معرض «أفغانستان» لفلوريان زوين يُبرز الجمال بعيداً عن الحرب

يجول فلوريان زوين في بلدان مختلفة ناقلاً خصائصها  بعدسة كاميرته
يجول فلوريان زوين في بلدان مختلفة ناقلاً خصائصها بعدسة كاميرته
TT

معرض «أفغانستان» لفلوريان زوين يُبرز الجمال بعيداً عن الحرب

يجول فلوريان زوين في بلدان مختلفة ناقلاً خصائصها  بعدسة كاميرته
يجول فلوريان زوين في بلدان مختلفة ناقلاً خصائصها بعدسة كاميرته

كان عمر فلوريان زوين نحو 11 سنة عندما لفتته صورة المصور الأميركي ستيف ماكيري للطفلة الأفغانية شربات غولا. يومها تأملها بتأنٍ وحفرت في ذاكرته، بعد أن غاص بأسلوب المصور العالمي. منذ تلك اللحظة اتخذ قراره بأن يصبح مصوراً فوتوغرافياً. كان ذلك في عام 1984 وهو على مقاعد الدراسة، وبعد نحو 40 عاماً، سنحت الفرصة للمصور اللبناني الأصل لأن يسافر إلى أفغانستان في مهمة صحافية. ويعلق لـ«الشرق الأوسط»: «تنقلت في نحو 40 بلداً، أصور ما يسرق عيني وما يؤكد نظريتي بأننا جميعنا على كوكب الأرض نتشابه. وفي أفغانستان، أردت مرة أخرى الركون إلى هذه النظرية. رحت أبحث عن أفغانستان أخرى بعيداً عن الحرب. جذبني ناسها وطبيعتها وشوارعها، والتقطت بعدسة كاميرتي صوراً حلوة عنها. ركزت على الألوان والطاقة الإيجابية، التي تترك لدى مشاهدها شعوراً بالفرح. فرغم أن هذه البلاد ترزح تحت مشكلات كثيرة، ولكنها كلبنان تملك خصائص الأوطان بحلوها ومرها».


«الصغيرة الأفغانية بحجابها الأحمر» صورة لافتة في المعرض

وفي «دار المصور» في بيروت، يعرض فلوريان 30 صورة فوتوغرافية في معرض يحمل اسم «أفغانستان». وهي تتضمن مشاهد عن طبيعة تلك البلاد وعن يوميات شعبها الكادح. وأيضاً بورتريهات ووجوه لفتيات يافعات وأخرى لرجال مسنين. كما تتضمن مجموعة صور لأزياء أفغانستان التقليدية وأسواقها الشعبية ومدارسها، ولأفراد من أهلها يعزفون الموسيقى، أو يبيعون الفواكه والخضار.
ومن بين هذه الصور واحدة تذكرك تلقائياً بشربات غولا الشهيرة. فهي تنظر إلى عدسة كاميرا فلوريان بصلابة وتحمل في عينيها ألف سؤال وسؤال. وقد اختارها المصور اللبناني لتشكل غلافاً بطاقات الدعوة إلى معرضه. ويوضح فلوريان: «عندما رأيتها وكنا يومها نجول في مدرسة للفتيات للاطلاع على أوضاعهن، لفتتني. فهي واحدة من فتيات أفغانستان اللاتي يسمح لهن القانون هناك بإكمال دراستهن قبل بلوغهن عمر الـ12 سنة. وبعد هذا العمر يصبح ممنوعاً عليهن ارتياد المدرسة. وأردتها لفتة تكريمية لستيف ماكيري، فأنا أفتخر بتشبيه أعمالي بأعماله. فهذه الفتاة التي أطلقت عليها اسم (الأفغانية الصغيرة بالحجاب الأحمر) تشبه شربات وتذكرنا بها لا شعورياً. فكرت بذلك عن قصد، كي أقول أنه بعد مرور 40 عاماً على انتهاء الحرب في أفغانستان، أشياء كثيرة لم تتغير وملامح وتعابير هذه الفتاة أكبر مثال على ذلك».


بالألوان نقل فلوريان زوين مشاهد عن أفغانستان السلام

التقط فلوريان مئات الصور في أفغانستان، لكنه في النهاية اختار ما يبرز أوجه الجمال فيها، بعيداً عما رسخ في ذاكرة الناس من مشاهد سلبية تجاه هذا البلد. ويقول في سياق حديثه: «جميعنا حفظنا أخبار (طالبان) في أفغانستان ومشكلاتها وحروبها، والتصاق صفة الإرهاب والعنف بأهلها. لكني في هذا المعرض أوجه كاميرتي نحو أفغانستان الإنسان والبيئة والحياة اليومية والمستشفى والبيت والمدرسة وغيرها. فهي صور لا نعرفها عن تلك البلاد أردت وضعها تحت الضوء. فالشعب الأفغاني كغيره من شعوب الأرض يحب وطنه ويفتخر به، ويملك حضارته وثقافته الجميلتين».
وضع فلوريان زوين السياسة جانباً، مركزاً على النواحي الإنسانية والتربوية في أفغانستان. ويخبرنا قصة الفتاة موشغين وعمرها 9 سنوات التي التقط لها أكثر من صورة معبرة تتصدر المعرض. «إنها تعمل بين المقابر في كابول حاملة إبريق المياه كي تسقي منه العطشى الذي يزورون موتاهم. كما يستخدمون هذه المياه أيضاً لرشها على المقبرة. فهي تعتاش من مهنتها هذه وتتحلى بابتسامة رائعة، رغم أن المستقبل في أفغانستان ينطوي على الكثير من الغموض».
ومن الصور التي تلفتك في معرض فلوريان زوين تلك التي تحكي عن مدينة الملاهي في كابول، وعن بائع الموز المتجول على عربته الخشبية. وكذلك عن زميل له يبيع المشروبات الغازية بالطريقة نفسها. فيما أخرى تصور كابول عند المغيب وشخصاً آخر يعزف الساكسوفون. فيشعر زائر المعرض وكأنه حط في العاصمة الأفغانية وتعرف إلى أهلها وجدران عماراتها وركب سيارة التاكسي فيها، كما جال في شوارعها.


صورة تمثل الحياة اليومية في أفغانستان

ويشير فلوريان إلى أن أكثر ما أحبه في أفغانستان شعبها المرحب بحرارة بضيفه، وكذلك بأنواع الطعام اللذيذ عندهم. «إنهم ورغم مشاكلهم البيئية والصحية والاقتصادية وغيرها، يتواصلون معك بلطافة، يبتسمون ويتحدثون عن بلادهم بفخر».
أفغانستان بالألوان، وبعيداً عن صور قاتمة حفظناها عنها، تطالعنا بها صور فلوريان زوين في معرضه «أفغانستان». مشواره الفوتوغرافي الذي عرج على مدينته الأم بيروت وأقام معرضاً فوتوغرافياً عنها، سيتوجه به قريباً نحو العراق. ويختم: «عدت إلى لبنان إثر انفجار 4 أغسطس (آب) في بيروت، إذ جئت متطوعاً لمساعدة الناس هنا. ومنذ ذلك الوقت قررت أن أستقر في بلدي الأم (والده لبناني وأمه فرنسية)، وسأبقى فيه أخوض من خلاله المغامرة المهنية الواحدة تلو الأخرى».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».