«ن... الكون»... رسالة تشكيلية تقديراً لنساء مصر

معرض لأعمال 60 فناناً وفنانة

عمل للفنانة شيماء حسن
عمل للفنانة شيماء حسن
TT

«ن... الكون»... رسالة تشكيلية تقديراً لنساء مصر

عمل للفنانة شيماء حسن
عمل للفنانة شيماء حسن

في حضرة «نون النسوة»، بعوالمها وقضاياها وتحدياتها وأحلامها، اجتمع 60 فناناً وفنانة لكتابة رسالة تقدير جماعية عبر الفنون التشكيلية، موقّعة بـ«قواعد» الإبداع، إلى نساء مصر، وذلك بالمواكبة مع حلول «اليوم العالمي للمرأة» في الثامن من مارس (آذار)، وكذلك «يوم المرأة المصرية» الموافق لـ16 من الشهر نفسه.
وفي متحف أمير الشعراء بالعاصمة المصرية القاهرة (مركز كرمة بن هانئ الثقافي)؛ جاء معرضهم أو رسالتهم بعنوان «ن... الكون»، كـ«إعراب» عن المرأة بمكنوناتها وسلوكياتها الإنسانية، وإظهار «مَواطن الجمال» في ملامحها وشخصيتها الأنثوية.
بالتجول في المعرض، الذي يستمر حتى 19 مارس الجاري، يجد الزائر الكثير من اللوحات والمنحوتات، لكل منها طريقته في التعبير عن المرأة... فمن بين المشاركات تعود الفنانة التشكيلية نادين صالح إلى حضارة مصر القديمة ملتقطةً من التاريخ الفرعوني وجه الملكة «نفرتيتي»، لتقدمه برؤية تشكيلية تحتفي من خلاله ببنات جنسها. تقول: «نفرتيتي رمز للسيدة القوية في مصر القديمة، واعتبر تمثالها النصفي المعروف والمنحوت على قطعة من الحجر الجيري أشهر منحوت في العالم، لذا استلهمته لأعبّر به عن شخصية المرأة القوية القيادية، وكيف كانت تحكم البلاد وأيضاً كانت زوجة وأماً، لذا نالت منزلة رفيعة لا تزال تشغل بها المهتمين بالتاريخ الفرعوني».
وتضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لجأت إلى ألوان بدرجات رملية مثل ما تعكسه لنا المعابد والتماثيل الفرعونية، قاصدةً أن أنقل روح تلك الحقبة، مع درجات الأزرق والأخضر في الخلفية».
وتعلل «نادين» مشاركتها في هذا المعرض الجماعي بالقول: «أردت من خلال مشاركتي ولوحتي أن أعبّر خلال اليوم العالمي كيف أن المرأة أصبحت أقوى وذات كيان في جميع المجلات، ورسالتي التي أنقلها أن ذلك لا يعني منافسة الرجل، فالعلاقة مع الرجل علاقة تكامل وليست تنافساً أو تناطحاً».
من قوة نفرتيتي إلى رومانسية حفيداتها؛ تأتي مشاركة الفنانة الدكتورة أميرة فهمي، التي اختارت أن تعبر عن العلاقة الرومانسية بين الرجل والمرأة، تقول: «علاقة المرأة بالرجل تمثل جزءاً مهماً للغاية في حياتها، لذا اخترت التعبير عن جانب العلاقة العاطفية بينهما، ولِنقل هذه الفكرة لجأت إلى عدد من أفيشات الأفلام الرومانسية القديمة في السينما المصرية، وجمعها في لوحة واحدة، مازجة بينها بأسلوب (الميكسيد ميديا)، الذي يعتمد على جمع الكثير من المواد معاً على سطح اللوحة».
على سطح اللوحة أيضاً اختارت الفنانة صورة لأشهر مكان رومانسي في القاهرة خلال فترة الستينات وهو مقهى «جروبي» المُنشأ على الطراز الفرنسي، حيث كان مكاناً للمقابلات بين العشاق. أما طرفا العلاقة فقد عبّرت عنهما بصورة ديك يتوسط اللوحة كرمز للرجل، وفي فمه وردة رمزاً للأنثى.
رمزية أخرى لجأ إليها الفنان وليد عبد الرازق في تعبيره عن المرأة، حيث كان أسلوب الفانتازيا الواقعية طريقه إلى ذلك، وجاءت لوحته «النعيم» لكي تشير إلى قيمة المرأة، وما لها من دور إيجابي وأهميتها في الحياة وفي حياة الرجل، بكونها الزوجة والأم والأخت، يشرح الفنان لوحته بالقول: «اخترت ثمرة الرمان، أحد أشكال النعيم في الجنة، كرمز أعبّر به عن قيمة المرأة والزوجة الصالحة، نظراً لدورها وما تحمله من راحة وتضحية لأسرتها، وجهد متواصل لكي تربي أجيالاً، كما اخترت رمز الهرم كقيمة تشكيلية مضافة للوحة، تاركاً للمتلقي ترجمته وفق رؤيته وتذوقه للعمل».
تجسيد مشهد من أرض الواقع، كان هو اختيار الفنانة رحاب مصطفى للاحتفاء بالمرأة في عيدها، حيث تنقل مشهداً من أحد شوارع القاهرة لسيدة مُعيلة، تقوم ببيع المناديل الورقية للإنفاق على نفسها وأولادها. لفتت السيدة أنظار الفنانة نظراً لبساطة الحال وضيق اليد، وهو ما دفعها للتعبير فنياً عن هذه البائعة لتجسد من خلالها معاني التضحية والإصرار على الكفاح وعدم الاستسلام للمعاناة، بما يجعل منها رسالة تؤكد أن التضحية التي تقدمها المرأة لأسرتها هي عنوان كينونتها وسر أمومتها.
بدورها؛ تقول الفنانة شيماء حسن، مسؤولة النشاط الثقافي في مركز «كرمة بن هانئ الثقافي»، ومنظِّمة المعرض، لـ«الشرق الأوسط»، إن المعرض هذا العام جمع الفنانين الرجال مع الفنانات، بعد أن اقتصر العام الماضي على الفنانات فقط، وذلك لمزيد من التنوع في التعبير عن المرأة والاحتفاء بها برؤى ذكورية وأنثوية.
وتلفت إلى الفنانين الرجال جاء تعبيرهم عن المرأة مباشراً، عبر بورتريهات تجسد شكل الأنثى، أو تنقل رؤيتهم تجاه الأم والزوجة، أما الفنانات فتعكس لوحاتهن إحساساً أكبر بنفسيات ومشاعر وخصوصيات المرأة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».