تعزّز النظرية نفسها التي تنص على أن الصناعة التي تولي البشر اهتماماً يمكن أن تجتاز أي أزمة، بل وتصنع فرصتها. وهنا يشير الدكتور لخضر شادلي، أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال لقاء مع «الشرق الأوسط»، إلى أن «إعلام ما بعد (كوفيد - 19) شهد أنماطاً جديدة في المضمون الإعلامي، وابتكار أدوات وحلول جديدة من خلال تطوير الوسيلة الإعلامية للوصول إلى الجمهور المستهدف. كذلك عكف صنّاع الإعلام على صناعة أدوار ومسؤوليات جديدة لوسائل الإعلام، فضلاً عن تنمية مهارات القائم بالاتصال وصناع المحتوى بصورة كبيرة». وأضاف شادلي أن «الأنماط السابقة ذات صلة بعضها ببعض، وبدأ الحراك بزيادة استهلاك البيانات، مع وجود عدد كبير من المستهلكين عالقين في المنزل... وأدت الزيادة في المحتوى الذي جرى تنزيله وبثه إلى إبلاغ بعض مزودي خدمة الإنترنت عن زيادة بنسبة 60 في المائة في استخدام المعطيات (البيانات) في السنة الأولى من انتشار الجائحة. كذلك، من المتوقع أن تواصل اتصالات الهواتف الذكية نموها العالمي، فقد ازداد عدد المستهلكين الذين استثمروا في اتصالات الإنترنت ذات (النطاق العريض الثابت) خلال العام ليصل الإجمالي إلى 1.1 مليار أسرة، وتمثل توقعات استهلاك البيانات المجمعة نمواً هائلاً بنسبة 26.9 في المائة سنوياً».
شادلي أشار إلى أن «هذا النمو في علاقة المستهلك بالإنترنت عكس احتياجه لمزيد من محتوى يؤنسه ويُعينه على اجتياز الأزمة... فعندما سمعت لأول مرة عن مصطلح دعم الصحة العقلية للجمهور المستهدف، ظننت أن هذا دور فقط للطبيب النفسي أو مراكز الرعاية الاجتماعية. لكن أن يكون هذا أحد الأدوار الرئيسية لوسائل الإعلام في حقبة إعلام ما بعد (كوفيد - 19)، فهذا أمر بالغ الأهمية حقاً». ثم يتابع: «يتدخل الناشرون ومُلاك وسائل الإعلام أيضاً للعب دور كبير في دعم الصحة العقلية للجمهور المستهدف... فعلى الصعيد العالمي أدى التباعد الاجتماعي والعزلة إلى زيادة القلق لدى ملايين الأشخاص، ما أثر سلباً على صحتهم ورفاهيتهم بشكل عام. وستشهد حقبة إعلام ما بعد (كوفيد - 19) زيادة الاستثمار في تكنولوجيا الإعلام، وخلق التقنيات الجديدة، ما سيزيد من تصنيع أدوات جديدة تسهل الوصول إلى الجمهور المستهدف، بكفاءة وجودة في المحتوى على مدار الساعة».
وقمة منظور آخر يفسر صعود صحافة «اللايف ستايل» خلال الجائحة يطرحه شادلي: «هو الميل إلى صناعة الترف والرفاهية، التي تحظى بمساحات بارزة في صحافة اللايف ستايل، بداية من توصيات الشراء إلى تداول أخبار العلامات البارزة».
الصحف في مواكبة الجائحة
في هذه الأثناء، تقول الخبيرة التونسية الدكتورة نهى بلعيد، لـ«الشرق الأوسط»، إن «بروز المحتوى الخاص بحياتنا اليومية بمعناها البسيط يعود إلى محاولات الإعلام للمواكبة... والواجب أن يواكب الإعلام واقعنا. لقد شهدنا خلال فترة الحجر الصحي اهتمام كثير منا بهذه المواضيع، ثم استمرارية أو ديمومة أي وسيلة إعلامية تجبرنا على أن نلبي رغبة الجمهور، ولذا كان لا بد من تجاوز المحتوى الكلاسيكي وخلق محتوى يتماشى مع متطلبات الجمهور».
وتابعت بلعيد - المتخصصة في الإعلام والاتصال الرقمي، ومؤسس منصة «ماذا يحدث»، وأستاذ الإعلام بالجامعة المركزية في تونس: «بعض المؤسسات في عالمنا العربي استغلت هذه الفرصة وسعت إلى التجديد على مستوى المحتوى، فأسست لمحتوى يتماشى مع احتياجات الجمهور، معتمدة في الوقت نفسه التكنولوجيا الحديثة، ولعل استمرار كثير من المؤسسات هو دليل على نجاحها في تجاوز الأزمة».
في السياق نفسه، عن رواج «صناعة الرفاهية» كرد فعل عكسي للجائحة لعب دوراً بارزاً في تعزيز مكانة هذا النوع من الصحافة أو صناعة المحتوى، ترى بلعيد: «مع أن هذا السلوك بارز في المجتمع منذ زمن؛ ربما لم تكن منتجات الترف والرفاهية في متناول الجميع كما هي عليه الحال اليوم، ولأن على الإعلام أن يكون في خدمة المجتمع، برز هذا النوع من الصحافة تماشياً مع تطور المجتمع».
«تيك توك» وطريق لـ«اللايف ستايل»
على صعيد آخر، حسب مراقبين، فإن تطبيق «تيك توك» قد تقدم على المواقع العالمية، وكانت أكثر زيارات عليه خلال عام 2021. ومن جانبه، يرى شادلي أنه «من المتوقع أن يتربع تيك توك على عرش مواقع التواصل في السنوات القليلة المقبلة... فالتطبيق الصيني الذي انطلق عام 2016 تفوق على عمالقة الإنترنت، إذ تجاوزت أعداد زيارة تيك توك زيارات موقع غوغل في فبراير (شباط) عام 2021 للمرة الأولى، وتكرر الأمر في شهري مارس (آذار) ومايو (أيار) من العام نفسه، وأصبح الأول في أغسطس (آب) الماضي. وليس هذا فحسب، بل جدير بالذكر أن قائمة المواقع العشرة الأكثر زيارة خلال عام 2021 جاءت وفق الترتيب التالي: تيك توك، غوغل، فيسبوك، إنستغرام، أبل، أمازون، نتفليكس، يوتيوب، تويتر، واتساب». ويضيف أن «هذا الترتيب له دلالة واضحة على اهتمامات القراء والمستخدمين، ويجب أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل صناع المحتوى لتلبية احتياجات الجمهور، ومن ثم تعويض الخسائر».
وحول تأثير تطبيق «تيك توك» على صحافة «اللايف ستايل»، تشرح بلعيد قائلة: «أصبح اليوم تيك توك في خدمة الصحافة بصفة عامة، وليس فقط اللايف ستايل، فـ(تيك توك) وسيلة للترويج للمحتوى الإعلامي في عصر اندماج وسائل الإعلام. وبفضل هذا التطبيق نضمن نجاح المؤسسة الإعلامية وليس العكس... كذلك صار تطور الصحافة مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بمنصات التواصل الاجتماعي، وعلى وسائل الإعلام أن تسجل حضورها بهذه المنصات الإلكترونية للمحافظة على جمهورها».