المخدرات تجتاح سوريا من جنوبها إلى شمالها

معارضون يتحدثون عن «تورط» أطراف بينها «حزب الله» والميليشيات الإيرانية

فصائل معارضة تعتقل متهمين بتجارة المخدرات شمال سوريا (الجيش الوطني السوري)
فصائل معارضة تعتقل متهمين بتجارة المخدرات شمال سوريا (الجيش الوطني السوري)
TT

المخدرات تجتاح سوريا من جنوبها إلى شمالها

فصائل معارضة تعتقل متهمين بتجارة المخدرات شمال سوريا (الجيش الوطني السوري)
فصائل معارضة تعتقل متهمين بتجارة المخدرات شمال سوريا (الجيش الوطني السوري)

لم تعد مناطق جنوب سوريا منطقة عبور للمخدرات وحسب، بل أصبحت أيضاً مستهلكة لها، وقد تصبح منتجة للمخدرات إذا استمر انتشارها وتعاطيها دون حسيب أو رقيب كما هو الحال الآن، لا سيما مع غياب الجهود لمنع تفاقم هذه الظاهرة.
وقال الصحافي ريان معروف من السويداء لـ«الشرق الأوسط»» إنه حتى اليوم، على الأقل، لا مؤشرات على وجود معامل لإنتاج المخدرات في جنوب سوريا، إنما تنتشر مراكز لتجميع هذه المواد في بعض القرى الحدودية، أبرزها قريتا الشعاب وأم شامة، جنوب شرقي السويداء، وقرى حدودية أخرى في ريف درعا الغربي، يستقطب فيها تجار ومهربو المخدرات شباب المنطقة ويزجونهم في عمليات تجارة المخدرات وفق مهام مختلفة، مثل تهريب المخدرات إلى الأردن، أو نقلها بين مراكز التجميع في القرى الحدودية، أو تسليحهم لحماية شحنات المخدرات، أو توزيعها على المروجين في المنطقة.
وتعتبر قرية الشعاب أبرز مناطق تجميع وتهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية، بحسب تعبيره، ومراكز التهريب فيها عبارة عن بيوت سكنية قريبة من الحدود يجتمع فيها المهربون قبل الانطلاق لنقلها.
وأوضح معروف أن عملية التهريب تتشارك فيها شبكات منظمة ذات ارتباطات أمنية، وتنقسم إلى مجموعات، وتلعب كل مجموعة دورها في هذه العملية، إذ تقوم مجموعة بحماية وتأمين الطرقات، وتقوم مجموعة أخرى مسلحة بمرافقة شحنات المخدرات أثناء عملية نقلها بين الحدود، أو إيصالها للمروجين المحليين في المنطقة.
وأشار إلى أن شحنات المخدرات تصل إلى المنطقة عبر طرق عدة مختلفة، المعروف منها طريق البادية التي تربط بين مناطق ريف دمشق ومناطق دير الزور وبادية حمص، ومعظم الشحنات المخدرة تسلك تلك الطرق البعيدة في البادية لتغطية وتأمين عملها ووصولها إلى المناطق المراد الترويج فيها، ومعظمها قادم من لبنان عبر مناطق القلمون والمناطق الأقرب للحدود السورية اللبنانية، حيث توجد مجموعات تابعة لـ«حزب الله» لتصل أرياف دمشق وحمص، وتنقل بعدها إلى طرق البادية عبر جماعات مسلحة متعددة الولاءات، بحيث يحصل تسليم دوري من مجموعة إلى أخرى، وصولاً إلى الوجهة النهائية في مراكز التجميع جنوب سوريا، وتعد بعدها للترويج أو التهريب. وتعبر تلك الجماعات نقاط التفتيش التابعة للنظام بطرق مختلفة، منها الرشوة أو الارتباط المباشر بقوى أمنية وعسكرية تابعة للنظام تؤمن لهم العبور دون تفتيش.
وتحدث الناشط شادي العلي من مدينة درعا جنوب سوريا عن ارتفاع مؤشر الجريمة الناتجة عن تعاطي المخدرات في مناطق درعا جنوب سوريا، والذي يتمثل بعمليات القتل العمد والسرقة بالإكراه والخطف، إلى جانب ارتفاع مؤشر سرقة السيارات، وكلها ينفذها سارقون يتعاطون المخدرات وعجزوا عن شرائها، ووجدوا أن هذا الطريق هو الأنسب والأسهل والأسرع لإرضاء إدمانهم، وسط غياب تام لجهود تبذل من قبل قوات النظام السوري في مكافحة العرض والترويج للمخدرات، والتي يقتصر عملها على ضبط بعض شحنات المخدرات في الوقت الذي تصل شحنات أخرى وتوزع وتهرب دون رقابة حقيقية، إضافة إلى غياب الوسائل الطبية وتقديم العلاج للمدمنين وإيوائهم في مصحات علاجية متخصصة.
ووفق مصدر حكومي في إدارة الأمن الجنائي في درعا، وصل عدد القضايا المتصلة بالمخدرات إلى أرقام مرعبة، حيث سجل في العام الفائت 2021 أكثر من 940 قضية، اتهم فيها أكثر من 1700 شخص، وهي جرائم متنوعة منها الاتجار بالمخدرات وتعاطيها وترويجها، وأخرى تتعلق بالمخدرات أيضاً، كالسرقة والقتل العمد والقتل الخطأ والخطف، وهي النسبة الأكبر من هذه القضايا. وأفاد المصدر نفسه أن النسبة الأكبر من المتهمين هم من فئة الشباب اليافعين في عمر العشرينات، ومنهم النساء والفتيات اليافعات أيضاً، وتتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 40 عاماً.
ونظراً لحساسية المنطقة، التي دخلت في تسويات عدة ولا تزال تشهد حالة عدم استقرار ونشاطات استهدفت القوات الحكومية السورية، فإن عمل القضاء والشرطة المدنية لا يزال محدوداً في المناطق التي تشهد السيطرة الفعلية في مناطق درعا، فيما ترتكب أغلب تلك الجرائم في أرياف المحافظة التي لا تزال السيطرة الحكومية فيها شكلية أو شبه شكلية، وأغلب المتورطين في هذه الأعمال مسلحون، ومنهم من يتمتع بسلطات واسعة.
أحد الأطباء في درعا قال لـ«الشرق الأوسط» إن انتشار المخدرات في درعا ناتج عن عوامل عدة، أولها وصولها إلى المنطقة بكميات كبيرة وبأسعار عادية في متناول حتى العامل العادي ومحدودي الدخل. وأوضح أنه بحسب الحالات التي عاينها فإن نوعية المواد المخدرة المنتشرة في المنطقة ذات نوعيات رديئة، ولهذا السبب تباع بأسعار عادية في متناول الجميع، ولها آثار سيئة جداً، وتعمل على إتلاف المعدة والكولون والكبد بالدرجة الأولى، كما سجلت حالات وفاة عدة لشبان في درعا نتيجة الإصابة بسرطان القولون أو المعدة بشكل مفاجئ، كانوا يتعاطون هذه المواد، التي تؤدي أيضاً إلى فقدان الشهية للطعام وبالتالي ضعف المناعة ومقاومة الجسم، هذا عدا المخاطر الخاصة بالمخدرات على الجهاز العصبي والدماغ والقلب، وهذا يضعف إلى حد كبير القدرة على العلاج من حالة الإدمان. مشيراً إلى وجود حالات لا يمكن التعامل معها في العيادات الطبية وتحتاج مصحات خاصةً ومتقدمة لمعالجة المدمنين.
واعتبر اختصاصي نفسي في درعا يدعى «جهاد» أن عوامل عدة ساعدت على انتشار المخدرات في المنطقة، منها التفكك الأسري في المجتمع، والإحباطات والاضطرابات العقلية ورفاق السوء والبطالة وتردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية والأمنية، مشيراً إلى أن معظم المدمنين يعانون من الاضطرابات العقلية.
وأشارت معلومات إلى انخفاض سن تعاطي المخدرات بين الشباب. فبعد إن كانت هذه الظاهرة منحصرة في الفئة العمرية فوق سن 30، أصبحت تضم من هم في عمر 11 - 14 سنة نتيجة انتشارها الكبير في المجتمع، لا سيما مع تدهور الواقع الاقتصادي وتفاقم الفقر والبطالة، ما دفع نسبة كبيرة إلى استخدام المخدرات أو الاتجار بها، إما للهروب من الواقع الذي يعيشه المتعاطي أو لتوفير موارد مالية، هذا إضافة إلى الأمية والجهل الذي انتشر نتيجة سنوات الحرب.
وفي شمال سوريا، أطلق «الجيش الوطني السوري» المدعوم من أنقرة، والعامل في ريف حلب الشمالي ومناطق النفوذ التركي، حملة أمنية واسعة ضد تجار ومروجي المواد المخدرة، أسفرت عن اعتقال أكثر من 40 شخصاً، ومصادرة كميات كبيرة من الحبوب المخدرة وإتلافها.
وأفاد ناشطون أن «الجيش الوطني السوري» وجهات أمنية أخرى نفذت خلال الأيام الأخيرة الماضية حملة واسعة داهمت فيها منازل ومقار عدد كبير من تجار المخدرات في مناطق أعزاز وعفرين ومناطق أخرى تابعة لها في ريف حلب الشمالي، وتمكنت خلالها من إلقاء القبض على عدد من الأشخاص ومصادرة كميات كبيرة من الحبوب والمواد المخدرة والحشيش، وذلك بعد أن لاقت تجارة المخدرات وتعاطيها رواجاً واسعاً في مناطق ريف حلب الشمالي وباتت ظاهرة خطيرة تهدد المدنيين والأمن في المنطقة.
وأوضح الرائد يوسف الحمود، الناطق العسكري باسم «الجيش الوطني السوري» وغرفة القيادة الموحدة (عزم)، أن «فصائل تابعة للجيش الوطني السوري وجهات أمنية أطلقت في 12 مارس (آذار) حملة أمنية واسعة استهدفت في مرحلتها الأولى نحو 40 تاجراً ومروجاً للمواد المخدرة والحشيش والحبوب المخدرة في مدينة عفرين، وفي المرحلة الثانية استهدفت 9 تجار آخرين في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، ومصادرة كميات كبيرة من الحبوب المخدرة أثناء عمليات المداهمة لعدد من الأبنية التي يتخذها تجار المخدرات أماكن لتخزين المواد المخدرة».
ولفت الحمود إلى أن «الحملة الأمنية ضد تجار ومروجي المخدرات في ريف حلب الشمالي انطلقت استناداً إلى دراسة أمنية دقيقة أعدها المكتب الأمني في غرقة عمليات القيادة الموحدة (عزم)، ومعلومات حول هوية التجار والمروجين وأماكن إقامتهم، ووضعت خطة أمنية محكمة بناءً على تلك المعلومات، وجرى مداهمة أوكار وأماكن إقامة التجار والمروجين للمخدرات، واعتقال عدد كبير منهم، فيما لا تزال الحملة مستمرة حتى إلقاء القبض على آخر تاجر ومروج للمخدرات في المناطق الخاضعة لسيطرة الجيش الوطني السوري شمال سوريا».
- انتحار تاجر
وقال ناشطون إن أكبر تاجر مخدرات في مدينة عفرين أقدم على الانتحار يوم الأحد 13 مارس (آذار)، أثناء مداهمة عناصر من غرفة عمليات (عزم) لمنزله، حيث أقدم التاجر على الفور بالهرب إلى شرفة منزله ورمى نفسه من الطابق الثالث إلى الشارع ليلقى حتفه على الفور، وهو يعتبر من كبار تجار المخدرات، جاء إلى عفرين مهجراً من مدينة عندان شمالي حلب، فيما لاذ عدد من مروجي ومتعاطي المخدرات بالفرار، ولا تزال القوى الأمنية وفصائل «الجيش الوطني السوري» تبحث عنهم لإلقاء القبض عليهم.
أما فيما يتعلق بمصادر المخدرات في شمال سوريا فيقول الناشط أدهم العلي إن «الكمية الأكبر من المواد المخدرة، كالحبوب المخدرة مثل الكبتاغون والترامادول والهيدروكسي، في مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة فصائل الجيش الوطني السوري والنفوذ التركي، مصدرها مناطق النظام السوري، حيث يجري نقلها عن طريق الميليشيات الإيرانية وعملائها من لبنان، وصولاً إلى مناطق ريف حلب المتاخمة لمناطق سيطرة المعارضة السورية في ريف عفرين، ويجري تسلمها من قبل تجار في مناطق المعارضة والاتجار بها في المنطقة».
وأشار العلي إلى أن «الشرطة العسكرية وفصائل تابعة للجيش الوطني السوري في بلدة جنديرس داهمت مؤخراً معملاً لصناعة المخدرات والاتجار بها في برج عبد الو قرب بلدة الباسوطة التابعة لريف عفرين، وخلال عملية المداهمة ألقت الشرطة العسكرية القبض على 4 أشخاص من العاملين كانوا داخل المعمل، بينما لاذ الآخرون بالفرار إلى جهات مجهولة».


مقالات ذات صلة

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

صحتك اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة في سن مبكرة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
المشرق العربي قائد الجيش الأردني اللواء يوسف الحنيطي مستقبلاً وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة (التلفزيون الأردني)

بين أنقرة ودمشق… مساع أردنية لإعادة بناء قدرات «سوريا الجديدة»

هناك رأي داخل مركز القرار الأردني ينادي بدور عربي وإقليمي لتخفيف العقوبات على الشعب السوري و«دعم وإسناد المرحلة الجديدة والانتقالية».

محمد خير الرواشدة (عمّان)
خاص مطار «فنوكوفا» قرب موسكو حيث كان يجري تسليم حقائب الأموال المهربة عبر مطار دمشق لحساب عائلة الأسد (موقع المطار)

خاص «المرصد»: وثيقة تكشف عن نقل عائلة الأسد مئات ملايين الدولارات إلى موسكو

أموال النظام السوري المخلوع المهربة نتاج تصنيع وتجارة «الكبتاغون». وأكد مدير «المرصد» لـ«الشرق الأوسط» أن آخر رحلة نقل جرت قبل 4 أيام فقط من هروب الأسد لموسكو.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق الممثل براين كرانستون في أحد مشاهد مسلسل «بريكنغ باد» (إكس)

بريطاني معجب بمسلسل «بريكنغ باد» يهرّب مخدرات بملايين الدولارات إلى أميركا

يجري تسليم بريطاني مهووس بمسلسل «بريكنغ باد» الدرامي إلى الولايات المتحدة، وذلك بعد وفاة غواصين أميركيين اثنين تناولا جرعة زائدة مخدر الفنتانيل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق يعد التدخين من العادات السيئة ذات التأثير المُدمر على الصحة (رويترز)

3 طرق للتخلص من العادات السيئة

يعاني أغلب الناس من عادة غير صحية واحدة على الأقل. ومن المحتمل أن الإنسان يدرك بالفعل أن هذه العادات غير صحية. ولكن المعرفة وحدها لا تسهّل التخلص منها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم