الأمن الجوي وإزالة آثار القصف يتصدّران أولويات كييف

تحصين الطرق الفاصلة بين الجزءين الشرقي والغربي... ومحال تجارية تعيد فتح أبوابها

إزالة الأجزاء المهددة بالسقوط من مبنى قرب معهد البوليتكنيك في كييف (الشرق الأوسط)
إزالة الأجزاء المهددة بالسقوط من مبنى قرب معهد البوليتكنيك في كييف (الشرق الأوسط)
TT

الأمن الجوي وإزالة آثار القصف يتصدّران أولويات كييف

إزالة الأجزاء المهددة بالسقوط من مبنى قرب معهد البوليتكنيك في كييف (الشرق الأوسط)
إزالة الأجزاء المهددة بالسقوط من مبنى قرب معهد البوليتكنيك في كييف (الشرق الأوسط)

استيقظت العاصمة الأوكرانية كييف صباح أمس (الخميس)، على صفارات الإنذار ودويّ انفجار كبير هزّ الجزء الشرقي منها، هذا الجزء الذي تتركز فيه الكثافة السكانية والتجمعات المدنية. صاروخ روسي أصاب مبنى سكنياً، والتقارير تحدثت عن قتيل وعدة جرحى.
ولكن لا جديد على جبهة كييف، ما زالت القوات الروسية تنازع للتقدم من غير جدوى. القوات الأوكرانية تدافع بكل ما تملك عن الكيلومترات الفاصلة ما بين الجيش الروسي وعاصمة البلاد، أصوات الانفجارات والقصف تصل إلى وسط العاصمة، أحياناً تصل أصوات اشتباكات بالأسلحة المتوسطة أيضاً. وفي الليل، يسيطر صوت صفارات الإنذار على الشوارع الخالية بفعل منع التجول وصدى المدفعية التي تعمل في الاتجاهين، ضد القوات الروسية والقوات المدافعة.
لم تنجح القوات الروسية في تقليص مسافة العشرين كيلومتراً التي تفصلها عن العاصمة، وبات السكان يثقون أكثر بأن عاصمتهم لن تسقط، ولن يشاهدوا الدبابات الروسية في وسطها، وهو ما يشكل كابوساً لكثير منهم.
صباحاً، يعج شارع بوزنيكي حيث المبنى المستهدف بعشرات السكان الذين شرعوا في إزالة الردم والركام، بينما فرق الإطفاء لا تزال تعمل في المبنى نفسه. السكان يكنسون حضانة للأطفال تعرضت لدمار جزئي، بينما المدرسة ومركز الصحة للأطفال المدمج بالمدرسة تعرض لدمار أكبر. الزجاج تناثر في كل مكان والكثير من السكان من المجمع راحوا يكنسون الأرض ويزيلون الآثار. يمكنك أن ترى نساءً ورجالاً يبحثون في الحديقة الكبيرة عن قطع الزجاج ويلتقطونها بأيديهم، أو يرفعون شظايا الصاروخ من المكان، يجمعون كل شيء في أكياس كبيرة ويلقونها في شاحنة قَدِمت لهذا الغرض.
الطبقات العليا من المبنى دُمّرت والكثير من الشقق السكنية باتت غير قابلة للسكن. «لا يوجد أي نقطة للجيش أو لقوى مسلحة في الحي»، تقول أوكسانا (53 عاماً). «هذه منطقة سكنية»، يتدخل عنصر من الشرطة موضّحاً. بينما يقف جندي أتى للحماية وتأمين المنطقة يصوّر الدمار.
والدة أوكسانا البالغة من العمر 90 عاماً كانت أول من استفاق في المنزل عند الخامسة. دوّى الصاروخ بعد ثلث ساعة، وصرخت العجوز معتقدةً أن المنزل انهار فوق رؤوسهم. لم تتمكّن روكسانا من إنزال والدتها إلى الملجأ: «والدتي مُقعدة، فلا يمكننا النزول إلى الملجأ بسهولة، المرأة المسكينة بدأت تتحدث بعد الانفجار عن الحرب العالمية الثانية، وعمّا فعله الجنود الألمان».
ليست وحدها والدة أوكسانا من يستذكر تلك المرحلة، فليونيد بتروفيش، الطبيب المتقاعد الذي كان ينتظر سيارة أجرة تقلّه إلى حيث يقطن قرب معهد «البوليتكنيك»، أخبرنا حين توقفنا لنقله أنه من مواليد 1938: «لقد وُلدت في الحرب، ويبدو أنني سأموت في الحرب أيضاً». لا يتوقف ليونيد عن الحديث عن المرحلة الماضية، عن الحرب العالمية الثانية وعن انهيار الاتحاد السوفياتي، ثم يستعيد شبابه الذي أمضاه في خاركيف، حيث تعلم وعمل في مركز أبحاث طبية.
طرق كييف الفاصلة بين جزءي المدينة الشرقي والغربي لا تزال تزداد تحصيناً يوماً إثر يوم، وعلى الرغم من إشراف الشرطة إلى جانب المتطوعين على تخفيف الازدحام مع الحفاظ على عمليات التفتيش الروتينية، فإن المزيد من السكان تحرك اليوم، ربما هؤلاء عائدون من مناطق النزوح القريبة، أو سكان من الذين اختفوا في منازلهم في الأيام الماضية وهم الآن يتحركون بشكل أوسع في العاصمة.
الكثير من المحال التجارية الصغيرة المملوكة من أفراد، والتي كانت مغلقة في الأيام الماضية، فتحت أبوابها اليوم. وفي المناطق البعيدة عن قلب العاصمة، أمكن إيجاد سلع أكثر من تلك المتوفرة في الوسط.
قرب مبنى معهد «البوليتكنيك»، تعرض مبنى مدني آخر للقصف، رغم أن أقرب هدف عسكري محتمل يقع على مسافة ألف متر من المبنى السكني. وأسفل المبنى المدمر جزئياً، وقفت رافعة تزيل بعض الجدران التي تشكل خطراً، بينما وقف بعض رجال الإطفاء يؤمّنون الطريق ويمنعون المدنيين من الاقتراب من المناطق الخطرة: «طبعاً نحن نزيل الركام» يقول رجل الإطفاء، ولكنه يفضل عدم متابعة الحديث للاهتمام بعمله.
ما زالت هيئة الطوارئ التي تشكّل بنية تحتية لحماية المدنيين تعمل بهدوء في كل مناطق العاصمة، فهي لا تنتظر هنا المدنيين لإزالة الركام، بل عملت لنحو 24 ساعة على تأمين المكان، مما يشير إلى أن الأمن النسبي في كييف أعطى المجال لهذه الهيئات لتثبت فاعليتها في تقديم خدمات الإغاثة والإبقاء على العاصمة آمنة.
اعتذر محافظ كييف، فيتالي كيلتشكو، الملاكم السابق والذي انتزع منصبه مؤخراً، عن اللقاء نظراً لانشغاله. الرجل يتحرك نحو المواقع المتضررة، يخاطب السكان كبطل رياضي أكثر منه رجلاً سياسياً، ويدير عمليات الإنقاذ بأسرع ما يمكنه.
عمليات رفع الدمار والإصلاحات تختلف من موقع إلى آخر. في بودانا هافشنا، حيث دمّر صاروخ مكاتب تجارية اكتفت البلدية بإصلاح خطوط الكهرباء، والقيام بصيانة لمبنى المترو وأنفاقه بعد أن تضررت من ضغط الانفجار. السكان في الحي لم يهتمّوا بإزالة الردم إذ قلّما يبالون بهذه المباني البعيدة عن سكنهم، ولكن في المقابل يقول شاب يمر في المكان إن الوضع أكثر أمناً مما أعتقد: «لاحظ أن كل شيء في مكانه، لم يدخل أحد لسرقة هذه الطابعة»، ويشير إلى طابعة إلكترونية في مبنى مصرف تجاري على الطريق، وحتى محلات الحلويات لم تتعرض لأي تخريب أو نهب.
يرى المعنيون بالشأن الأمني أن دفاعات العاصمة الجوية الآن أفضل من أي وقت مضى، فقد تمكنت أوكرانيا من نشر دفاعات جوية تعترض الصواريخ الروسية، وبعض المتساقطات ليست إلا أجزاء من صواريخ مدمرة. لم تعد –حسب هؤلاء- الصواريخ تصيب أي أهداف، وللأسف فالبعض منها يسقط فوق منازل المدنيين: «هذا ما تخطئه الدفاعات الجوية»، يقول أحد المعنيين بالدفاع عن العاصمة.
وفي رد أحد المصادر على سبب إطلاق الهاتف عشرة تحذيرات على الأقل في اليوم، يقول إن «التحذيرات تنطلق ما إن تقترب الطائرات أو الصواريخ من العاصمة، ولكن الطائرات الروسية لا تتمكن من الاقتراب من المناطق المسكونة حالياً»، متابعاً أن حماية العاصمة وإزالة آثار القصف يعملان بفاعلية حالياً.


مقالات ذات صلة

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

أوروبا المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف (د.ب.أ)

الكرملين: التصريح الأخير لترمب بشأن أوكرانيا «يتماشى تماماً» مع الموقف الروسي

نوّه الكرملين الجمعة بالتصريح الأخير لدونالد ترمب الذي اعترض فيه على استخدام أوكرانيا صواريخ أميركية لاستهداف مناطق روسية.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
أوروبا القوات الأوكرانية تقصف مواقع روسية على خط المواجهة في منطقة خاركيف (أ.ب)

مسؤول كبير: أوكرانيا ليست مستعدة لإجراء محادثات مع روسيا

كشف أندريه يرماك رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أذيعت في وقت متأخر من مساء أمس (الخميس) إن كييف ليست مستعدة بعد لبدء محادثات مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا عسكري أوكراني يحتمي أمام مبنى محترق تعرَّض لغارة جوية روسية في أفدييفكا (أ.ب)

قتال عنيف... القوات الروسية تقترب من مدينة رئيسية شرق أوكرانيا

أعلنت القيادة العسكرية في أوكرانيا أن هناك قتالاً «عنيفاً للغاية» يجري في محيط مدينة باكروفسك شرق أوكرانيا، التي تُعدّ نقطة استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (كييف)
الولايات المتحدة​ تشمل المعدات المعلن عنها خصوصاً ذخيرة لأنظمة قاذفات صواريخ هيمارس وقذائف مدفعية (رويترز)

مساعدات عسكرية أميركية إضافية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون دولار

أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقدم معدات عسكرية تقدر قيمتها بنحو 500 مليون دولار لدعم أوكرانيا، قبل نحو شهر من تنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أوروبا من جنازة جندي أوكراني توفي خلال الحرب مع روسيا (أ.ف.ب)

«الناتو»: مليون قتيل وجريح في أوكرانيا منذ بدء الحرب

أعرب حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن اعتقاده بأن أكثر من مليون شخص سقطوا بين قتيل وجريح في أوكرانيا منذ شنّت روسيا غزوها الشامل في فبراير (شباط) 2022.

«الشرق الأوسط» (كييف)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.