خاركيف... معارك وقصف متواصل وموجات نزوح

«الشرق الأوسط» تتجول في شوارع ثاني كبرى مدن أوكرانيا

جانب من الدمار بعد القصف الروسي على خاركيف (رويترز)
جانب من الدمار بعد القصف الروسي على خاركيف (رويترز)
TT

خاركيف... معارك وقصف متواصل وموجات نزوح

جانب من الدمار بعد القصف الروسي على خاركيف (رويترز)
جانب من الدمار بعد القصف الروسي على خاركيف (رويترز)

إنها الثانية عشرة ظهراً في خاركيف، تطلق المدفعية الأوكرانية صلية من قذائف «الهاوتزر» من مرابض قريبة من غرب المدينة، فتنطلق أجهزة إنذار العشرات من السيارات في المدينة لعدة دقائق قبل أن يتمكن كل أصحابها من إسكاتها. يتكرر الأمر كل ساعة أو بعض الساعة، وتعود أجهزة الإنذار للصياح في أحياء المدينة شبه الخالية.
في وسط المدينة، تعرض المصرف للتدمير الليلة الماضية ولم يجد جرس الإنذار من يسكته. وعلى بعد حوالي نصف كيلومتر، يقف ثلاثة عناصر من الجيش الأوكراني يدققون في هويات المارة قرب كتل خرسانية مخصصة لإعاقة تقدم الدبابات. يتحدث أحدهم الإنجليزية بطلاقة، فيخبرك عما جرى لوسط المدينة.
الوسط التجاري لخاركيف، المدينة التي يشعر أهلها بالفخر الشديد بجمالها وسعة طرقها، يحصل على جرعة شبه يومية من الصواريخ الروسية. فيزداد الدمار يوماً إثر آخر. لم يتبق الكثير من الزجاج صامداً في وسط المدينة، وحده المتحف العسكري في وسط الساحة لم يفقد بريقه الزجاجي. انتشرت قطع الزجاج في الأرض، ما صعب التمييز بينها وبين الجليد الذي لا يزال يغطي أغلب أرصفة المدينة.

مركز تجاري تعرض للقصف في المدينة (رويترز)

يمكن أن تسير للعديد من الدقائق دون أن تصادف أحداً؛ المدينة شبه خاوية. يشير شرطي قرب محطة القطارات في شارع بولتافسكي شلياخ إلى كشك لبيع هدايا تذكارية بسيطة، ويقول: «هذا كل ما لدينا في هذا الشارع، لقد رحل الجميع».
في محطة القطارات، تجمع العديد من السكان، غالبيتهم يغادرون المدينة. ما زالت موجات النزوح تتوالى مع اشتداد المعارك على أطراف خاركيف. القصف يطال أغلب الأحياء، دون تمييز بينها وبين الأهداف العسكرية. في المحطة الكبيرة، تجد المئات ينتظرون قطارهم، غالبيتهم يتجهون نحو كييف، ليواصلوا منها طريقهم نحو مدن أخرى أو دول أوروبية.

ساحة المتحف الحربي في وسط خاركيف (الشرق الأوسط)

القرى المحيطة بالمدينة لناحية الغرب والجنوب لا تزال تعج بالسكان. هناك طوابير انتظار أمام المحال التجارية أطول مما تشهده كييف. أما في خاركيف، فلا طوابير، إذ بالكاد تجد دكاناً لشراء الطعام، وبالكاد تجد من يشتري منه أيضاً. العديد من الكلاب والقطط الشاردة تفترش الأرض وتستمع بدفء الشمس بعد أن تخلى عنها أصحابها فارين من القصف واقتراب الدبابات الروسية. وأصبحت هذه الحيوانات الأليفة تسلية لبعض رجال الشرطة الذين وقفوا على جوانب الطرق، ينتظرون مرور سيارة أو مشاة ليدققوا في أوراقهم.
طوال النهار، تتناهى أصوات القصف. «بعض أجزاء المدينة في الشرق تدمرت بالكامل»، يقول فيتالي (28 عاماً). فيتالي يُعرف عن نفسه بأنه متطوع عسكري، وهو يعاني من وضع مالي صعب بعد أن فقد وظيفته بسبب الحرب، ويعيش إلى جانب المقاتلين بما يتوافر من طعام وشراب.
أصبحت العديد من الأشياء مجانية في خاركيف، إذ يمكنك أن تحصل على غرفة فندق مجاناً إذا حالفك الحظ بالعثور على فندق غير مدمر ولا يزال يستقبل الزبائن، كما يمكن الحصول على الطعام والشاي أو القهوة في محطة القطارات أو بعض محطات المترو، وملابس مجانية من العديد من تجمعات المتطوعين بحال تمكنت من الوقوف في الصف للوقت اللازم في صقيع المدينة الشرقية.
الحصول على الأساسيات مجاناً لا يعني أن المدينة تنعم بالرخاء. فالعديد من السلع مفقودة، كما أن الأسعار تختلف عن العاصمة وباقي المناطق الأوكرانية، وتضاعف سعر الخبز الذي يعد من المواد الضرورية في المحال التجارية القليلة في خاركيف.
يعاني السكان المتبقون في خاركيف كذلك من شح في السيولة النقدية، بعد أن تعطلت أغلب ماكينات الصراف الآلي في وسط المدينة وفرغت أخرى في أطرافها. ورغم إصرار السلطات المحلية في خاركيف على إزالة آثار القصف فوراً وتأمين الطرقات وكنس الشوارع التي تعرضت للتدمير، إلا أنها لا تنجح دائماً في مواكبة القصف الروسي الكثيف. فحتى في وسط المدينة، تتدلى أسلاك الكهرباء وتتراكم أكوام من الزجاج وكتل الإسمنت الواقعة من المباني. وفي العديد من الأحياء الشرقية والشمالية في خاركيف وحتى في وسطها تعطلت شبكة الكهرباء، وفقد السكان فيها مستلزمات الحياة مما اضطرهم إلى هجرها.
يعد سكان الوسط الأوكراني أن التعامل مع أهل المناطق الشرقية والشمالية أصعب من أهالي المناطق الغربية والجنوبية، إلا أن وسط الحرب الدائرة حالياً، يبدو سكان خاركيف أكثر مرحاً وقرباً من بعضهم بعضاً، وأكثر مراعاة لحاجات الآخرين، كما يقول فيودور (50 عاماً) العامل في كافيتريا محطة القطار المركزية.
يوزع فيودور الشاي والقهوة على طالبيها مجاناً، ويبدي إعجابه بالترجمة الفورية التي يقدمها الهاتف الذكي، رغم أنه لا يحتاجها، إذ تعلم بعض الإنجليزية حين سافر إلى أميركا، وعاد بعدها إلى وطنه على أمل أن الأمور ستتحسن. والآن، عادت الحرب لتعصف ببلاده. إلا أنه لا يزال يأمل ويبتسم في وجوه الناس المتعبة في المحطة.
على جبهات القتال، لا يزال المقاتلون يدمرون كل يوم المزيد من الآليات الروسية. فيما لا يزال خط الإمداد العسكري متماسكاً وسريعاً، أو بالحد الأدنى متواتراً بما يكفي مع حاجات الجبهات الأولى، والحاجات الغذائية للمقاتلين والسكان على حد سواء.


مقالات ذات صلة

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

أوروبا أظهرت الأقمار الاصطناعية أضراراً بمطار عسكري روسي في شبه جزيرة القرم جراء استهداف أوكراني يوم 16 مايو 2024 (أرشيفية - رويترز)

روسيا تتهم أوكرانيا بقصف مطار عسكري بصواريخ أميركية... وتتوعد بالرد

اتهمت روسيا أوكرانيا باستخدام صواريخ بعيدة المدى أميركية الصنع لقصف مطار عسكري، اليوم (الأربعاء)، متوعدة كييف بأنها ستردّ على ذلك عبر «إجراءات مناسبة».

«الشرق الأوسط» (موسكو)
الولايات المتحدة​ رجال إنقاذ يعملون في موقع تعرض فيه مبنى لأضرار جسيمة بسبب ضربة صاروخية روسية أمس وسط هجوم روسيا على أوكرانيا في زابوريجيا11 ديسمبر 2024 (رويترز)

أميركا تحذّر روسيا من استخدام صاروخ جديد «مدمر» ضد أوكرانيا

قال مسؤول أميركي إن تقييماً استخباراتياً أميركياً، خلص إلى أن روسيا قد تستخدم صاروخها الباليستي الجديد المتوسط ​​المدى مدمر ضد أوكرانيا مرة أخرى قريباً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الرئيس الأوكراني زيلينسكي خلال لقائه ترمب في نيويورك الأسبوع الماضي (أ.ب)

ماسك ونجل ترمب يتفاعلان مع صورة تقارن زيلينسكي ببطل فيلم «وحدي في المنزل»

تفاعل الملياردير الأميركي إيلون ماسك ودونالد ترمب جونيور، نجل الرئيس المنتخب دونالد ترمب، مع صورة متداولة على منصة «إكس»

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا ألسنة لهب كثيفة تتصاعد من مبنى مدمر وسيارة محترقة في منطقة زابوريجيا الأوكرانية نتيجة قصف روسي (خدمة الطوارئ الأوكرانية- أ.ف.ب)

4 قتلى و19 جريحاً بضربة روسية على زابوريجيا الأوكرانية

قُتل 4 أشخاص على الأقل وأُصيب 19، الثلاثاء، في ضربة صاروخية روسية «دمَّرت» عيادة خاصة في مدينة زابوريجيا جنوب أوكرانيا، في حصيلة مرشحة للارتفاع.

أوروبا صورة مركبة تابعة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تعرضت لأضرار بسبب غارة بطائرة مسيرة على طريق في منطقة زابوريجيا في أوكرانيا 10 ديسمبر 2024 (رويترز)

مسيّرة تستهدف مركبة لوكالة الطاقة الذرية قرب محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا

قال مدير الطاقة الذرية إن مركبة تابعة للوكالة تعرضت لأضرار جسيمة بسبب هجوم بمسيرة على الطريق المؤدي إلى محطة زابوريجيا للطاقة النووية في أوكرانيا، الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (كييف)

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
TT

عطل يضرب تطبيقي «فيسبوك» و«إنستغرام»

انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)
انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألف مستخدم (د.ب.أ)

أظهر موقع «داون ديتيكتور» الإلكتروني لتتبع الأعطال أن منصة «فيسبوك» المملوكة لشركة «ميتا» تعطلت لدى ما يزيد على 50 ألف مستخدم، اليوم (الأربعاء)، بينما انقطعت خدمة منصة «إنستغرام» عن أكثر من 23 ألفاً.