الطماطم الأرجوانية... فاكهة جديدة «خارقة»

مهندَسة جينياً وتبقى صالحة للأكل لفترات أطول

الطماطم الأرجوانية... فاكهة جديدة «خارقة»
TT

الطماطم الأرجوانية... فاكهة جديدة «خارقة»

الطماطم الأرجوانية... فاكهة جديدة «خارقة»

قبل 15 عاماً من اليوم، كانت كاثي مارتن تنتظر بفارغ الصبر نضوج ثمار الطماطم التي طورتها في منتصف فصل الشتاء. كانت عالمة النباتات هذه في مركز «جون إينيس» تعلم ماذا سيحصل: قشرة الطماطم الخضراء على وشك التحوّل بشكلٍ عجيب إلى اللون الأرجواني بعد أن قامت باستبدال بعض جيناتها لشحن وتعزيز محتواها بمادّة الأنثوسيانين anthocyanin – وهو مضاد الأكسدة النشط الذي يمنح ثمار التوت لونها الغني.

طماطم أرجوانية
واليوم قالت مارتن بثقة عن محاولاتها: «كنت أعلم أنّها ستنجح». وإذا افترضنا اليوم أنّ وزارة الزراعة الأميركية وافقت فعلاً على بيع هذه الثمار في الأسابيع المقبلة، ستصبح طماطم مارتن متوفرة للمرّة الأولى - على شكل بذور يمكنكم زراعتها أو فاكهة (حسب التصنيف العلمي لها) يمكنكم شراءها من المتجر. ولكن هذا الأمر يعني أيضاً أنّ الوقت قد حان لإعادة النظر بفكرة استخدام الكائنات المعدّلة وراثياً في المحاصيل - ليس كوسيلة لتخفيض الأسعار العالية التي تفرضها الشركات الزراعية الكبرى، بل كفرصة لاستغلال الأشياء التي منحتنا إيّاها الطبيعة وتحسينها، تماماً كما نفعل بالهواتف الذكية والأحذية الرياضية.
يمكن تحويل أي نوع من أنواع الطماطم إلى ثمار أرجوانية لها نفس طعم الطماطم التقليدية لأنّ مصدر تغيّر لونها، أي مادّة الأنثوسيانين، ليس لها طعم. ولكنّ البحث الذي قامت به مارتن رصد أمرين آخرين مثيرين للاهتمام. فقد تبيّن أنّ ثمارها الأرجوانية purple tomatoes – يجب عدم خلطها بالأنواع الأخرى كطماطم الكرز الأرجوانية black cherry tomatoes – بقيت صالحة للأكل لفترة أطول مرّتين من الطماطم التقليدية.
ووجدت الدراسة أيضاً أنّ الفئران التي تناولت من الطماطم الأرجوانية عاشت لمدّة أطول بمعدّل 30 في المائة من تلك التي تناولت الطماطم الحمراء العادية. وتشير معطيات الدراسة إلى أنّه على الإنسان استهلاك ما يعادل ثمرتين من الطماطم الأرجوانية كلّ يوم للحصول على هذه الفائدة المحتملة. وتعتقد مارتن أن جدوى تناول الطماطم الأرجوانية أفضل من استهلاك حفنتين من التوت البري يومياً.

فوائد صحية أكبر
وتعيد الباحثة سبب هذه الجدوى إلى أنّ التوت البري أغلى ثمناً وينبت في مواسم محدّدة، بينما يستطيع الناس استهلاك الطماطم طوال الوقت ولو في طهي صلصات البيتزا والمعكرونة. وتحافظ هذه الثمار المبتكرة على لونها الأرجواني الجميل حتّى بعد الطهي.
أصبح استخدام الكائنات المعدّلة وراثياً شائعاً في النظام الغذائي الأميركي، ولكنّ صناعتها محكومة غالباً بمكاسب الشركات أكثر من رغبة المستهلك. تشير آخر الإحصاءات إلى أنّ 94 في المائة من حبوب الصويا، و94 في المائة من القطن، و92 في المائة من الذرة، و95 في المائة من الكانولا التي تُزرع في الولايات المتّحدة تتحدّر من سلالات معدّلة وراثياً. تساعد هذه التعديلات الجينية في تحسين المحاصيل ومقاومة الأمراض، وتدخل في صناعة الزيوت والملابس والأطعمة الصناعية والمواشي. وتشير الأرقام أيضاً إلى أنّ نحو 95 في المائة من الحيوانات التي تنتج اللحوم والمواد اللبنية في الولايات المتحدة تتناول محاصيل معدّلة جينياً.
ولكن رغم كلّ ما ورد أعلاه، لا تزال الفواكه والخضراوات المعدّلة وراثياً المرخّصة للبيع في الولايات المتّحدة قليلة جداً. عمدت شركة «مونسانتو» وشركة «سيمبلو» الفرنسية المتخصصة بصناعة البطاطا المقلية المثلّجة، إلى ابتكار نوع البطاطا الخاص بهما، بينما عمدت شركات أخرى إلى صناعة القرع والبابايا والباذنجان - وركّزت الشركات في صناعاتها على مقاومة الأمراض والآفات. ولكنّ شركة واحدة فقط، «ديل مونتي فريش» بمنتجها «بينك غلو باينابل» (الأناناس الزهرية) حصلت على تصريح لبيع منتجاتها عام 2020. وهي اليوم تبيع ثمرة الأناناس الزهرية المميزة مباشرة للمستهلكين مقابل 40 دولاراً.
لا تبدي مارتن اهتماماً كبيراً بفكرة التحكّم بالجينات أو بالترويج لمنتجها كما فعلت «مونسانتو» و«ديل مونتي». في الحقيقة، تميل شركتها «نورفولك بلانت ساينسز» التي أسّستها بالتعاون مع زميلها جوناثان جونز في المملكة المتّحدة، إلى ممارسة نشاط يشبه نشاط جمعية «سيد سيفرز إكستشينج» غير الربحية في ولاية آيوا، بدل إنشاء عمل تجاري عالمي. درست مارتن أولاً، بصفتها عالمة نباتات، كيفية استخدام الجينات لتعزيز محتوى الأنثوسيانين في نبتة التبغ.
ولكنّ المشكلة في هذه التجربة كانت أنّ إنتاج مادّة الأنثوسيانين طال كامل النبتة - وشمل حتّى الأوراق والجذع - مما أدّى إلى هدر طاقتها وعرقلة نموّها. أمّا في الطماطم، فقد عملت مارتن على حصر زيادتها للأنثوسيانين في الثمرة وحدها وفقط عندما كانت الثمرة في وضع نضوجها الطبيعي، الأمر الذي سهّل نموّها في نفس الظروف والمحصول مع الطماطم التقليدية.
تسعى مارتن منذ عامين للحصول على ترخيص وزارة الزراعة الأميركية لتسويق منتجها بعد تقديم التفاصيل الجينية (استبدال ثلاثة جينات في نباتاتها مصدرها زهرة الخطم snapdragon ورشاد أذن الفأر (thale cress) والبيانات الغذائية.
وتؤكّد عالمة النباتات أنّ الردّ على طلبها لترخيص ثمرات الطماطم التي أنتجتها، سواء كان سلبياً أو إيجابياً، سيأتي بحلول أواخر مارس (آذار) أو بداية أبريل (نيسان).
* «فاست كومباني»
- خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

تكنولوجيا تيم كوك في صورة جماعية مع طالبات أكاديمية «أبل» في العاصمة السعودية الرياض (الشرق الأوسط)

رئيس «أبل» للمطورين الشباب في المنطقة: احتضنوا العملية... وابحثوا عن المتعة في الرحلة

نصح تيم كوك، الرئيس التنفيذي لشركة «أبل»، مطوري التطبيقات في المنطقة باحتضان العملية بدلاً من التركيز على النتائج.

مساعد الزياني (دبي)
تكنولوجيا خوارزمية «تيك توك» تُحدث ثورة في تجربة المستخدم مقدمة محتوى مخصصاً بدقة عالية بفضل الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

خوارزمية «تيك توك» سر نجاح التطبيق وتحدياته المستقبلية

بينما تواجه «تيك توك» (TikTok) معركة قانونية مع الحكومة الأميركية، يظل العنصر الأبرز الذي ساهم في نجاح التطبيق عالمياً هو خوارزميته العبقرية. هذه الخوارزمية…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
خاص يمثل تحول الترميز الطبي في السعودية خطوة حاسمة نحو تحسين كفاءة النظام الصحي ودقته (شاترستوك)

خاص ما دور «الترميز الطبي» في تحقيق «رؤية 2030» لنظام صحي مستدام؟

من معالجة اللغة الطبيعية إلى التطبيب عن بُعد، يشكل «الترميز الطبي» عامل تغيير مهماً نحو قطاع طبي متطور ومستدام في السعودية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص من خلال الاستثمارات الاستراتيجية والشراكات وتطوير البنية التحتية ترسم السعودية مساراً نحو أن تصبح قائداً عالمياً في التكنولوجيا (شاترستوك)

خاص كيف يحقق «الاستقلال في الذكاء الاصطناعي» رؤية السعودية للمستقبل؟

يُعد «استقلال الذكاء الاصطناعي» ركيزة أساسية في استراتيجية المملكة مستفيدة من قوتها الاقتصادية والمبادرات المستقبلية لتوطين إنتاج رقائق الذكاء الاصطناعي.

نسيم رمضان (لندن)

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً