يُذكر اسمُه في المجتمع السعودي مقترنًا في الأذهان بمسألتين، الأولى كيف حوّل الملك عبد العزيز انتماء الدبّاغ من جانب المعارضة التي خرجت على النظام الجديد، بعد ضمّ مملكة الحجاز إلى الحكم السعودي في منتصف العشرينات من القرن الماضي، بنقله - كما سيأتي - من معارض سياسي مهاجر إلى مشارك إيجابي فاعل في صناعة القرار في حقبة التأسيس تلك.
الثانية: أنه كما سيأتي أيضا - وبما له من خلفية تربويّة سابقة في مكة المكرمة وفي حضرموت وفي جزر إندونيسيا - كان من أفضل من تولّى حقيبة التعليم في العهد السعودي، قبل إنشاء وزارة المعارف عام 1953.
نالت سيرته قدرًا جيّدًا من الإنصاف من جانب المؤلّفين، وورد ذكره كثيرًا في معظم المصادر التي وثّقت ريادات التعليم في السعودية، وإن كان تاريخه يستحق ما هو أكثر، فكان ممن أنصفه تربوي مرموق معاصر له وهو الأستاذ محسن باروم (المتوفّى سنة 2008) في مقال ضاف نشره بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية (مجلة الدارة، العددان 3 و4 لعام 2000) كما ألف عنه د. محمد الجوادي عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة كتابًا من مائة صفحة، صدر سنة 2008 معتمدًا على معلومات أُسريّة عنه لكنه لم يستفد مما كتبه سابقه الباروم عنه، كما تحدث عنه العلامة حمد الجاسر في سوانح ذكرياته، وعبد الله عبد الجبار في كتابه المعروف: «التيّارات الأدبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية»، وعبد الله عبد المجيد بغدادي في كتابه: «الانطلاقة التعليمية في المملكة العربية السعودية»، وعمر عبد الجبار في كتابه: «سير وتراجم بعض علمائنا في القرن الرابع عشر للهجرة»، وصالح جمال حريري في كتابه: «من وحي البعثات السعودية»، ومحمد علي مغربي في كتابه: «أعلام الحجاز»، هذا بالإضافة إلى مقالات نشرتها المطبوعات التربوية كمجلة «المعرفة»، وأخرى نشرها باحثون مثل حسين بافقيه وغيره، واتفق معظمهم على أن الدباغ يعدّ من أبرز أعلام النهضة التعليمية في السعودية، وأحد زعامات النخب الوطنية، ومن رجال الدولة في العهدين الهاشمي والسعودي.
تقول الروايات المتواترة إن الدباغ المولود في مكة المكرمة عام 1890، من أسرة حجازية الأصول عاد أجدادها من المغرب، درس في مدرسة الفلاح الشهيرة في مكة المكرمة عند افتتاحها سنة 1912، وهي مدرسة أهلية أسسها محمد علي زينل في جدة أولاً ثم في مكة المكرمة. وقد انخرط الدبّاغ في النشاط السياسي، وانضم إلى الحزب الوطني الحجازي أمينًا عامًا له، وعيّنه ملك الحجاز الشريف حسين بن علي مديرًا لمالية جدة، وعندما دخلت مملكة الحجاز في الحكم السعودي سنة 1924 - 1925، آثر الدبّاغ وبعض زملائه في التنظيم الهجرة إلى الخارج، فتنقّل بين عدد من البلدان منها مصر واليمن والهند والعراق وجزر جاوة، وربما شارك بالكتابة في الصحف العربية التي كانت تصدر في إندونيسيا، وتولَّى إدارة إحدى المدارس العربية هناك، وانتهى به المطاف في عدن وحضرموت، إذ انضم مع ابن أخيه حسين عبد الله الدباغ الذي تذكر المصادر أنه نزح إلى حضرموت في الفترة نفسها وأسس مدرسة في المكلَّا، ثم ألقت القوات البريطانية القبض عليه وأعادته إلى السعودية (جازان) وتوفي فيها سنة 1942، وكان أمير جازان في حينه خالد السديري روى لي قصته في حديث تلفزيوني، وتحدثت المصادر الحضرمية عن جهودهما التعليمية الرائدة.
أما بالنسبة لطاهر (شخصيّة هذا المقال)، فاستفاد من عفو الملك عبد العزيز عن رموز المعارضة (شعبان 1354 هـ - 1935 م) وعاد إلى السعودية، فذكّره الملك في مجلسه بما كان يقوله - أي الدبّاغ - عن جهل أهل نجد وأنهم محدودو التعليم، وطلب منه أن يتولّى مديرية المعارف العامة وإحداث مدرسة لتعليم الأمراء في الرياض.
كان التعليم النظامي الرسمي في السعودية بدأ عام 1925 تقريبًا، بتأسيس مديرية المعارف العامة، تولّاها حتى تحويلها إلى وزارة عام 1953 عدد من الشخصيات اللامعة هم على التوالي: صالح بكري شطا (سنة واحدة) ومحمد كامل القصاب (سنة واحدة) ومحمد ماجد كردي (سنة واحدة) وحافظ وهبة (سنتان) ومحمد أمين فودة إمام الحرم الشريف ووالد الأديب إبراهيم فودة (ثلاث سنوات) وإبراهيم الشورى (سنتان) ومحمد طاهر الدباغ (تسع سنوات) وأخيرا محمد بن عبد العزيز المانع (نحو تسع سنوات). بقي الدباغ مديرًا للمعارف العامة نحو تسعة أعوام كما سلف، عُيِّن بعدها (1945) عضوًا في مجلس الشورى قرابة ثمانية أعوام، ثم تنقّل للعلاج بين جدة ولندن والقاهرة، وتوفي في القاهرة ودفن فيها يوم الثلاثاء 27-1-1959 مخلّفًا ستة أبناء وخمسًا من البنات كلهم أشقاء.
وعلاوةً على نشر التعليم أُفقيًّا في سائر مناطق البلاد، يُسجل له تاريخ التعليم تطويره نوعيًّا بفتح باب الابتعاث إلى الخارج، وبإحداث مدرستي تحضير البعثات ودار التوحيد، وبتغيير المناهج وبإعادة توزيع سنوات الدراسة بين مراحل التعليم، وكان ينظم الشعر إلا أنه لم يُذكر له إنتاج تأليفي سوى مشاركته بتأليف بعض كتب المناهج التعليمية.
* إعلامي وباحث سعودي